هذا ما تعنيه «عصا الناقورة» و«جزرة الرياض»

هذا ما تعنيه «عصا الناقورة» و«جزرة الرياض»

 

Telegram

 

حسم الموفد الرئاسي الأميركي عاموس هوكشتاين النقاش حول موضوع انسحاب الجيش الإسرائيلي من الأراضي اللبنانية المحتلة ضمن مهلة الـ60 يوماً التي تلت تفاهم 27 ت2 2024، وهو ما شكّل صفعة مدوية لكل من استبعد مثل هذه الخطوة من الجانبين في تل أبيب وبيروت. ولكن ما كان لافتاً أنّه وزّع المسؤولية على طرفي النزاع عندما لم يجد سبباً لبقاء الإسرائيليين في الجنوب وما زرعه «حزب الله» من أسلحة أرجأت عملية الانسحاب والانتشار معاً. وهو ما يمكن ترجمته بالآتي من الوقائع.

في الوقت الذي كان بعض اللبنانيين يشكّك بانسحاب الجيش الإسرائيلي من القرى الجنوبية المحتلة، وانّه يستعد لليوم التالي لنهاية المهلة في 27 كانون الثاني الجاري، كانت الأصوات تتعالى من جانب المتشدّدين في حكومة بنيامين نتنياهو ومن المعارضين الاسرائيليين، يتحدثون عن إمكان أن تبقى إسرائيل في الإراضي اللبنانية المحتلة لفترة غير محدّدة، لإذكاء الفتنة الداخلية والتشكيك بقدرة الجانب اللبناني على تنفيذ كل الالتزامات التي قال بها تفاهم 27 ت2 2024 التي قضت بنشر الجيش اللبناني إلى جانب قوات «اليونيفيل»، وهو ما له أكثر من تفسير أجبر الجانب الاميركي على التحرك للإمساك بالوضع والتشديد على حجم الضمانات الاميركية عند رعايتها للاتفاق، وحفاظاً على الهيبة الدولية التي تتمتع بها، فهي لم تتبن ما تمّ التوصل إليه لتتركه يتلاشى أمام أي قوة من أي جانب كان.

على هذه الخلفيات، كشفت المراجع الديبلوماسية والعسكرية المطلعة، أنّها لم تُفاجأ بما قام به هوكشتاين. فهي كانت تدرك الظروف التي دفعت الجانبين الاسرائيلي و«حزب الله» إلى الاستهتار بالاتفاق في شكله ومضمونه كل من جهته ولأسباب مختلفة جداً، وقد سبق أن اعتمدا معاً هذا الاسلوب الذي قاد إلى الحرب التدميرية التي شهدها لبنان. فالطرفان، أي ايران عبر «حزب الله» من جهة وإسرائيل من جهة أخرى ـ كما قال هوكشتاين في الصيف الماضي ـ كانا يستعدان للحرب منذ ان تمّ التوصل إلى القرار 1701 الذي جمّد العمليات العسكرية في آب 2006 في انتظار التوصل إلى ترسيم الحدود الدولية بين الجانبين وحتى 23 تشرين العام الماضي، وجمعا ما استطاعا من اسلحة وقدرات عسكرية لخوض هذه الحرب ومعها الحملات الديبلوماسية والإعلامية والجهادية تحضيراً لها.

وانطلاقاً من هذه المقولة كان التحرّك الأخير لهوكشتاين الذي تأنّى في تحديد موعد زيارته إلى بيروت في انتظار ان يدخل لبنان مدار الانتخابات الرئاسية، بعدما تبين انّ ما وراء التفاهم كان موضوع انتخاب الرئيس هو البند غير المعلن عنه والذي يجب أن يُضاف إلى البنود الثلاثة عشرة التي قال بها تفاهم 27 تشرين الثاني 2024 ليخطو خطوته في اتجاه لبنان، ولم يردّ على سلسلة الشكاوى اللبنانية التي تحدثت عن حصيلة العربدة الإسرائيلية وخروقات جيشها لاتفاق وقف النار، معطوفة على الشكاوى الإسرائيلية من تردّد الجيش اللبناني بتخصيص القوات الإضافية التي يحتاجها لانتشاره في جنوب نهر الليطاني إلى جانب مواقعه في المنطقة وقوات «اليونيفيل»، وهي مهمّة أُنيطت بالجيش ليعمل في الوقت عينه على جمع اسلحة الحزب وتفكيك المنشآت العسكرية تحت الارض وفوقها التابعة له ومصادرة الأسلحة الموجودة فيها قبل الانطلاق إلى جمعها على مساحة لبنان وتفكيك المصانع المخصصة لصناعة الصواريخ والطائرات المسيّرة، بعدما اعلنت ايران و«حزب الله» عن مرحلة التصنيع في لبنان، ولم يعد في حاجة إلى الاوتوستراد المفتوح من طهران إلى الضاحية الجنوبية مروراً ببغداد ودمشق.

وانطلاقاً من هذه المعادلة البسيطة التي يجب ان يفهمها اللبنانيون من مختلف الأوساط والمناطق، فَهم هوكشتاين انّ ما قامت به إسرائيل من أعمال التفجير والتجريف لاقتناعها بأنّ الجيش اللبناني لن يقوم بهذه المهمّة لاحقاً، وانّ لإسرائيل الحق بإقامة منطقة عازلة خالية من الأسلحة لا يمكن تجاهل أهميتها إن لم يلتزم الحزب بما تمّ التفاهم عليه، بعد أن منح رئيس مجلس النواب نبيه بري ثقته المطلقة لإدارة المفاوضات التي انتهت إلى هذا الاتفاق، ولم يكن لأي مسؤول لبناني القدرة على تحمّل نتائجه في ظل القوة التي امتلكها الحزب عسكرياً، اقتصادياً ومالياً، وانّ على من بنى هذه القوة الهائلة التي كلّفت ملايين الدولارات بمعزل عن الدولة اللبنانية ومؤسساتها، أن يوافق على مقتضيات الاتفاق وما قال به ليس على مستوى الجنوب فقط انما على مستوى لبنان بكامله.

وطالما انّ مَن أنجز الاتفاق (حزب الله ورئيس مجلس النواب) ليس في الموقع الدستوري والرسمي المؤهل لتنفيذه، تبّنت الحكومة اللبنانية ورقة التفاهم واتخذت الإجراءات الكفيلة بتنفيذ ما قالت به بقواها العسكرية الذاتية ضماناً لما ستُلقى عليها من مسؤوليات في المرحلة المقبلة ومقتضيات الوضع الجديد الذي غلب على منطقة الشرق الأوسط، بالمستجدات التي طاولت أنظمة بكاملها وقضت على محور بكامله، لفتح صفحة جديدة توحي بأنّ هذه الحرب هي الاخيرة في تاريخ المنطقة وتاريخ النزاع مع إسرائيل، وليس ضرورياً ان تؤدي إلى أي عملية سلام معها من الجانب اللبناني، فالأمر ليس مطلوباً في هذه المرحلة بالذات، وقد يكون مساراً طويلاً. فلبنان سيكون آخر الدول التي تطبّع معها.

وبعيداً من مزيد من التفاصيل، كانت كلمات قليلة لهوكشتاين كفيلة بوقف التشكيك بالمهلة والاتفاق معاً. فقال إنّ الايام الفاصلة عن نهايتها كافية لتنفيذه. وقدّم عرضاً ميدانياً أخلى خلاله الجانب الاسرائيلي القطاع الغربي من الجنوب في ساعات قليلة لمصلحة الجيش و«اليونيفيل». ولاقاه أمس وزير خارجية بلاده انتوني بلينكن، الذي أعلن انّه «ومنذ وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله» شهدنا انسحاب أكثر من ثلث القوات الإسرائيلية من لبنان». ولا يُنسى هنا انّ هوكشتاين اكّد ايضاً في معرض حديثه عن التفاهم «انّه يشمل كل لبنان وكل سلاح غير شرعي على مساحة لبنان». وما لم يقله بل قام به عندما سعى إلى جانب الموفدين من نظرائه إلى «أنّ انتخاب الرئيس العتيد للجمهورية هو الخطوة التالية»، في مرحلة قالت فيها واشنطن والرياض ومعهما الدوحة والقاهرة وباريس كلمتها النهائية في الاستحقاق الرئاسي، وأنّ المؤهل لتنفيذ هذا التفاهم هو قائد الجيش العماد جوزف عون مدعوماً بمعادلة بسيطة قالت انّه وفي مقابل «عصا الناقورة» العسكرية هناك «جزرة الرياض» المالية لإنقاذ لبنان وإعادة اعماره، بشروط وضعت في لائحة طويلة على من يدير السلطة الالتزام بها. ونقطة عالسطر.

تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram

نسخ الرابط :

(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)

:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي

 

Telegram