لا شك في أن الإنسان الذي يصل الى مرحلة يُصبح قادراً فيها على رؤية عيوبه، وعلى الحديث عنها بحريّة، والسخرية منها ربما، حتى في العَلَن، هو شخص بلغ مرحلة معيّنة من التحرّر الذاتي والاجتماعي.
الأذكى...
والأمر نفسه بالنّسبة الى الشعوب القادرة على السخرية من نفسها، ومن بينهم أهالي حمص مثلاً، الذين تؤكد الكثير من المعطيات السورية وغير السورية منذ زمن بعيد، أنهم يقفون هم أنفسهم وراء تحويل "الحمصي" الى شخصية كوميدية داخل وخارج الحدود السورية، يُسخَر منها بالنّكتة والدعابة، وذلك رغم أنهم (أهالي حمص) من أذكى شعوب الأرض منذ قديم الزمان.
نقول ما سبق ذكره لا لشيء، سوى للإشارة الى فارق شاسع وواسع وكبير، بين "الحماصنة" في سوريا، الذين وصل صدى نكاتهم بشأن "الحمصي" الى لبنان وغيره، منذ زمان بعيد جداً، أي الى البلد (لبنان) الذي يعتقد شعبه أنهم الأذكى على وجه الأرض بالاستناد الى ما "ينامون عليه" من أمجاد أسلافهم الذين صدّروا الحرف الى العالم.
كوارث...
فالسوريون (من أهالي حمص وسواها) الذين لطالما نظر بعض اللبنانيين إليهم (ولا يزالون) بفوقية (خصوصاً أن معظم الأعمال والمهام التي يقومون بها في لبنان يرفض اللبناني أن يحرّكها ولو بطرف إصبعه)، ورغم الأسئلة الكثيرة التي تُحيط بكلام القائد الجديد لسوريا أحمد الشرع بشأن طول مدّة كتابة الدستور وإجراء الانتخابات، لا يتوقفون عن الحديث الآن عن أن الأولوية الحالية في سوريا هي لبناء الدولة، ولإنشاء مؤسّسات عامة تخدم جميع السكان، ولتوفير أوراق ثبوتية للكثير من السوريين الذين نزحوا من البلاد خلال السنوات الماضية، وذلك قبل أي انتخابات، وهو ما يعني أنهم يضعون الإنسان السوري في المرتبة الأولى قبل أي استحقاق، وحتى قبل الدستور. وهذه قمة في الفهم والذكاء، طبعاً بالإذن من بعض اللبنانيين الذين يُصيبون آذاننا بطَرَش شديد، عندما يطالبون بإجراء الاستحقاقات الدستورية والسياسية، وحتى في أوان موت الناس من قلّة الرعاية الصحية، ومن الأزمات المعيشية، وذلك من دون أي اهتمام أو إشارة الى ضرورة إنهاء كل تلك الكوارث أولاً.
دستور جديد
في أي حال، وبمعزل عن المدة الزمنية التي قد تستغرقها كتابة الدستور السوري الجديد، والأهداف من جعلها طويلة أو لا، أشار الشرع الى أنه سيتمّ تشكيل لجان من أجل التخطيط للفترة الانتقالية والدستور.
وأما اللبنانيون الذين صدّروا الحرف الى العالم خلال الأزمنة الغابرة، يستصعبون اليوم كتابة أو قراءة أو حتى الاستماع، الى أي شيء بشأن ضرورة تجديد بلدهم، وحياتهم السياسية وغير السياسية، بواسطة دستور جديد، ويفضّلون الجمود وسجن ذواتهم بنصوص تجاوز عمرها العقود، بتجاهُل تامّ الى أن كل ما لا يتجدّد، يضمحلّ وينتهي ويتلاشى تدريجياً. هذا مع العلم أن المتغيّرات الإقليمية والدولية التي حصلت خلال العقود الماضية، تحتّم تطوير الحكم اللبناني، بدستور جديد.
تقليص سنوات...
فلبنان بحاجة الى صلاحيات أوسع لرئيس الجمهورية، تمكّنه من أن يكون رئيساً أبْعَد من مجرّد شريك سلطة لمجلس وزراء. والأخير يحتاج الى أن يقوم بأدوار أبْعَد من أن يكون شريكاً "مُناقِماً" لرئيس الجمهورية في صلاحياته القديمة التي سُحِبَت منه منذ 35 عاماً.
كما أن البرلمان بحاجة الى نهضة جديدة، والى أن يُصبح أكثر قابلية للمتابعة والمحاسبة في عمله بالملموس، والى تقليص عدد نوابه الى 80 نائباً ربما، بحدّ أدنى، في بلد لا يحتاج الى كل هذا التمثيل (128 نائباً)، ولا الى كل تلك الرواتب المهدورة.
هذا فضلاً عن الحاجة الى منح الشعب حقّ الاقتراع المباشر لرئيس الجمهورية، والى سحب تلك المهمّة من يد النواب، وذلك بموازاة وجوب تقليص مدّة الولاية الرئاسية في لبنان الى 4 سنوات (لا حاجة لـ 6 سنوات)، ومدّة ولاية مجلس النواب الى 3 سنوات خاضعة لنوع من اقتراع شعبي "نصفي" خلال كل 18 شهراً، (اقتراع نصفي) يمكنه نزع النيابة عن بعض النواب الذين لا يصلحون لها (حتى ولو كانوا ضمن كتل حزبية قوية)، إذا لم يقوموا بأي مشروع أو عمل أو تشريع فعّال خلال مهلة سنة ونصف بالأكثر.
وصاية سورية
هذا فضلاً عن وجوب عدم السماح لأي حكومة بالبقاء في السلطة لأكثر من 9 أشهر ربما، واعتبارها مستقيلة حكماً عند بلوغها تلك المدة، وذلك من أجل تجديد عمل ونبض السلطة التنفيذية دائماً، وعدم إفساح المجال لبعض التجاوزات داخل بعض الوزارات عندما تطول مدة مكوث الوزير فيها.
فالحكم السليم في أي بلد، يحتاج دائماً الى عدم السماح للحاكم بأن يكون مرتاحاً ضمن مهل زمنية طويلة، بل الى جعله مضغوطاً جداً، ضمن مهل زمنية قصيرة، وذلك بهدف انتزاع الإنتاجية الأكبر منه.
قد نكون نحلم، طبعاً، ونحن ندرك ذلك. ولكن الى أن نصل الى اليوم الذي يسمح لنا بالقول فعلياً إن لبنان هو بلد فيه دولة، سنترك شعبنا "يحبّ الحياة"، والسهر، والنّكات، والدعابة، خصوصاً بشأن "الحماصنة"، وذلك تحت حكم سوري مباشر، أو تحت مظلّة وصاية سورية غير مُعلَنَة، بين الحين والآخر.
أنطون الفتى - وكالة "أخبار اليوم"
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :