كتب حسن حردان
عداد القتلى والجرحى من الضباط والجنود الصهاينة في ارتفاع مستمر، الأمر الذي أدى إلى سيادة مناخ لدى المحللين والخبراء السياسيين والعسكريين الصهاينة بانّ جيش الاحتلال بدأ يغرق في وحل جنوب لبنان مرة جديدة، ويعاني من حرب استنزاف باهظة الثمن، تفوق في مستواها كل حروبه السابقة في مواجهة المقاومة، من حيث المدة الزمنية لعدد القتلى والجرحى، الذين يسقطون يومياً.. على أنّ هذا النزف يترافق مع إخفاق جيش العدو في احتلال والسيطرة على القرى الجنوبية الأمامية وتلالها المشرفة، مما يجعله يظهر في صورة العاجز عن تحقيق حتى السقف الأدنى من أهدافه، بعد أن خفض هذا السقف وبات يتحدث عن احتلال منطقة حدودية بعمق ثلاثة إلى خمسة كيلومترات.. فيما كان يطمح بداية إلى نزع سلاح المقاومة، ومن ثم فرض منطقة عازلة بعمق 30 كلم حتى نهر الليطاني، لهذا بات جيشاً عاجزاً، ينطبق عليه القول، بأنه جيش قاتل للمدنيين، وليس جيشاً مقاتلاً في الميدان الحقيقي، عندما يكون في مواجهة مقاومين أشداء وأصحاب عقيدة وإيمان، ولديهم روح استشهادية، في سبيل قضيتهم العادلة التي يكافحون ويناضلون من اجلها.. والى جانب كلّ هذه الصفات التي لا يتمتع بها الجندي الصهيوني، يملك المقاومون، وباعتراف ضباط العدو، خبرات وقدرات قتالية وجرأة كبيرة.. أما جنود الاحتلال فقد تبيّن انهم من غير دعم الطيران لهم لا يملكون القدرة على مواصلة القتال والتقدم كيلومتر او اثنين، من دون أن يتمكنوا من الاستقرار، لا سيما عندما يقعون في كمائن المقاومة، ويصبحون في مواجهة التحامية مع المقاومين، ويبطل دور الطيران، حيث تتبدّل الصورة ويصبح التفوّق للمقاومين لأنهم يملكون الصفات المذكورة آنفاً.. ما يؤدي إلى وقوع كل هذا العدد الكبير من القتلى والجرحى في صفوف العدو، وتكرار الحديث يومياً من قبل الإعلام الصهيوني عن يوم صعب، حتى باتت كل أيام القتال في جنوب لبنان أياماً صعبة.. والأمور تزداد تعقيداً…
لذلك المعادلة في الميدان أصبحت واضحة، جيش الاحتلال بات غارقاً في حرب استنزاف مكلفة، وفي مأزق كبير غير قادر على تحقيق أهدافه، ويعاني من الاستمرار في قتال مكلف ومن دون جدوى: فإذا تقدّم إلى قلب القرى يواجه كمائن المقاومة والقتال من مسافة صفر، وإذا تراجع إلى الوراء يلاحقه المقاومون ويجهزون على ما تبقى من قواته المنسحبة، اما إذا ما بقي في مكانه، من دون أن يجرؤ على التقدّم، فإنه يتحوّل إلى عرضة لقصف المقاومة بالصواريخ الموجهة والقصيرة المدى التي يستخدمها المقاومون في هذه المعركة بفعالية.
في مقابل هذا الواقع الميداني الذي فرضته المقاومة على جيش الاحتلال، لجأت المقاومة في سياق تصعيدها المستمر وتنفيذها لمعادلة إيلام كيان العدو، إلى الردّ على استراتيجية التدمير والتهجير للمدن والقرى اللبنانية، باستراتيجية فرض تهجير المستوطنين من 25 مستوطنة في الشمال الفلسطيني المحتلّ، عبر توجيه إنذار لسكانها بإخلائها، لأنها تحوّلت إلى مناطق عسكرية تتواجد فيها الفرق الخمس لجيش الاحتلال المحتشدة فيها لغزو جنوب لبنان، وبالتالي أصبحت هدفاً مشروعاً لصواريخ ومُسيّرات المقاومة.. هذه الاستراتيجية للمقاومة سوف تؤدّي إلى تهجير عشرات الآلاف المستوطنين، وبالتالي زيادة كبيرة في إعداد المستوطنين المهاجرين إلى العمق الصهيوني، بدلاً من إعادة المستوطنين الذي هجروا في بداية حرب الاستنزاف منذ 8 تشرين الأول 2023، إلى جانب جعل المزيد من المستوطنات خالية من المستوطنين، واستكمال تدميرها، ومنع جيش الاحتلال من الاحتماء فيها، في مقابل التدمير الممنهج للمدن والقرى الجنوبية من قبل جيش الاحتلال.. هذه المعادلة تضع رئيس وزراء العدو في موقف محرج أمام المستوطنين، لأنّ هدفه في إعادتهم لم يتحقق وحسب، بل ان مستوطنين جدداً انضمّوا إليهم…
من هنا فإنّ المقاومة تفرض من خلال هذه الاستراتيجية معادلة جديدة في مواجهة استراتيجية العدو.. الأمر الذي تكمل فيه المقاومة تعزيز معادلاتها الردعية:
1 ـ في الميدان العسكري، عبر توجيه ضربات موجعة لجنود العدو وإيقاع الخسائر في صفوفهم، ومنعهم من تحقيق أهدافهم.
2 ـ الردّ على قصف طيران العدو للمدن والبلدات اللبنانية في الجنوب والبقاع والضاحية، بقصف مدن ومستعمرات الكيان في الشمال والوسط واستهداف مواقع ومنشآت ومصانع عسكرية.. بواسطة الصواريخ والمُسيّرات الانقضاضية.. مما أفقد الكيان ومستوطنيه الأمن، ودفع حكومة العدو إلى إلغاء التجمعات في مراكز التجنيد، التابعة للجيش، واعتماد التعليم عن بعد.
3 ـ تهجير مستوطني الشمال مقابل تهجير اللبنانيين من الجنوب، وبالتالي جعل العدو يعاني من التهجير كما نعاني، وبذلك تكون المقاومة تترجم كلّ يوم استراتيجيتها التصاعدية، وتعزز معادلاتها الردعية..
نسخ الرابط :