تكليف نوّاف سلام: "الجمهورية الثالثة" تنتصر للطائف والديموقراطية

تكليف نوّاف سلام:

 

Telegram

 

إنها الجمهورية الثالثة. وهي التي يسهب في شرحها كثيراً نواف سلام في كتابه "لبنان بين الأمس والغد". هو اللبنان الذي يعرفه سلام جيداً، بماضيه الذهبي، ومواجعه ومحطاته الثقيلة. وهو اللبنان الذي يمتلك سلام حوله رؤية مستقبلية جامعة. ليس ما يجري أقل من حلم، لم يكن لأحد أن يتخيل إمكانية تحقيقه. من خطاب قسم رئيس الجمهورية، إلى تكليف رئيس الحكومة، بما يمثّله بقيمه وسيرته وتجربته ومواقفه. يمكن للعهد أن يحظى بانطلاقة استثنائية، تكمن أهميتها في التعاطي الواقعي مع المتغيرات الحاصلة، ومع الحرص على التوازن والتوافق، تحت سقف هذه الجمهورية الثالثة، التي يفصّل كتاب سلام كيفية الاجتماع حولها، بالتركيز على مبدأ إعلاء منطق المؤسسات على أي اعتبار آخر، بما يسمح بإقامة دولة مدنية، عادلة وفاعلة، على أساس مبدأ المواطنة الجامعة ومفهوم سيادة القانون. وفي مقدمة الإصلاحات التي ينادي بها، العمل في آن على تطبيق أحكام الطائف التي لم تنفَّذ بعد، وعلى ضرورة سد ثغراته وتصحيح اختلالاته.

إعادة الاعتبار للطائف
تنطوي رؤية سلام على دقّة وبعد في مقاربة لبنان وأزمة الحكم فيه، وكيفية الحفاظ على الديموقراطية، بمزج ما بين الممارسة الديموقراطية الفعلية، والحفاظ على حسن تمثيل الجماعات المختلفة، من دون الإمساك بحق النقض أو التعطيل، ومن دون إدخال "التوافقية" ضمن منطق الابتزاز السياسي. والأهم هو الآلية المعتمدة لديه للانتقال من الحالة الطائفية أو الطوائفية، نحو المواطنة أو الدولة المدنية المكتملة الأركان. وذلك من ضمن العمل على تطبيق أحكام اتفاق الطائف التي لم تنفذ بعد.
تمثّل العملية إعادة الاعتبار للحياة السياسية، ولاتفاق الطائف، بما يحمله من توازن حقيقي جرى تكريسه عن قناعة بين مختلف المكونات. فما جرى في الأيام الأخيرة هو نموذج حيّ لروحية النظام البرلماني الديمقراطي، كتصحيح لمسار خاطئ تكرّس سابقاً، عندما أصبح طرف واحد يتحكم بكل هذه المسارات.

ما يجري هو انتظام للسياسة ودورتها تحت سقف الدستور وليس فوقه، مع التثبيت والتركيز لكل معاني التوافق، ولكن بلا أي تشويه. هنا يتخلّص الطائف من وصايات فرضت بحكم الأمر الواقع، والتخلص من منطق التغلّب أو الاستباحة.. على قاعدة التكامل ما بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة، فيما يكون البرلمان هو الحكم والفيصل. وربما تمثل هذه الفرصة عودة إلى الممارسة ما بين الموالاة والمعارضة بالمعنى الصحّي للكلمة، وليس بمعنى الانقسام الوجودي أو العمودي، وفي سبيل تكريس مبدأ الفصل بين السلطات، وصحّة تداول السلطة. 

التغيير الكبير
مجيء نواف سلام هو على الأقل، ترجمة لما قيل في خطاب قسم رئيس الجمهورية، حول إعادة الاعتبار للقضاء، كخطوة جوهرية لإصلاح الدولة ولعلاقة الدولة مع المجتمع. تكليفه برئاسة الحكومة، هو أعمق تغيير سياسي منذ اغتيال رفيق الحريري، وربما هو جزء أو محطة من تحرير سلمي للدولة منذ خطاب القسم إلى تكليف نواف سلام، حيث ستبدأ لغة سياسية جديدة أرقى وأوضح في التعبير عن مصالح اللبنانيين والمصلحة الوطنية، إلى حدّ أن هناك تفكيراً جديداً سينعكس على أداء مؤسسات الدولة، والقضاء، والأجهزة الأمنية، وفي السلوك المالي والاقتصادي. إنها آمال كبرى تشبه إلى حدّ كبير تطلعات الشعب اللبناني وشعوب المنطقة أيضاً. 
هو باب من أبواب التغيير النموذجي في حال استكمل مساره، وبإمكانه أن يلهم دول الجوار. فلا مفرّ من هذا المسار التاريخي، لبناء دول طبيعية مدنية ديموقراطية وتعددية. دول يحكمها الدستور، القانون، وليس الهرطقات ولا القوة أو العنف. وعليه فسياسياً، لم يكن ما جرى من عملية انتخابية هو مجال للتنافس أو للمفاضلة بين مرشحين، ولم يكن ذلك استفتاء على شخصية سلام أو رؤيته.

يمكن لهذه المعركة السياسية والانتخابية التي خيضت أن تشكل فرصة لإعادة لملمة البلاد بعد كل العصف الذي تعرّضت له، انطلاقاً من حيوية سياسية فرضتها وقائع ساعات ما قبل التسمية. فبشخصيته ومواقفه، لا يمثّل سلام انكساراً لطرف على الآخر، ولا يمكنه الاتجاه نحو منطق المكاسرة، لا بالمعنى السياسي، ولا بالمعنى الدستوري، ولا حتى ميثاقياً، على الرغم من محاولة البعض إبراز معادلة الميثاقية بالتسمية، والتي جرى تجاوزها سابقاً في الكثير من المحطات. هنا يبقى الأهم حماية الميثاقية في إطار حماية الجماعات المختلفة وحقوقها وحضورها على قاعدة التواصل لا المقاطعة، دفعاً نحو تلك "الجمهورية الثالثة".

تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram

نسخ الرابط :

(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)

:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي

 

Telegram