إعداد الدكتور علي احمد خليفة
شكل إقدام إسرائيل على السيطرة على المنطقة العازلة في الجولان وإعلان سقوط اتفاقية فك الإشتباك بينها وبين سوريا للعام ١٩٧٤ إنتهاكاً خطيراً لقواعد القانون الدولي، لا سيما تلك المتعلقة بالإعلان عن الإنسحاب من الاتفاقية المعاهدة من جانب واحد، وقد تركت في ذلك مسؤوليات كبيرة على مجلس الأمن الدولي صاحب الصلاحية الدولية في تطبيق المعاهدات والاتفاقيات الدولية تستدعي منه تدخلاً سريعاً وفقاً لميثاق الامم المتحدة، لأن ذلك يؤسس إلى انفراط عقد القواعد الدولية التي ترعى الأمن والسلم الدوليين، بحيث يصبح تطبيق القانون الدولي استنسابي ووجه نظر، ما يفقده قيمته القانونية الملزمة وسموه الطبيعي على القوانين الوطنية، نظراً لما تشكله المعاهدات والاتفاقيات في سلم القواعد القانونية في الدولة.
إن ذلك يدفعنا لتبيان طبيعة هذا الاتفاق وقوته القانونية الملزمة، كما واقع صحة نفاذه وتصنيف الارتكابات المنتهكة له.
اولاً- طبيعة الاتفاقية وأطرافها:
إن اتفاقية فك الإشتباك بين سوريا وإسرائيل هي اتفاقية دولية تم توقيعها بتاريخ ٣١ مايو/أيار ١٩٧٤م بينهما في جنيف بحضور ممثلين عن الأمم المتحدة والاتحاد السوفياتي(السابق) والولايات المتحدة الأميركية، تلزم إسرائيل وسوريا مراعاة وقف إطلاق النار بدقة والامتناع عن جميع الأعمال العسكرية فور توقيع الوثيقة، وذلك تنفيذاً لقرار مجلس الأمن الدولي رقم ٣٣٨ المؤرخ بتاريخ ٢٢ اكتوبر/تشرين الأول ١٩٧٣ م.
كما إن اهم المبادئ التي تضمنتها وثيقة اتفاقية فك الإشتباك هي تحديد وجود القوات العسكرية الإسرائيلية كلها غربي الخط المشار إليه بالخط (أ) على الخريطة التي ارفقت بالوثيقة، إلا في منطقة القنيطرة حيث ستكون غربي الخط ( أ-1)، فيما تكون الأراضي الواقعة شرق الخط (أ) كلها تحت الإدارة السورية، بينما تكون المنطقة الواقعة بين الخط (ا) والخط (ب) منطقة فصل ترابط فيها قوة مراقبة الفصل التابعة للأمم المتحدة.
كذلك ستكون القوات السورية كلها شرقي الخط (ب)، وان تكون هناك منطقتان متساويتان لتحديد الأسلحة والقوات، واحدة شرقي الخط (ا) واخرى شرق الخط (ب) وفقاً للاتفاق، على أن يسمح للقوات الجوية للجانبين بالتحرك حتى خطوطهما دون تدخل، ودون ان يكون هناك قوات في المنطقة الواقعة بين الخط (أ) والخط (أ-1).
كما حددت الوثيقة ساعة التنفيذ بعد التوقيع الذي حصل في جنيف في ٣١ مايو/أيار ١٩٧٤ وفق ما اشرنا، وبدء عمل فريق العمل العسكري الذي كلف تحقيق هذا الغرض بإشراف الأمم المتحدة خلال خمسة ايام بعد تاريخ التوقيع، وان يكون بدء الفصل بعد ٢٤ ساعة من إتمام فريق العمل مهمته وفي موعد لا يتجاوز ٢٠ يوماً.
وايضاً فإن مراقبة تنفيذ الشروط الواردة تتم من جانب أفراد الأمم المتحدة، الذين يشكلون قوة مراقبة الفصل التابع للأمم المتحدة طبقاً لهذا الاتفاق الذي لا يعد اتفاق سلام نهائي.
وبهذا الاتفاق تكون إسرائيل قد وافقت على التخلي عن الشريط الذي احتلته في حرب اكتوبر/تشرين الأول ١٩٧٣، وكذلك عن شريط ضيق من الأرض حول القنيطرة، كما وافقت وسوريا على تحديد قواتهما على عمق ٢٠ كيلو متراً من خطوطهما الامامية، والا توضع قذائف سام المضادة للطائرات من الجانب السوري ضمن منطقة عمقها ٢٥ كيلو متراً.
ثانياً- الإجماع الفقهي حول عدم جواز إنسحاب اي طرف من اتفاقية فك الاشتباك بين سوريا وإسرائيل ١٩٧٤ نظراً لطبيعتها:
توزعت آراء الفقهاء حول حق الإنسحاب من المعاهدات الدولية في حالة سكوتها بين رأيين:
الأول، ينصرف أصحاب هذا الراي إلى عدم جواز الإنسحاب في حالة عدم النص على ذلك، وهم يستدلون على رأيهم بالعديد من الاتفاقيات التي لا تنص على حق الإنسحاب، مثل: اتفاقيات الحدود ومعاهدات السلام التي لا يجوز الإنسحاب منها لأنها تنظم حالة دائمة.
وقد ذهب كثيرون ايضاً إلى استبعاد حق الإنسحاب من المعاهدات غير محددة الأجل، مثل:
١- المعاهدات المعينة للحدود.
