"انقلاب مكتمل الأركان". هكذا فسر الثنائي ما شهدته ساعات الأمس الثقيلة في أعقاب الاستشارات النيابية لتسمية الرئيس المكلف لتشكيل الحكومة. كان كل شيء يشير إلى أن الاتفاق السعودي الأميركي، والفرنسي استطراداً، مع الثنائي يسير وفق المرسوم له، أقله في ذهن الثنائي. أحدثت اجتماعات المعارضة ليل الأحد –الإثنين "نقزة" لدى الثنائي ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي. انسحاب النائب فؤاد مخزومي ضاعف القلق. بدأ اسم نواف سلام يتسلل تدريجياً. اتصل المعاون السياسي لرئيس مجلس النواب نبيه برّي بالموفد السعودي يزيد بن فرحان مستسفراً، ليكون جوابه أن بلاده لا تتدخل في تشكيل الحكومة.
برّي لم يزر القصر
كان تخلف برّي عن زيارة القصر الجمهوري لافتتاح الاستشارات النيابية مؤشراً سلبياً، اكتمل عقده بما توافر من معلومات للثنائي من أن اتصالات ترد بالتدرج إلى النواب السنة والمعارضة، لتسمية نواف سلام بدل ميقاتي. أدار الثنائي محركاته كما الرئيس ميقاتي، استمهلهم وليد جنبلاط حتى صباح الأثنين ليبلغهم موقفه. التيار فتح النقاش معهم ولم يمنحهم وعداً.
في هذا الوقت فشلت محاولات استمالة باسيل من الثنائي وميقاتي معاً. زادت الأوضاع توتراً. شعر الثنائي بأن ثمة من يريد الخروج على الاتفاق معه. على عجل تم التباحث وتقررت المشاركة في الاستشارات، بعدما كان الاتجاه لتأجيل زيارة بعبدا. والاتفاق على موقف موحد للحزب وحركة أمل، بالامتناع عن تسمية نواف سلام. انعدمت حظوظ ميقاتي. شعر الثنائي بالغدر ممن أخلوا بوعدهم معه، أي السعودية وجنبلاط. شعور ميقاتي مضاعف لخشية مصادره من أن يكون الثنائي فسر اتفاقه مع السعودي على غير وجهته الصحيحة، لينتهي الأمر بخسارته المدوية، وما دوّنه علي حسن خليل واعتبره وثيقة تبين أنها وثيقة من جانب واحد، ولم تحمل توقيعاً للطرف الآخر المعني بالاتفاق الشفهي.
بينت مجريات نهار الاستشارات الماراتوني أن الثنائي عقد صفقة متكاملة مع السعودية والأميركيين على انتخاب الرئيس جوزاف عون رئيساً للجمهورية، غير أن الاتفاق لم يبن على ضمانات، ورغم ذلك لم يكن أمامه إلا الانصياع. اعتبر نفسه لساعات منقذاً للرئيس المنتخب ومتجاوباً مع موجبات الوفاق الوطني. حاول الخروج منتصراً بالحديث عن جملة بنود تم الاتفاق بشأنها مع كل من السعودي والأميركي والفرنسي. كان من بين هذه البنود حسب ما قال، ميقاتي لرئاسة الحكومة، حصر التمثيل في الحكومة بالثنائي، المشاركة في التعيينات الإدارية بما فيها قائد الجيش وحاكم مصرف لبنان، القرار 1701 يعني جنوب الليطاني، والاحتفاظ بحقيبة المالية من حصة الثنائي. لم يتم الالتزام بالبند الأول والبقية على المحك.
لوم جنبلاط وباسيل
في الانتخابات الرئاسية حمل الثنائي المسؤولية لرئيس التيار جبران باسيل لعدم التمسك بترشيح مدير عام الأمن العام اللواء الياس البيسري. وفي تسمية الرئيس المكلف يحمل المسؤولية لجنبلاط والسعودية، ومن قناتهما غمز النائب محمد رعد بحديثه عن الغدر في قصر بعبدا.
ولم يكن لينجو باسيل من تحميله المسؤولية. في الساعات التي سبقت الاستشارات تواصل ميقاتي مع رئيس التيار الوطني الحر واستفسره الاشتراكي عن قراره. خلال التشاور انقسمت كتلة اللقاء الديمقراطي بين من ينصح بتسمية ميقاتي لعدم التصادم مع الثنائي، ومن يصر على تسمية سلام، وفي مقدمهم جنبلاط الإبن، وكانت له الكفة المرجحة. طلب جنبلاط الأب من النائب وائل أبو فاعور إبلاغ النائب حسن خليل بالقرار. كانت الصدمة لدى الثنائي. توسعت دائرة القلق. لم يبق إلا التيار. أعيدت المحركات باتجاهه. لم يقطع وعدا. كان على تواصل مع الرئيس المكلف. وبعد اجتماع لساعتين لأعضاء الهيئة السياسية كان القرار بتسمية سلام. وخلال زيارته قصر بعبدا أكد نواب باسيل وقوفه وكتلته إلى جانب العهد لإنجاحه.
بحديثه أمس، أسدل باسيل الستارة نهائياً على تفاهم مار مخايل مع حزب الله. قال أنه "وابتداء من اليوم لم يعد للتيار حلفاء ولا أعداء في الداخل". يعتبر التيار أنه تعرض لخديعة الثنائي يوم كان يتفاوض مع جوزف عون تحت الطاولة ويتفق مع السعودية، بينما كان المطلوب منه الابقاء على دعم ترشيح البيسري ليتم التفاوض على موقفه.
بانتظار سلام
القصة لم تنته بعد. حتى ساعات متأخرة من الليل استمرت الاجتماعات. وعبر قنوات مشتركة وبالمباشر تم التواصل بين الثنائي والرئيس المكلف. ينتظر الثنائي نتائج الاجتماع معه لدى عودته ليحدد موقفه من تشكيل الحكومة بالنظر إلى حجم تمثيله والحقائب التي ستسند اليه.
يتريث في الحديث عن المقاطعة. التواصل مع الرئيس المكلف قائم، ولكن العبرة في بلورة أي اتفاق مستقبلي، خصوصاً بعدما تردد عن أن الرئيس المنتخب جوزاف عون لم يكن في أجواء الانقلاب الذي تم، كما فوجئ به نواب كانوا أقرب لتبني تسمية ميقاتي، لولا الاتصالات التي تلقوها على مفرق القصر الرئاسي.
ثمة من يقول إن الثنائي مني بسلسلة خسائر متتالية نتيجة عدم وضوحه، ورفضه قراءة المتغيرات، وإصراره على الإبقاء على المنظومة السياسية ذاتها بالاتفاق على تسمية ميقاتي. أياً تكن التحليلات، فإن واقعة وحيدة ثابتة أن البلد مقبل على مرحلة جديدة، وعليه أن يتأقلم معها وأن مرحلة الثلث المعطل وشرط تولي الحقائب لم تعد تنطبق على الراهن. لكن هل يرضخ الثنائي أم أن مصلحته تقتضي منه تدوير الزوايا والمهادنة، ريثما يلتقط أنفاسه وجمهوره من قطوع الحرب وما تلاها.
انتهت الاستشارات، غادر برّي قصر بعبدا بلا تصريحات ولا إعلام. مؤشر ثان على استياء الثنائي. ما قاله رعد رسالة. الكل في انتظار مباشرة الرئيس المكلف استشاراته. حال الثنائي بالأمس "غدرونا وانقلبوا علينا" واللبيب من الاشارة يفهم.
نسخ الرابط :