لم تكن عائلة السيدة اللبنانية سعدى فارس، تعي أنَّ الأخيرة ستُدفن في بلدة المعيصرة في كسروان بشمال لبنان، والتي تبعد عن بلدتها حولا في جنوب لبنان أكثر من 100 كيلومتر.
فارس كانت ضمن مجموعة من الأشخاص الذين قضوا إبان غارة إسرائيلية استهدفت المعيصرة قبل أكثر من شهر، إلا أن نقلها إلى جنوب لبنان لدفنها هناك كان متعذرا.
لهذا السبب، قررت عائلة فارس أن تدفن السيدة في كسروان كـ"وديعة" ريثما تنتهي الحرب في جنوب لبنان، ويتمّ نقل الرفات إلى حولا كي توارى الثرى هناك.
قصّة فارس هي واحدة من قصص عدة لأشخاص دُفنوا كـ"وديعة" في أماكن مختلفة من لبنان بسبب الحرب.. فكيف يجري ذلك؟ وكيف يتعامل أبناء جنوب لبنان مع دفن شهدائهم موتاهم في ظل المعارك؟
مناطق لـ"دفن الوديعة"
في مدينة صور بجنوب لبنان أيضا، يتم دفن الموتى كـ"وديعة"، فهناك باتت عشرات المقابر لموتى تم إيداع جثثهم بشكل مؤقت. ويوم 30 تشرين الأول الماضي، جرى في المدينة عينها دفن عدد من الأشخاص كانوا قضوا جراء غارة إسرائيلية طالت بلدة عين بعال.
وفي بلدة تول بقضاء النبطية في جنوب لبنان، جرى دفن رئيس بلدية النبطية أحمد كحيل كـ"وديعة"، وذلك بعدما استهدفته إسرائيل داخل مبنى البلدية يوم 16 تشرين الأول الماضي إلى جانب أشخاص آخرين.
وفي السياق، يقول مهدي صادق، المدير التنفيذي لإسعاف النبطية لبلينكس إنّ أمر دفن كحيل في تول كـ"وديعة" سببه أن هناك نية لإقامة مراسم تشييع جماهيرية له تكريما لعطاءاته، لكن هذا الأمر متعذر الآن وسيجري بعد انتهاء الحرب.
النبطية لا تدفن "الودائع"
بين بيروت والنبطية، ينتقل عبد الحسين صادق وسط أماكن القصف للإشراف على شؤون المؤسسات الاجتماعية والدينية المسؤول عنها في النبطية. صادق، وهو مفتي النبطية التي يقضي غالبية وقته فيها رغم الخطر، يُشرف على دفن الموتى أيضا كما أنه يؤم المصلين على الراحلين ضمن مدينته.
من يُدفن في النبطية هم الذين ينتمون إليها، لكن إجراء الدفن كـ"وديعة" لا يتم السير به ضمن المدينة باعتبار أن هناك شروطا له، أبرزها أن يكون المتوفي قد أوصى بدفنه في مكان اختاره هو بنفسه قبل وفاته، وفق ما يقول مهدي صادق.
يوضح صادق أن هناك شروطا استثنائية يجري اعتمادها في عملية الدفن في النبطية التي تُعتبر منطقة حرب، ويضيف "ما يحصل هو أننا نقوم بإتمام مراسم الدفن ضمن مكان واحد، فعملية غسل وتكفين الميت تجري ضمن روضة النبطية وهناك يتم مواراة الجثمان في الثرى".
يشير صادق إلى أن الحرص على سلامة المدنيين، يدفعهم لتفادي حصول اكتظاظ خلال عملية دفن أي شخص راحل، كاشفا أنه عند أي جنازة، يتم إبلاغ الجيش اللبناني وقوات اليونيفيل في جنوب لبنان بالأمر وبشكل مسبق.
يلفت صادق أيضا إلى أنه يتم دفن أكثر من شخص في الوقت نفسه، وذلك لتفادي إقامة عدة جنازات بسبب التوتر، موضحا أنه يتم تجهيز مقابر مسبقا بسبب ارتفاع أعداد القتلى في ظل الحرب، مضيفا: "بشكل مستمر، نحضر قبورا إضافية وذلك لتقصير مدة التحضير للدفن، فإجراءات الجنازة تتم بسرعة، والتحضير المسبق للقبور يساهم في تقليص الوقت حماية للناس والمشيّعين ولأهالي الراحلين".
من ناحيته، يقول الشيخ الدكتور أحمد سيف الدين إن دفن الوديعة لا يعتبر مخالفا للشرع شرط أن يكون بموافقة ذوي الراحل، مشيرا إلى أن انتشال الرفات ونقلها بموافقة عائلة الفقيد لا تعتبر نبشا للقبور، فهو إجراء يحصل عند الحاجة.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :