إما جوزاف عون أو لن يكون هناك رئيس، ولم يكون هناك مساعدات ولا اهتمام دولي بلبنان. هذه هي الرسالة الواضحة التي تبلغها المسؤولون اللبنانيون من مختلف الدول، من قبل مختلف الموفدين الدوليين والديبلوماسيين الذين حضروا إلى بيروت قبل ساعات من جلسة انتخاب رئيس للجمهورية. الموفد السعودي يزيد بن فرحان حطّ في بيروت مجدداً صباح الأربعاء، في الوقت الذي كان الموفد الفرنسي جان إيف لودريان يلتقي بمختلف القوى السياسية لإقناعهم بضرورة دعم جوزاف عون. إنها رسائل مشتركة حملها الأميركيون، الفرنسيون، والسعوديون تتضمن ضغوطاً وإغراءات في الوقت عينه لبلورة تفاهم واسع وعريض يفضي إلى انتخاب قائد الجيش جوزاف عون رئيساً للجمهورية.
مناورات باسيل والثنائي
بشكل واضح وجلي برز حجم التدخل الدولي في سياق الاستحقاق الرئاسي. بدا رئيس الجمهورية في لبنان، وكأنه مرشح دولي وليس فقط مرشح القوى الداخلية التي بقيت منقسمة على نفسها حتى لحظة الدخول إلى القاعة العامة في مجلس النواب، وبدء عملية التصويت. حركة سريعة بعقد لقاءات مع كل الكتل والقوى، تولاها الموفد الفرنسي جان إيف لودريان، والسعودي يزيد بن فرحان للحث على ضرورة انتخاب قائد الجيش. في الموازة، كانت الاتصالات تتكثف بين حركة أمل، حزب الله، والتيار الوطني الحرّ من أجل التفاهم على مرشح توافقي يشكل بديلاً عن عون ويرضي المجتمع الدولي. حاول الثنائي الشيعي إقناع باسيل بالسير بخيار الياس البيسري، لكن باسيل رفض، على قاعدة أنه لا يمكن تعطيل مسار انتخاب عون بخيار البيسري، بل جهاد أزعور هو الخيار الأفضل، والذي يعطي ثقة للخارج والداخل حيث هناك تقاطع واسع حوله، ويمكن من خلاله قطع الطريق على وصول عون وانتخابه بما يرضي القوى الإقليمية والدولية.
لم تصل الاتصالات بين باسيل والثنائي إلى أي اتفاق، لتتجه الأنظار نحو الاجتماع الذي عقد بين لودريان ورئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد. سمع رعد من لودريان كلاماً واضحاً حول ضرورة انتخاب جوزاف عون. وهو ما يرتبط بالمساعدات وإعادة الإعمار وتثبيت اتفاق وقف النار. كان الثنائي الشيعي ينظر إلى محاولة فرض جوزاف عون بقوة الدفع الديبلوماسي، بأنه تكريس لهزيمة سياسية ما بعد الانكسار العسكري الذي تعرض له حزب الله وحلفاؤه على مستوى المنطقة. لكن رعد شدد أمام لودريان بأن حزب الله حريص على البقاء على موقف واحد مع رئيس مجلس النواب نبيه برّي، وأن الحزب حريص على التوافق، ولا يضع فيتو على قائد الجيش في حال توفرت ظروف التوافق حوله وفي حال وافق برّي. بالتزامن، كان علي حسن خليل يزور اليرزة للقاء الموفد السعودي، والذي كرر أيضاً تأييد السعودية والخماسية لخيار قائد الجيش. لكن خليل نقل وجهة نظر رئيس مجلس النواب نبيه برّي حول أن جوزاف عون لا يريد أن يتعاطى مع أي طرف من القوى السياسية، وأن هناك كثراً يمانعون انتخابه، وأنه يحتاج إلى تعديل للدستور والأصوات اللازمة لإنجاز التعديل غير متوفرة. حاول الموفد السعودي إقناع خليل بالموافقة على عون ربطاً ما بين الضغط والإغراء، ليتجه بعدها خليل إلى عين التينة وإبلاغ برّي بفحوى المفاوضات. كما نسق خليل مع حزب الله، ولم يتقرر اتخاذ أي موقف، بانتظار استكمال اللقاءات والمشاورات، على أن تبقى الاجتماعات مفتوحة إلى ما قبل الجلسة بقليل. فيما كان الموفد السعودي يعقد لقاءات مع كتل نيابية عديدة لإقناعها بالموافقة على انتخاب قائد الجيش، وهو ما انعكس في مواقف نواب الطاشناق، والتكتل الوطني والأحباش.
"القوات" تؤيد عون
بالنسبة إلى حزب الله، ووفق ما تقول مصادر مقربة منه، فهو ليس لديه أي مشكلة مع قائد الجيش ولا مع شخصيته، ولكن المشكلة هي بطريقة إدارة عملية انتخاب من قبل القوى الإقليمية والدولية، لتبدو وكأنها محاولة فرض بالقوة. وهذا ما لا يوافق عليه الحزب، لأنه يرفض الرضوخ للضغوط وتقديم التنازلات تحت الضغط. وتقول المصادر القريبة من الحزب: "بقينا منفتحين على كل أساليب التحاور والتشاور، وما نريده هو الوصول إلى تفاهم شامل بالحوار وليس بالفرض. وبحال تغيرت المقاربة وآلية التعاطي، فحينها يمكن أن ندعم خيار انتخاب قائد الجيش". في المقابل، كانت الضغوط الدولية والإقليمية تفعل فعلها لدى قوى المعارضة، وخصوصاً لدى القوات اللبنانية، التي بدأ مسؤولوها بالإعلان عن الموافقة على انتخاب قائد الجيش وتأييده بفعل المزاج الدولي. تجاوزت القوات مسألة عدم قيام عون بزيارة إلى معراب، وبنتيجة ضغوط سعودية وأميركية تبنت القوات عقد اجتماع لقوى المعارضة في معراب لإعلان تبني ترشيح قائد الجيش والتوجه لانتخابه.
ثلاثة خيارات
في خضم كل هذه المشاورات انفرز لبنان تحت عنوان رئيس يطبق القرار 1701 ويحظى بثقة المجتمع الدولي، وقوى أخرى تعتبر أن الرئاسة لا يمكن أن تفرض فرضاً ولا بد من التوافق، بما يحمي مصالح مختلف القوى والمكونات ويوفر نوعاً من التوازن. لم يكن خيار الثنائي الشيعي في الموافقة على انتخاب قائد الجيش بالأمر السهل، لأنه سيصور الثنائي الشيعي بأنه تلقى هزيمة سياسية كبيرة، وستكون ترجمة لانكسار عسكري، خصوصاً في ظل الضغوط الدولية الكبرى التي مورست من أجل الدفع باتجاه انتخاب قائد الجيش.
وإزاء هذه الوقائع، هناك ثلاثة خيارات:
الأول، رضوخ رئيس مجلس النواب نبيه برّي، والموافقة على السير مع حزب الله بخيار قائد الجيش جوزيف عون.
الثاني، أن لا تتوفر الأصوات اللازمة لفوز قائد الجيش بنيله 86 صوتاً، وحينها يدعو رئيس المجلس إلى تشاور في المجلس للتفاهم على الرئيس، بينما تصرّ المعارضة على اعتباره رئيساً فائزاً ويحصل جدل دستوري، بذلك يكون عون قد أصبح رئيساً بحكم الأمر الواقع السياسي ويكون بحاجة إلى توافق أوسع لتوفير الجانب الدستوري، عندها قد يعلّق بري الجلسة، للدخول في مفاوضات حول كيفية التصويت له من قبل الثنائي الشيعي.
والثالث، أن لا ينال أي مرشح الأصوات اللازمة للفوز، فتتعطل الجلسة بدوراتها المتتالية. وعندها يتوجه برّي إلى سفراء الدول، بأنه بسبب غياب التوافق لا يمكن إنتاج الرئيس، ولا بد من الحوار الموسع حول المرشح التوافقي والسلّة الشاملة.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :