منذ بدء الحرب وإلى اليوم، يحاول رجال الاعمال في لبنان استطلاع النظرة الخليجية الجديدة نحو البلاد، التي تعتبرُ أنّ مرحلة جديدة سيقبل عليها لبنان والمنطقة، تريد من خلالها أن يرسو الأمن الطويل المدى الذي سيسمح بإعادة ضخّ الرأسمال الخليجي في السوق اللبنانية، وإعادة إحياء الصناعات والتجارة والتخفيف من القيود على عملية تصدير البضائع اللبنانية، إلا أنّ هذا الأمر مرهون بالسياسة اللبنانية التي، حسب مصادر اقتصادية متابعة للعلاقات الخليجية - اللبنانية، تؤكّد أنّ الخليج يريد أن ترسي الدولة اللبنانية حكمها النهائي من دون اي تدخلات قد تؤثّر على اتخاذ القرارات المفصلية داخل الدولة. وتلفت المصادر لـ"لبنان24" أنّ الجسر الجوي الذي افتتحته دول الخليج لتقديم المساعدة إلى لبنان لا يعني أبدًا أنّ الأمور عادت إلى سابق عهدها، لكن ما التمسته هذه المصادر من صالونات اللقاءات الخليجية أكّد أن العين اليوم مسمّرة على لبنان، وما هي الخطوة التي ستقوم بها الأحزاب السياسية ليبنى على الشيء مقتضاه.
هذا من وجهة النظر السياسية، أما اقتصاديًا، فإنّ المصادر تؤكّد أن المصالح الخليجية في لبنان كثيرة، ولا يمكن أن تتوقف عن الاستثمار بها، على الرغم من التطور الهائل الذي تشهده هذه الدول، وترى المصادر أنّ ذهاب لبنان نحو حقبة أمنية هادئة وطويلة سيعزّز الانفراجات والدعم العربي الذي ينتظرُ مرحلة ما بعد الحرب. وتؤكّد المصادر أن العطاء الخليجي الذي كان قد شهده لبنان خلال مراحل العزّ لن نشهده خلال هذه المرحلة، على الأقل، إلى حين إنجلاء الغبار عن السياسة اللبنانية التي ينتظرها الخليج القائمة على الشفافية والإصلاح والمحاسبة، وسيادة القانون، مع التزام لبنان، كما كان سابقًا، بالمحيط العربي، الذي كان سندًا له في كافة المحن.
ad
أما داخليًا، فالهيئات الاقتصادية كانت جاهزة لبدء جولاتها الإنقاذية، التي شملت اجتماعات مهمة وأساسية مع العديد من الجهات وأصحاب القرار، حيث نقلت وجهة النظر الإقتصادية التي يجب أن يتم العمل عليها فورًا تفاديًا للوقوع في المحظور ما بعد الحرب، خاصةً وأنّ الحرب نسفت الخطة الإنقاذية التي كان رجال أعمال لبنانيون يقومون بتولي تنفيذها، حيث كان قد أكّد مدير عام اسواق بيروت أديب النقيب لـ"لبنان24" أنّ الشركات العالمية كانت قد بدأت في العودة إلى لبنان، وكنّا على موعد مع إعادة إطلاق موسم ناجح لأسواق بيروت، إلا أن البداية الديناميكية المزدهرة واجهتها آلة الحرب الإسرائيلية التي قضت على أمل كبير جدًا كان من شأنه أن يرتقي بالاقتصاد اللبناني مجددًا.
في هذا السياق، يؤكّد رئيس هيئة تنمية العلاقات الاقتصادية اللبنانية الخليجية إيلي رزق أن أكثر ما يحتاجه لبنان اليوم هو المقاومة الإقتصادية، إذ إنّ انهيار الاقتصاد وانهيار القطاع الخاص سيؤثر على استمرارية لبنان، خاصة وأنّ هذا الانهيار يترافق مع ضغط كبير على مؤسسات الدولة.
ويؤكّد رزق خلال اتصال عبر "لبنان24" أنّ الهيئات الاقتصادية لا توفّر فرصة للعمل على دعم كافة المشاريع الاقتصادية، مشيرا إلى أنّ العمل متواصل مع الجهات المعنية لتثبيت الامن في بيروت التي شهدت في بعض الاماكن تراجعًا إقتصاديًا واضحًا بلغ 100%، إذ إنّ الواجب اليوم هو المحافظة على هذه المؤسسات لتأمين فرص العمل، مؤكدًا أن "التواصل مع المؤسسات الأمنية مستمر بالاضافة إلى لقاءات دورية مع قيادة الجيش، إذ إنّ لبنان مقبل اليوم على موسم أعياد، وهذا الموسم يشكّل تقريبًا 35% من الناتج المحلي، فإذا خسرنا هذا الموسم فإن تبعاته ستكون كبيرة جدًا على الاقتصاد، وهذا ما يعبّر عن مقاومة اقتصادية جدّية".
ويلفت رزق إلى أنّ النمو الذي شهدناه قبل الحرب، والذي أدّى إلى سدّ قسم كبير من الخسائر نسفته الحرب الموسّعة التي قضت على آمال إحياء الاقتصاد بعد الازمة التي شهدناها خلال كورونا، والازمة الاقتصادية التي خيّمت على لبنان.
وعن الاجتماعات في السعودية ومرحلة ما بعد الحرب، أكّد رزق أنّ ما سمعه لبنان هو أنّ الخليج يريد أن يرى "لبنان الجديد" وليس "سودان جديد" قائم على الانقسامات والحروب، وهذا ما يجب على اللبنانيين أن يختاروه، فلبنان الجديد الذي تطمح الخليج أن تراه هو لبنان ذات هوية عربية، يتمتع بدور اقتصادي استثنائي، بعيد كل البعد عن الحروب.
وأكّد رزق أنّه بغض النظر عن المساعدات الإنسانية التي تقدمها الدول الخليجية إلى لبنان، فإنّ قيادات هذه الدول تؤكّد أنّها لن تكون مستعدة للبدء بعملية إعادة الإعمار في لبنان، أو حتى البدء بالاستثمارات قبل استعادة الثقة بالدولة ومؤسساتها، وهذا ما يشير إلى وجوب تغيير واضح بالعمل السياسي اللبناني، إذ يرى رزق أن هذه الدول سئمت من التعامل مع مؤسسات وأفراد وأحزاب، حيث أنّها تريد اليوم مأسسة علاقاتها مع الدولة اللبنانية حصرًا المتمثلة بمؤسساتها الرسمية الشرعية.
ونقل رزق عن الجو السائد اليوم في الخليج قوله أنّ الرأسمال الخليجي لن يعود بهذه السهولة إلى لبنان، فما هو مطلوب اليوم التأسيس لدولة تتمتع بشفافية مطلقة، لا يشوبها الفساد، تماما كما حصل داخل هذه الدول التي تخلصت من البيروقراطية وذهبت نحو الحوكمة والمكننة، مع اعتماد الشفافية الكاملة، ومن هنا يرى رزق أن إعادة بناء نظام سياسي جديد قائم على الشفافية هو المطلوب اليوم، هذا بالاضافة إلى التركيز في الموازنات على الاستثمارات التي لا تحصل إلا على 7% غالبًا من الموازنة.
ويؤكّد رزق أن تأسيس هذا النظام الجديد سيحتاج إلى خفض حجم القطاع العام وإشراك القطاع الخاص ودمج الإدارات واعتماد مبدأ الشراكة والشفافية، وهذا ما سيؤدي بشكلٍ قطعي إلى إعادة الاستثمار الخليجي إلى لبنان الذي هو متعطش للتعامل مع هذا النظام الذي يرى فيه الحل بالنسبة إلى القضاء على الفساد.
وإشراك القطاع الخاص ودمج الإدارات واعتماد مبدأ الشراكة والشفافية، وهذا ما سيؤدي بشكلٍ قطعي إلى إعادة الاستثمار الخليجي إلى لبنان الذي هو متعطش للتعامل مع هذا النظام الذي يرى فيه الحل بالنسبة إلى القضاء على الفساد.
ويلفت رزق إلى أن "عودة الاستثمارات في حال تم إصلاح النظام السياسي والاقتصادي اللبناني لن يقتصر فقط على الخليج، لا بل إن دولا أخرى،بالاضافة إلى لبنانيي الإنتشار، سيكون لديهم كامل الثقة بوضع أموالهم مجددًا في لبنان، والانطلاق بعملية الاستثمار، وللبنان اليوم القدرة والرؤية والآلية على ذلك، إلا أنّ الهيمنة على مؤسسات الدولة وشخصنة العمل الاقتصادي منع عن لبنان تدفق المشاريع والاستثمارات".
وأكّد رزق أن المسؤولية الاه
نسخ الرابط :