انطلقت ورشة إعادة إعمار ما تدمّر بفعل العدوان الإسرائيلي. فقد بدأت عمليات إزالة الردم، بالتزامن مع عمليات الترميم غير الإنشائي والإنشائي التي لا تحتاج إلى وقت طويل. أما أعمال مسح الأضرار، فهي تُنجز بوتيرة سريعة رغم التحديات اللوجستية والشعبية، إذ بلغ عدد الملفات المُنجزة نحو 250 ألفاً، بينما سُدّدت التعويضات التي تشمل الإيواء والترميم والأثاث لنحو 20% من الملفات التي أُنجز المسح فيها، بمعدّل ارتفع إلى 6000 ملف يومياً. ويتردّد أن ما سدّده حزب الله من تعويضات لغاية مطلع هذا الأسبوع بلغ 200 مليون دولار، وهو رقم يزداد بشكل يومي بنفس الوتيرة المتسارعة في إنجاز المسح والتسديد. كل هذه العملية، بكامل تفاصيلها محصورة بمؤسّسات حزب الله، إذ إن مؤسّسات الدولة الرسمية تسير بخطى بطيئة جداً، بما يشبه انكفاء السلطة عن برنامج إعادة الإعمار بكل ما فيه من تخطيط ومعاينة وبحث عن التمويل.
خلال الأيام الماضية، كثّف حزب الله عملية دفع التعويضات. في اليوم الأول من السنة الجديدة سلّم 6 آلاف أمر قبض إلى المتضرّرين لصرفها في فروع مؤسّسة القرض الحسن، وفقاً لمصادر «الأخبار»، ثم في الأيام التالية استمرّت هذه الوتيرة الكبيرة من التسديد بعدما كانت تبلغ 1500 أمر قبض يومياً في الأسبوع الأخير من السنة الماضية. ويتردّد أن قيمة التعويضات التي سدّدها الحزب لأصحابها تجاوزت 200 مليون دولار، تعود لنحو 50 ألف متضرّر، علماً أن هناك 25 ألف أمر قبض محرّرة تنتظر تسليمها لأصحابها وصرفها عبر القرض الحسن، أي إن التقديرات تشير إلى أن المبلغ المتراكم الذي سيُسدّد حتى نهاية الأسبوع سيتجاوز 250 مليون دولار تشمل بدلات إيواء لأصحاب الوحدات السكنية المدمّرة والمتضرّرة بالإضافة إلى بدلات الترميم والأثاث وسواها، أي ما يوازي 29% من الملفات الممسوحة.
يصرف المتضرّرون أوامر القبض المدفوعة من الحزب، عبر جمعية القرض الحسن التي تمكّنت من فتح 28 فرعاً لها من أصل 36 تعرّضت غالبيتها للقصف المباشر (الباقي مدمّر وقيد التأهيل حالياً)، وقد استنفرت الجمعية كل قدراتها حتى صارت الفروع «تعمل 7 أيام في الأسبوع وجرى تمديد دوام العمل لساعات إضافية يومياً، ومن دون إجازات، وكل ذلك بهدف التعجيل في صرف التعويضات» يقول مصدر لـ«الأخبار».
تتمحور مهمّة مؤسّسة القرض الحسن بصرف أموال التعويضات، ولا دخل لها بالإجراءات السابقة التي تحدّد المبالغ الواجب دفعها، أو حجم الأضرار، إذ تلعب دور الوسيط بين مؤسّسة جهاد البناء، والمتضررين. هذه الإجراءات تبدأ بالمسح الذي تمّ إنجازه وتحديد المبالغ للمتضرّر أكثر من أسبوع كمعدل زمني، وصولاً إلى التسديد. فخلال 40 يوماً، «أُنجز مسح 247 ألف وحدة سكنية. وحُوّل إلى الصرف أكثر من 60 ألف استمارة، أي 25% من الوحدات السكنية المكشوف عليها على كامل الأراضي اللبنانية» وفق المدير العام لمؤسّسة جهاد البناء حسين خير الدين. هذه المؤسّسة تعمل «بموجب قرار صادر عن حزب الله يقضي بأولوية ترميم الوحدات السكنية المتضررة الموجودة، أي غير المدمّرة، وصرف بدلات الإيواء لأصحاب البيوت المدمّرة تماماً». لذا، وضعت في خدمة هذا الملف 963 مهندساً، يعملون على مسح 448 مربعاً سكنياً على امتداد الخارطة اللبنانية. ويعاونهم 27 مركزاً هندسياً، و18 مركزاً معلوماتياً فيها 220 عاملاً وعاملة. مهمة هذه المراكز مكننة استمارات الكشف وتحويلها إلى جداول جاهزة للصرف. واليوم، تنجز هذه المراكز 4 آلاف استمارة يومياً. يتوقع خير الدين ارتفاع عدد المسوحات مع تطوّر الأعمال والدخول إلى مناطق جديدة، مع الإشارة إلى«عدم وصول فرق الكشف إلى القرى المحاذية للحدود الفلسطينية».
وفي مقارنة مع حرب تموز عام 2006، يلفت خير الدين إلى أنّ عدد الوحدات السكنية التي تضررت حينها وصل إلى 127 ألف وحدة. وتطلب إنهاء أعمال الكشف عليها 6 أشهر. في حين «تمكنت فرق العمل الآن، وخلال 40 يوماً فقط من الكشف على أعداد أكبر من الوحدات السكنية». وبحسب خير الدين، قسّمت جهاد البناء الأضرار إلى 4 أنواع. النوع الأول هو المباني والبيوت المتضررة وغير المدمرة تماماً. وفيها الوحدات السكنية موجودة، وتعاني من أضرار تراوح من البسيطة إلى الكبيرة، إنّما من دون أضرار إنشائية. بمعنى آخر، لا تزال أساساتها سليمة. النوع الثاني هي الأبنية والبيوت المهدمة كلياً. وتتابع جهاد البناء، وفقاً للأولوية التي وضعها حزب الله، هاذين النوعين من الأضرار خلال الفترة الحالية.
وعلى خط مواز، تستمر عمليات الإحصاء لتشمل بقية أنواع الدمار. فيشمل النوع الثالث من الأضرار الوحدات السكنية والأبنية المتصدعة. ويشرح خير الدين هنا بأنّ المقصود من هذا النوع من الدمار هو «الوحدات السكنية والأبنية المتضررة على مستوى الأساسات والعناصر الإنشائية، مع ما يرافقها من أضرار على الأقسام المشتركة مثل المصعد، الدرج، السطح، واجهات المبنى...».
أما النوع الرابع من عملية معالجة آثار الدمار، فيشمل الوحدات المهدمة التي دفع لأصحابها بدلات إيواء عن سنة واحدة. وقبل انتهاء العام الأول، يؤكّد خير الدين أنّ «الفرق الهندسية تحتسب مساحة البيوت الفردية المدمّرة وكلفة التشطيب من أجل معرفة كلفة إعادة إعمارها. وعلى ضوء قيمة التعويضات التي ستدفعها الدولة، سيقوم حزب الله بدفع فرق الكلفة إن وُجد. مثلاً، بعد حرب تموز 2006، دفعت الحكومة 40 ألف دولار لكلّ وحدة سكنية مدمّرة، وقامت شركة وعد بترميم المبلغ. أما الأبنية المؤلّفة من عدة طبقات، وفيها عدد كبير من الوحدات السكنية، فسيقوم حزب الله بإعادة إعمارها وتسليمها إلى أصحابها، في إعادة لمشهد شركة وعد التي أنشأت عقب حرب تموز 2006.
«المعضلة الكبيرة»، وفقاً لخير الدين، تكمن في الوحدات المتصدعة، أي النوع الثالث من الدمار. فهذه الأبنية والشقق التي دمّر العدوان أجزاء من أساساتها الإنشائية ولكنّها لم تقع بحاجة لفرق هندسية متخصصة لحسم مصيرها. حتى الآن، أحيل 40 مبنى متضرر إنشائياً إلى الهدم، يقول خير الدين. وييتوقع أن يتجاوز عدد المباني المتصدّعة إلى 100 مبنى في الضاحية الجنوبية. ويصف خير الدين القرارات بشأن هذه الأبنية بـ«الخطر» إذ يترتب على المهندسين «إجراء حسابات معقّدة تتعلق بأثر الأعمدة المدمّرة على ثبات المباني. وبناءً على هذه الحسابات، ستتخذ قرارات على شاكلة، هل ندعّم أو نهدم؟». وللدلالة على خطورة هذه القرارات يعطي خير الدين مثالاً عن هدم مبنى مؤلف من 10 طبقات، وفيه 20 شقة، هذا يعني إضافة مليوني دولار على كلفة إعادة الإعمار. كما أنّ هدم مبنى له تأثيرات قانونية تتعلق بالدولة، ففي حال قررت الحكومة التعويض، يُحتمل أن تسأل: على مسؤولية من اتُّخذ قرار الهدم؟ ففي صور الحكومة الجوية، المبنى كان موجوداً بعد الحرب، يقول خير الدين، بالتالي يحتمل أن تقول الحكومة: لن نعوّض. إذ ستعتبر أنّه لا يحتاج للهدم، ولا علم لي. لذا القرار دقيق وخطير. أما في حال اتخذ القرار بالإبقاء على المبنى والتدعيم، يجب أن يكون القرار سليماً لأنّ التبعات خطيرة، وفقاً لخير الدين، مشيراً إلى أنّ «عملية التدعيم ستكون على عاتقنا، إذ لن ندفع مبالغ لإعادة ترميم هذا النوع من الأضرار ونتركها على عاتق صاحبها، بل سنقوم بهذا العمل بأيدينا. سنضع خريطة وننفذها، ونجعل البناء آمناً، ومن ثمّ نمسح الأضرار وندفع لأصحابها».
توسيع مطمر الكوستابرافا بـ140 ألف متر مربع
عرضت أمس في مجلس الوزراء دراسة من مجلس الإنماء والإعمار في سياق تكليفه بإمكانية توسيع مطمر الكوستا برافا من خلال استيعبا كمية من ناتج الرم الموجود في الضاحية الجنوبية لمدينة بيروت، مشيراً إلى أنه سبق لمجلس الوزراء ان اتخذ قرار بتوسيع مطمر الكوستابرافا بنحو 700 ألف متر مكعب من النواتج لردم ما يوازي 90 ألف متر مربع من المساحة السطحية، أي ان استعمال ردم الضاحية هو أمر مطلوب، إنما يجب أن يتم الأمر بشروط تراعي المواصفات البيئية مع المتعهد الذي جرى تلزيمه. إذ يفترض أن يتم فرز الردم وإزالة المواد القابلة للتدوير أو التي تعدّ سامة وغير ملائمة للبيئة البحرية، وتكسيره إلى المقاسات المناسبة للاستعمال في المطمر. كما اشار المجلس إلى أنه يمكن توسيع المطمر بمساحة 50 ألف متر مربع إضافية لتصبح سعته الإجمالية 1.3 مليون متر مكعب وذلك من خلال استعمال ردم الضاحية.
مسح الأضرار الزراعية والآليات
إلى جانب أعمال مسح على البيوت والمباني، تعمل مؤسسة جهاد البناء على إحصاء جميع أضرار الحرب الأخيرة على لبنان. ففي المناطق الزراعية بقاعاً وجنوباً، تقوم فرق المؤسسة بإحصاء الأضرار على المزروعات مثل الأشجار المثمرة والآليات الزراعية، كما تسجل الأضرار الاقتصادية التي وقعت على بضائع أصحاب المحال التجارية والمصانع. ولكن، «المهمة الآن هي إحصائية فقط»، يقول مدير عام جهاد البناء حسين خير الدين.
كما تقوم المؤسسة بإحصاء السيارات والآليات التي دمّرها العدوان، إنّما من دون دفع التعويضات أيضاً، إذ «لا قرار بالصرف الآن»، يقول خير الدين، مشيراً إلى مساهمة مؤسسته في مسح الأضرار على المؤسسات العامة أيضاً، سواء الضرر على البناء أو الأثاث.
التسعير ليس ثابتاً
«جداول الأسعار المعتمدة من جهاد البناء لا تزال حتى الآن أعلى من الأسعار الرائجة في السوق»، يقول مدير عام مؤسسة جهاد البناء حسين خير الدين. على سبيل المثال، «سعر المتر المربع من الألمنيوم مع زجاج يساوي 100 دولار في السوق، بينما نحن ندفع 120 دولاراً». بالتالي، «الكلام عن أنّ أسعارنا هي أقل من سعر السوق غير دقيق»، يضيف خير الدين. ويلفت إلى أنّ المؤسسة لا تعتمد مسارات بيروقراطية معقدة، ويقول، «نحن لسنا دولة، وتغيير هذه الجداول لا يحتاج لمراسيم، إذ يمكنني تعديل لائحة الأسعار بنفسي».
آلية المسح
«ستدخل فرق المسح إلى كلّ شقة ومحل تجاري متضرّر بغية إحصاء أضرار البناء والأثاث»، يقول مدير عام جهاد البناء حسين خير الدين. وبحسب الآلية المعتمدة «يقوم المهندس بذكر كلّ التفاصيل على استمارة المسح، وفيها يعدّد كلّ الأضرار». ويصف خير الدين هذه العملية بـ«المعقدة، لأنّها تتطلب ذكر التفاصيل المملة، مثل قياس مساحات الأضرار، فضلاً عن تحديد قطع الأثاث المتضررة وحالتها، مثل أفران الغاز والغسالات والبرادات». ثمّ «يقوم المهندس بتسعير الأضرار وفقاً للائحة رسمية صادرة عن مؤسسة جهاد البناء، وفيها سعر كلّ تفصيل موجود في البيوت». لاحقاً، «يسلّم المهندس الاستمارة، ويقوم فريق هندسي ثانٍ بالكشف من بعده وتدقيق المعلومات». وفي المرحلة الثانية، «تحوّل الاستمارة إلى أحد مراكز إدخال المعلومات، وتمكنن لتحديد المبلغ المطلوب دفعه لصاحب العقار المتضرر». بعد ذلك، تخرج الاستمارات من مؤسسة جهاد البناء، وترسل المعلومات على شكل جداول فيها اسم شاغل العقار، والمبلغ المستحق بدل الأضرار، إلى المنطقة التنظيمية في حزب الله. هناك، تقوم الفرق بطباعة أوامر الصرف باسم صاحب العلاقة لصرف المبالغ المالية من مؤسسة القرض الحسن.
نسخ الرابط :