٢- المعاهدات التي تضع نظام دولي لمنطقة معينة.
٣- معاهدات لها تأثير على الحل النهائي لنزاع دولي.
الثاني، يؤيد هؤلاء حق الإنسحاب في حالة غياب النص، وقد تم وضع قائمة بالمعاهدات التي يمكن ممارسة حق الإنسحاب منها دون وجود نص على ذلك، مثل: المعاهدات التجارية، معاهدات التحالف، معاهدات التعاون الفني والاقتصادي والثقافي، معاهدات التحكيم والمصالحة وغيرها، على أن يخطر الطرف الذي ينوي الإنسحاب الطرف الآخر قبل إثني عشرة شهراً.
إلا أن السماح بالإنسحاب يأتي من طبيعة المعاهدة والاعمال، لأن القانون لا يجيز الإنسحاب او التحلل من أحكام معاهدة دولية بالإرادة المنفردة. وهنا نشير إلا أن هناك اتفاقيات لا يستدل من طبيعتها على وجود حق الإنسحاب الضمني، ومنها معاهدات الحدود والمعاهدات المنظمة لأوضاع دائمة.
وفي كلا الرايين يتبين الإجماع حول عدم حق الإنسحاب من اتفاقية فك الإشتباك لعام ١٩٧٤ من قبل إسرائيل، وهو ما دفع بالأمم المتحدة إلى تاكيد ذلك باعتبار أن إسرائيل انتهكت اتفاق ١٩٧٤ عبر سيطرتها على المنطقة العازلة في الجولان، لكن دون أن تذهب إلى إتخاذ الخطوات اللازمة عبر مجلس الأمن الدولي صاحب القرار، نظراً لاعتبار هذا الانتهاك عدواناً فاضحاً على دولة ذات سيادة كسوريا، وتهديداً للامن والسلم الدوليين.
ثالثاً- صحة نفاذ الإتفاقية:
أكدت المادة ٤٥ من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون المعاهدات حول فقدان حق التمسك بسبب من أسباب إبطال المعاهدة، او إنقضائها، او الإنسحاب منها، او إيقاف العمل بها، بحيث انه ليس من دولة بعد وقوفها على الوقائع أن تتمسك بسبب من أسباب إبطال المعاهدة او إنقضائها او الإنسحاب منها، أو إيقاف العمل بها طبقاً للمواد ٤٦ إلى ٥٠ والمادتين ٦٠ و٦٣ في إحدى الحالتين الآتيتين:
١- إذا وافقت صراحة على أن المعاهدة صحيحة او انها ما تزال نافذة وان العمل بها مستمر بحسب الحال.
٢- إذا اعتبرت بسبب سلوكها انها قبلت بصحة المعاهدة او بقائها نافذة، أو باستمرار العمل بحسب الحال.
وهنا لم يحصل اي من الأسباب التي تنتقص فيها معاهدة او اتفاقية فك الاشتباك بين سوريا وإسرائيل لعام ١٩٧٤ ما يوجب توقف العمل بها، سواء لجهة عقد معاهدة جديدة او حصول إخلال جوهري بالمعاهدة الثنائية من قبل أحد اطرافها، ما يخول الطرف الآخر الاحتجاج به لانقضائها، او لإيقاف العمل بها كلياً او جزئياً، ولم يتم اي إخلال جوهري من قبل الدولة السورية يعطي مبرراً لإسرائيل بذلك، كما انها لم تخالف نص أساسي لتحقيق موضوع المعاهدة والغرض منها.
وهنا لا بد من الإشارة إلى أن تغيير السلطة السياسية او النظام السياسي في دولة ما باي شكل من الاشكال لا يفقدها شخصيتها القانونية الدولية التي اكتسبتها نتيجة الاعتراف الدولي بها، والتي اهلتها لاكتساب الحقوق وتحمل الواجبات باعتبارها شخصاً معنوياً موجوداً على المسرح الدولي بكل معنى الكلمة. وبالتالي فإن المعاهدات والاتفاقيات والقوانين وموجباتها التي وقعتها تبقى قائمة ما زالت الدولة قائمة.
من هنا فإن مجلس الأمن الدولي هو صاحب الاختصاص، ويتحمل المسؤولية تجاه ما يحصل ويفرض عليه تدخلاً جدياً لكي يعيد به الأمور إلى نصابها، خصوصاً وأنه من كلف قوة حفظ السلام الدولية "اندوف" لمراقبة فك الإشتباك، كما وأنه يجب على الأمم المتحدة ان لا تكتفى بتصريح صادر عنها لا يصل إلى حدود الإدانة، حفاظاً على استقرار القاعدة القانونية الدولية التي تثبت قواعد ومرتكزات الأمن والسلم الدوليين.
وهذا ما يدفعنا إلى التساؤل، هل أنهى الاجتياح الإسرائيلي للمنطقة العازلة ووصوله على بعد ٤٠ كيلو متر من العاصمة دمشق لدور قوة الأمم المتحدة المتواجدة فيها؟ وإذا كان لا فما هو دورها ومستقبلها في سبيل تحقيق غاياتها؟ وهل يكفي منها القيام بدور الرقابة والرصد وكتابة التقارير لمنع الانتهاكات والتعديات في المنطقة العازلة وغيرها وردع المعتدي؟ إلا يستحق ذلك دعوة مجلس الأمن للانعقاد على وجه السرعة للنظر بالتطورات الجارية واتخاذ القرارات الجريئة الذي يحفظ لها ما تبقى منها؟
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :