كتب نبيه البرجي
هل يفرض الأمر الواقع , وهو الواقع المرير , التطبيع على لبنان . ما يستشف من التصريحات , ومن التعليقات , الأميركية أن ادارة دونالد ترامب تعطي الأولية (في البعد الاستراتيجي البعيد المدى) , للتعامل ديبلوماسياً , أو عسكرياً , مع ايران , وتحت عنوان اما تغيير النهج أو تغيير النظام .
التعليقات اياها تتحدث عن حصار اقتصادي قاتل , وهذا ما تتوقعه القيادة الايرانية الأكثر توجساً من الانفجار الداخلي , من العملية العسكرية العسكرية الاسرائيلية التي يبدو أنها تطرق باب الجمهورية الاسلامية , وعبر المنشآت النووية , والمنشآت التكنولوجية , لاعادتها مائة عام الى الوراء , وليس كما قال يسرئيل كاتس , وزير الدفاع الاسرائيلي , 40 عاماً فقط .
مثلما كان يقال ان الايرانيين ايديولوجيون أكثر مما ينبغي , في زمن العلاقات المفتوحة , والأسواق المفتوحة , يظهرون الآن , وكأنهم براغماتيون (وواقعيون) أكثر مما ينبغي , بعدما تعثرت , أو تقهقرت , اللحظة الجيوسياسية في الشرق الأوسط , وبعدما حدث ما حدث في لبنان وسقوط سوريا في القبضة التركية , وربما في قبضة أكثر من جهة . بعبارات فظة تتحدث القنوات الأميركية عن عودة آيات الله الى الهضبة الفارسية , بعد أربعة عقود من التمدد ان في اتجاه ضفاف البحر الأبيض المتوسط , أو في اتجاه ضفاف البحر الأحمر .
الآن يحكى عما ينتظر الحوثيين في اليمن , وان كانت التضاريس الطبيعية , والتضاريس القبلية , هناك أكثر تعقيداً من احتواء "الحالة الحوثية" بتلك السهولة , وبعدما أثبت المقاتل اليمني أنه صعب المراس , وشديد الولاء للأفكار السياسية أو الايديولوجية التي ينتمي اليها , بعدما كان الرحالة قد تحدثوا كثيراً عن دور الجبال , والأودية , في صناعة ذلك النوع من الرجال الذين نتمنى أن تكون علاقاتهم مع السعودية , ومع الامارات , في أحسن حال .
نستذكر أن فلاديمير بوتين قال , عام 2015 , ان النظام العالمي الجديد ينبثق من دمشق . وها هو يحزم حقائبه للاعتراف بأن النظام الأميركي , بالاستقطاب الأحادي , باق ربما على امتداد القرن , حتى اذا ما تم احتواء ايران , تداعى , كلياً , طريق الحرير الصيني , ليحل محله طريق الأفاويه الهندي (الأميركي) , ما يعني وضع التنين داخل القفص الحديدي .
للمرة الأولى يطرح الايرانيون الأسئلة حول جدوى (ومعنى) العلاقات الاستراتيجية مع كل من موسكو وبكين , بعدما أظهرت تجربة الأشهر الأخيرة أن العاصمتين بعيدتان جداً عن مواجهة التسونامي الأميركي , لتبدو ايران وحيدة في وجه العالم , وليس في وجه المعسكر الغربي فحسب ...
نظرة بانورامية الى المشهد . ليست سوريا وحدها في حالة انتقالية . لبنان أيضاً , بل كل الشرق الأوسط , ليقال أن سنوات دونالد ترامب الأربع في البيت الأبيض ستكون سنوات تغيير شكل العالم . حتى أن خبراء أميركيين يتحدثون , الآن , عن الاقتراب من تلك النقطة التي يصبح فيها القيصر حليف أميركا , بعد الحاق المناطق المحتلة من أوكرانيا بالاتحاد الروسي , والخروج من ذلك المأزق على جثة فولوديمير زيلينسكي .
لا مشكلة لدى أبي محمد الجولاني , بالاسم الجديد أحمد الشرع وباللوك الجديد (أحمد باشا أم مستر الشرع ؟) في أن تصل دبابات هرتسي ليفي الى ساحة الأمويين , ليس لأن سوريا المنهكة لا تستطيع خوض الصراع , كما قال , وانما لأن الاسرائيليين الذين أزالوا أي أثر للجيش السوري , يحمون المنظومة الجديدة من الانقلابات العسكرية . هكذا ينام ملء جفنيه عن شواردها .
كثيراً ما كتبنا عن صراع الفيلة حين تطأ الحيوانات الصغيرة . الآن ثمة فيل واحد يجر الكرة الأرضية . المصادفة هنا أن الفيل هو شعار الحزب الجمهوري منذ نهاية القرن التاسع عشر , كمثال للقوة وللصلابة , مقابل الحمار الديمقراطي الذي تعنيه الطبقات المعوزة , والمحطمة , لأن اهمال ذلك النوع من البشر , لا بد أن يؤدي الى تفجير الأمبراطورية من الداخل .
هذا ما لاحظه بول كروغمان , الحائز نوبل في الاقتصاد , بقوله "اذا كان هناك من يرى أن ساقي , أو شفتي , مارلين مونرو وراء انفجار الاتحاد السوفياتي , فان الولايات المتحدة لا تحتاج الى أكثر من أنين الجوعى" . بول كنيدي كتب عن سقوط الأمبراطورية الرومانية الذي "لم يحدث في حلبة الثيران وانما في زوايا البكاء " . هل ثمة من كلام واقعي , وصاعق , فضلاً عن كونه الكلام المأسوي , أكثر من هذا الكلام ؟
كما هو معروف . الفيل يشتهر بذاكرته . اين نحن في الذاكرة الأميركية , وفي الأجندة الأميركية ؟ ثمة جنرال من القيادة الوسطى على حدودنا مع اسرائيل . لا داعي للبوارج الحربية ولا لحاملات الطائرات , بانتظار سفير لترامب محل السفيرة ليزا جونسون , عسى ألا يكون بمواصفات مايك هاكابي , السفير المقبل في اسرائيل , ولا بمواصفات جيفري فيلتمان الذي كان ضد وقف النار في حرب تموز 2006 لتصفية أي أثر للمقاومة على الأرض اللبنانية .
لندع الفرنسيين يقولون ان الوضع في سوريا أكثر تعقيداً , وأكثر تشابكاً , مما يتصور الكثيرون . الآن , بدأ الصراع الحقيقي , الصراع الملتهب , حولها . السعودية الخائفة على مصير سوريا تمتلك أكثر من ورقة في وجه دونالد ترامب . هل يعني ذلك أن طريق الرئيس المنتخب الى الشرق الأوسط لن تكون مرصوفة بالورود بعدما رصفها جو بايدن بالجثث .
طويلة , وشاقة , وقد تكون مستحيلة , مسألة تطبيع لبنان مع اسرائيل . في معلوماتنا أنه في أدنى اللائحة . والله (وأميركا) أعلم ...
نسخ الرابط :