يبدو أن محاولات الثنائي الشيعي استلحاق نفسه ولملمة شتاته سياسيا بعد هزائم الإنتصارات العسكرية، ستصطدم بكلمة الآمر الناهي الأميركي قبل دخول الولايات المتحدة عصر الرئيس المنتخب دونالد ترامب.
أول محاولة استرضاء فعلها "الأخ الأكبر" كما وصفه أمين عام حزب الله نعيم قاسم كانت بالتوقيع على اتفاق وقف إطلاق النار برضى إيراني وتذمر وغضب من داخل صفوف حزب الله. وعلى رغم التنازلات التي جاءت على صفيح هزائم الحزب خلال الحرب مع إسرائيل على مدى شهرين إلا أن "وهم الإنتصار" بقي مرفوعا. واستدراكاً لما يمكن أن ينتج عن انقشاع الحقيقة وخروج بيئة الأمين العام الراحل حسن نصرالله عن طوره، قرر بري، وبسحر ساحر أن يحدد موعدا لجلسة انتخاب رئيس الجمهورية في التاسع من كانون الثاني المقبل، أي قبل أيام معدودة على دخول الرئيس ترامب البيت الأبيض مع تأكيد مستشاريه ونائب رئيس المجلس النائب الياس بو صعب أن الجلسات ستكون متتالية من دون انسحاب نواب الثنائي إلى حين تصاعد الدخان الأبيض من إحدى"طاقات" المجلس وب 65 صوتاً!.
لعل بري لم يدرك بعد ان "زمن الأول تحوّل" وأن عهد الإملاءات التي كانت تهبط على النواب وتمتص كل مفاهيم السيادة والدستور ولّى. وعليه بات واضحا أن جلسة 9 كانون الثاني لن تُعقد ، وقد مهد لها كلام مستشار ترامب للشؤون العربية مسعد بولس في مقابلة مع مجلة"لوبوان" الفرنسية عندما قال"من انتظر عامين لن يضيره انتظار شهرين لانتخاب رئيس للجمهورية". وكأنه بذلك اراد أن يقول للرئيس بري ومعه حزب الله أن الجلسة لن تُعقد في هذا الوقت لتمرير إسم الرئيس العتيد الذي سيخطف منطق الدولة ومؤسساتها وهذه المرة إلى أجل غير مسمى.
بالتوازي تسعى المعارضة إلى استثمار هزيمة الحزب عسكرياً وإضعافه بما يمكنها من انتزاع المطالب منه، وتحديداً رئاسة الجمهورية، والمرجح أن تُعلِّل عدم انعقاد الجلسة إلى التطورات الدراماتيكية بدءاً بالوضع الحالي الهش في ظل استمرار الخروقات الإسرائيلية، والمعارك في سوريا اليوم .فهل سيقتنع بري بهذا الربط؟
" من الخطأ القول بأن لا علاقة للوضع القائم في الجنوب اللبناني اليوم وتحديدا في التطورات المرتقبة خلال فترة هدنة ال60 يوما وتنفيذ الشروط الواردة في اتفاق وقف إطلاق النار وما يجري في سوريا. على العكس الربط هو الصواب" يقول مستشار الاتحاد الأوروبي في قطر ودول الخليج جورج أبو صعب لـ"المركزية" مضيفا ان إيران تسعى بكل ما تبقى لها من نفوذ واذرع في المنطقة أن تلملم نفسها لمواجهة ترامب لطرح ملف التفاوض في ملف النووي". وفي ما خص الوضع في سوريا يشير الى"أن هجوم الفصائل المعارضة خربط الأوراق في حين كانت تسعى إيران إلى استباق دخول ترامب البيت الأبيض لكن المفاجأة كانت في توقيت الإنفجار على الأرض".
أسماء عديدة وضعت في صندوق الرئيس المرجح لكن على ما يبدو أنها ستخضع للإختبار الدولي والإقليمي لأن ما كان يصح قبل توقيع اتفاق وقف إطلاق النار لم يعد قيد التداول وبالتالي فإن الرئيس العتيد " سيواكب متطلبات خارطة الشرق أوسط التي بدأت ترسم بالنار والصواريخ".
وحول أرجحية الأسماء يلفت أبو صعب إلى "أن لائحة الأسماء المطروحة سابقا طُويت وانتهى عصر المعادلات التسووية وتدوير الزوايا والمسايرات. نحن اليوم في زمن الحسم بدءا من نزع سلاح حزب الله مرورا بإسقاط كل أذرع الممانعة في المنطقة وإخراج إيران من سوريا وإسقاط نظام بشار الأسد وصولا إلى انتخاب رئيس جمهورية سيادي قادر على إطلاق ورشة إعمار وتنفيذ كل القرارات الدولية. هذا هو السيناريو المطروح والمعدّ له منذ زمن "بس كانوا نايمين عليه" إلى أن دقت ساعة الصفر" مع فوز ترامب الذي سيقلب موازين القوى العالمية ".
رسالة مسعد بولس كانت واضحة ومفادها"لا رئيس قبل وصول ترامب إلى البيت الأبيض لكن كل المخططات التي ستفرض خارطة شرق أوسط جديد يجب التقيد بها ليس في لبنان وحسب إنما في سوريا وغزة لا سيما ملف الرهائن حيث توعد ترامب بأن "يكون هناك"جحيم" في الشرق الأوسط إذا لم يطلق سراح الرهائن في غزة قبل تنصيبه في 20 كانون الثاني المقبل.
إنطلاقا من هذه المشهدية حاول بري الإلتفاف بتحديد موعد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية في 9 كانون الثاني " لإرضاء الأميركي الديمقراطي وليس محبة بالرئيس الجمهوري المنتخب وكأنه يريد أن يثبت للإدارة الحالية التي وقع في عهدها اتفاق وقف إطلاق النار بأنه مستمر في التعاون وسيفتح ابواب المجلس لعقد جلسة انتخاب رئيس وبدورات متتالية. لكن المعادلة ضُربت وتبين أن بري لم يعد المايسترو الوحيد، إنما هناك اعتبارات أخرى تقود الإنتخابات وهي لن تحصل إلا وفق رؤية ترامب".
الأكيد أن الحاجة إلى رئيس غير محكوم وقادر على التواصل مع الجميع بات حتميا أما الرئيس الذي لا طعم له ولا لون فهو أمر غير مطروح .لكن ماذا لو حاول بري عرقلة الإنتخابات بتكرار سيناريو إغلاق أبواب المجلس وعدم تحديد موعد جلسة انتخاب بعد 20 كانون الثاني بحجة أنه جوبه من قبل المعارضة عندما تقدم بالطرح في 9 كانون الثاني؟
" هذا أمر متوقع ولن يتأخر بري عن إلقاء اللوم على المعارضة وتحديدا المسيحيين بعرقلة انتخاب رئيس للجمهورية ولكن...هذه الفرضية تجوز في ما لو كان بري هو من يملك القرار. يجب أن نتعود على واقع سيادي جديد مفاده أن نبيه بري انتهى عندما وقّع على اتفاقية وقف إطلاق النار والتزمت إيران بها، وان دور حزب الله المحوري انتهى وبالتالي بات ملزما بتنفيذ كل ما تمليه عليه الإدارة الأميركية".
ويختم أبو صعب" الرئيس المقبل سيكون سياديا وما كان يصح قبل دخول لبنان والمنطقة مرحلة "التحرر" من أذرع إيران لن يكون بعد اليوم والدليل على ذلك نهاية دور المفاوضين على مرشح تسوية".
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :