أوجه الشبه والاختلاف بين الآن و1982

أوجه الشبه والاختلاف بين الآن و1982

 

Telegram

 

 

أوّلاً، هناك عدوان إسرائيلي على لبنان والعدوّ يستعمل أقصى الوحشيّة التي توصّلت التقنيّة العسكريّة إليها.
ثانياً، كان هناك حركة مقاومة فلسطينيّة (تساندها حركة مقاومة لبنانيّة) في مواجهة إسرائيل وكانت إسرائيل تريد أن تتخلّص من هذا الخطر عليها.
ثالثاً، أرادت إسرائيل تحقيق نصر عسكري وذلك من أجل إعادة تركيب النظام السياسي اللّبناني بصورة تحفظ المصالح الإسرائيليّة والأميركيّة فيها. كما أنّ التدخّل كان من أجل إنقاذ اليمين الفاشي الذي كان يعاني من خطر انهيار النظام الطائفي الذي كان معبّراً عن مصالحه وآماله.
رابعاً، كان هناك في لبنان جناحٌ إسرائيلي (ومتعدّد الطوائف). وهذا الجناح كان ممثَّلاً في المجلس النيابي لأنّ المجلس لم يعد في حينه مُعبِّراً عن مواقف المسلمين وغيرهم بعد مرور سنوات على آخر انتخابات في لبنان (في عام 1972). ليس هناك من يقتنع أنّ حميد دكروب أو سليمان العلي أو عثمان الدنا كانوا ممثّلين للسُّنة والشيعة في لبنان آنذاك.

 

(علي حشيشو)

خامساً، كان هناك فريق يميني فاشي انعزالي يعوِّل على نصر إسرائيلي من أجل ترجيح كفّته في ميزان القوى الداخلي. وهذا الفريق لا يزال هو هو: «القوات» و«الكتائب» ومن يدور في فلكهما من شخصيّات ومنظّمات وجمعيّات مموَّلة خليجيّاً وغربيّاً.
سادساً، كان هناك إعلام موالٍ لإسرائيل، وتمثّل بجريدة «العمل» (التي كان لديها مُشرِف إسرائيلي في كل سنوات الحرب) و«الأحرار» و«صوت لبنان الحرّ» و«صوت لبنان» ومطبوعات فاشيّة متفرّقة في بيروت الشرقيّة. اليوم، الإعلام الموالي لإسرائيل أكبر (ويسانده إعلام خليجي وإعلام «مستقل» - المستقل بتعريف وزارة الخارجيّة الأميركيّة هو الإعلام الذي يتلقّى التمويل من حكومات «الناتو» وسوروس).
سادساً، كانت الدول العربيّة الخليجيّة على علاقة سرّية تحالفيّة مع الفريق اليميني الفاشي. حلفها اليوم أقوى، طبعاً.
سابعاً، كان هناك رئيس جمهوريّة ضعيف لا تأثير له واليوم هناك فراغ في سدّة الرئاسة.
ثامناً، كان هناك رئيس حكومة طرطور متمثّلاً بشفيق الوزّان المُرتهن لليمين الفاشي يومها، واليوم هناك رئيس حكومة ضعيف متمثّلاً بنجيب ميقاتي الذي يحاول التوفيق بين بري والسعوديّة ومطالب الغرب.
تاسعاً، كان هناك فريق يؤمن بمقاومة إسرائيل. ولا يزال هناك فريق يؤمن بالمقاومة وإنْ هجر البعض صفوفه بعد أوّل صاروخ.
عاشراً، كان هناك فريق يدعو إلى الاستسلام والتعقّل، مثل اليوم.
حادي عشر، كانت أميركا تؤيّد العدوان الإسرائيلي وتمدّه بالمال والسلاح.
ثاني عشر، كان النظام الإيراني يدعم مشروع مقاومة إسرائيل.
ثالث عشر، تحضّر العدوّ للعدوان. كان في 1982 ينتظر أيّ ذريعة من أجل شنّ حرب واسعة ضدّ لبنان، وحرب المساندة أعطت العدوّ الفرصة للتحضير لخطّة متشعّبة للقضاء على حزب الله. واستفاد العدوّ من إعلان صريح من قبل الحزب وإيران أنّهما ليسا في وارد شنّ الحرب الكبرى، ما أعطى أفضليّة عسكريّة للعدوّ. فالمُبادِر هو دائماً في الوضع الأفضل، وإسرائيل هي التي بادرت في كلّ الحروب باستثناء حرب 1973 (والتي حوّلها السادات من نصر إلى هزيمة).
رابع عشر، أميركا كانت المُسيطرة على شؤون الكون ولا تزال.
خامس عشر، لدى أميركا مرشّحها في هذه الانتخابات، كما أنّه كان لإسرائيل مرشّحها في 1982. جريدة «الشرق الأوسط» تفرد صفحة كاملة لكيل المديح لجوزيف عون.
خامس عشر، الجيش اللّبناني كان متفرّجاً في 1982 (ومتعاوناً مع إسرائيل) فيما اليوم هو متفرِّج من دون أن يكون متعاوناً مع إسرائيل.

أوجه الاختلاف
أولاً، الوحشيّة الإسرائيلية تتخطّى دائماً مرحلتها السابقة من الوحشيّة، كما أنّ السلاح الأميركي يساعد في تعظيم هذه الوحشيّة وتكثيفها. القنابل الأميركيّة الجديدة ساعدت إسرائيل على قتل أكبر عدد من المدنيّين وتدمير أكبر عدد من الأبنية السكنيّة.
ثانياً، سبق العدوان مخطّط إسرائيلي ناجح في اختراق أمني هائل في الحزب (مزيج من الاختراق الإلكتروني والبشري، خصوصاً أن العدوّ لديه معلومات شاملة عن أسماء كل الذين يتبوّأون مراكز قيادية أو حتى وسطيّة في مختلف هياكل الحزب. الغريب أنّ إسرائيل، رغم محاولات عدة، لم تستطع في صيف 1982 أن تقتل عرفات أو أيّاً من القياديّين رغم اختراق إسرائيل للمنظمات الفلسطينيّة.
ثالثاً، كان ياسر عرفات يقود المحور المُواجِه للعدوان فيما يقود المحور حسن نصرالله، لكنّ إسرائيل سارعت إلى اغتياله.
رابعاً، أصاب الفساد منظّمة التحرير الفلسطينيّة كما أنّ هناك فساداً أصاب جسم حركة المقاومة في لبنان. والفساد هو المنْفَذ الذي ينفُذ منه العدوّ دائماً.
خامساً، لم يكن هناك نموذج لمقاومة إسرائيل في 1982. كان على القوى والأحزاب أن تبادر إلى خلق شبكة مقاومة من الصفر. اليوم هناك شبكة مقاومة معقّدة وقويّة، وإن أصابها الكثير من الأذى عبر العمليّات الإسرائيليّة.
سادساً، القدرات الاستخباراتيّة للمقاومة اليوم أكبر بكثير من قدرات أجهزة أبو أياد وأبو الهول وأبو جهاد. لقد أصابت المقاومة المنزل الخاص برئيس حكومة العدوّ. هذه سابقة في تاريخ الصراع. كما أنّ المقاومة أصابت قواعد ومراكز عسكريّة واستخباراتيّة. ضربات الكاتيوشا في الماضي كانت في أكثرها عشوائيّة، كما كانت ضربات السكود من قبل صدّام في 1991.
سابعاً، كان هناك الاتحاد السوفياتي الذي كان يُعدّ قوّة عظمى منافسة للولايات المتحدة، لكن لم يكن له أيّ تأثير، كما اليوم في حالة روسيا. كان عرفات أثناء الحصار يقول ساخراً لنايف حواتمة (وكان قريباً من عناصر الـ«كي جي بي» في بيروت): ماذا يقول أصحابك هذه الأيّام؟ وأصحابه لم يكن لهم أيّ دور إلا النصح بالاعتدال والاعتراف بدولة إسرائيل.
ثامناً، كان هناك الخميني قائداً في إيران مقابل وجود خامنئي اليوم في إيران. كان خامنئي عبر السنوات ممثّلاً أميناً لرسالة الخميني وعقيدته، لكنّ هناك تردّداً وضعفاً باديان للعيان في أداء إيران في الإقليم منذ اغتيال قاسم سليماني. لا يمكن إنكار وقع العقوبات الظالمة، كما أنّ الانتخابات الرئاسيّة الأخيرة في إيران أظهرت أنّ المزاج الشعبي ابتعد عن نهج المقاومة وسياسات إيران الخارجيّة. هناك إعلام بروباغاندا مموّل من الخليج والغرب ضدّ إيران، ويبدو أنّ هذه البروباغاندا فعلت فعلها. من المبكر الحكم إذا كان خامنئي قد ابتعد عن نهج المقاومة، لكن ردّ فعل إيران على اغتيال نصرالله كان تحت سقف توقّعات كثيرين في محور المقاومة.
تاسعاً، ليس لإسرائيل مرشّح رئاسي بعينه اليوم، ربّما لأنّ موقع الرئاسة فقد حظوته.
لم يكن هناك نموذج لمقاومة إسرائيل في 1982. كان على القوى والأحزاب أن تبادر إلى خلق شبكة مقاومة من الصفر. اليوم هناك شبكة مقاومة معقّدة وقويّة، وإن أصابها الكثير من الأذى عبر العمليّات الإسرائيليّة


عاشراً، العنصر الشيعي ودوره ومزاجه تغيّرت كثيراً عن صيف 1982. لا ينفع الإنكار: المزاج الشيعي الجنوبي في 1982 كان مُتقبّلاً، لا بل مرحّباً، الاحتلال الإسرائيلي الذي كان يُنظر إليه محليّاً على أنّه المُخلِّص من الظلم الفلسطيني (أي السلوك الشائن لمنظمة التحرير في لبنان). الشيعة اليوم في الجنوب وخارجه متآزرون متضامنون متكافلون ومُجمِعون على رفض إسرائيل بالكامل وعلى خيار مقاومة الصهيونيّة (رغم وجود أفراد شيعة تحضنهم المحطات الخليجيّة من أجل تعكير صفاء الإجماع، نظريّاً فقط).
حادي عشر، هناك مقاومة جبّارة اليوم في لبنان، خلافاً للماضي. هذه المقاومة لديها أفراد مدرّبون أحسن تدريب ومتسلّحون بسلاح حديث وبعقيدة راسخة. وهذه المقاومة لها تجربة قتاليّة في لبنان وسوريا.
ثاني عشر، يتّضح الفرق بين الأمس واليوم عبر عجز العدوّ عن التقدّم على الأرض اللبنانيّة بعد ثلاثة أسابيع من إعلان غزو لبنان. في الماضي، كانت إسرائيل تستطيع أن تصل إلى مشارف بيروت في ساعات.
ثالث عشر، ليس هناك من دور لأيّ حكومة عربيّة اليوم. كل الحكومات تهاب إسرائيل وبعضها متحالف بالكامل مع العدوان الإسرائيلي. الإمارات والسعوديّة تسخّران إعلامهما لخدمة المجهود الحربي الإسرائيلي.
رابع عشر، الدعم الأميركي لعدوان إسرائيل وإبادتها هو مطلق وأقوى من أيّ وقت مضى. كنّا نرى في ريغان عدوّاً للشعب الفلسطيني بسبب شدّة مناصرته لإسرائيل، لكن بايدن هذا لم يعبِّر لحظة عن استهجانه لوحشيّة إسرائيل. في صيف 1982، وصف ريغان الحرب الإسرائيليّة على لبنان بأنّها هولوكوست. يقول مستشاره مايكل ديفر إنّه كان يرى صور الأطفال الضحايا في بيروت وكان غاضباً أكثر من أي وقت مضى في سنواته في الحكم. وكتب ريغان في يومياته عن تلك المرحلة وكيف أنّ مناحيم بيغن تجاهل نصحه لتوقيف المجازر.
خامس عشر، كان هناك مراسلون غربيّون ممتازون في تلك المرحلة. اليوم ليس هناك من مراسل واحد للصحافة النافذة ممّن هم عارفون بشؤون المنطقة أو متحسّسون لآلامها. حتى توماس فريدمان (الصهيوني العنصري الصفيق، والسطحي) عندما كان مراسلاً في الحرب أصرّ على وصف القصف الإسرائيلي بالعشوائي (وعارضه المُحرِّر في ذلك). مراسل «نيويورك تايمز» الحالي في بيروت، يوان ورد، عمل في السابق في محطة «العربيّة». أيَّ نوع من المهنية والحرفيّة يمكن أن تتوقّع منه؟ هناك استثناءات قليلة بين المراسلين والمراسلات مثل رانية أبو زيد وبن ويدمان.
سادس عشر، محاولة إرجاع التاريخ القهقرى مستحيلة. يفضّل العدوّ أن يعود بالزمن إلى مرحلة الرئيس الماروني القوي (والذي كان إمّا مهادناً لإسرائيل أو متعاوناً معها، والخائف منها دائماً). الطائف غيّر صيغة الحكم. هذا لا يعني أنّه ليس هناك من متعاونين وعملاء للعدوّ من مختلف الطوائف. أكيد، وهذه كانت صورة صيف 1982. لكنْ هناك اليوم نوع من الحكم الجماعي في الحكم ويستحيل جمع الصلاحيات في يد واحدة متعاونة مع العدوّ.
ثامن عشر، هناك اليوم إدراك عند اللبنانيّين بمضاعفات وعواقب ترك إسرائيل تسيطر على لبنان. رأى الشعب اللبناني حجم التخريب الذي فعلته إسرائيل في النظام السياسي والمجتمع في لبنان في 1982. لدينا سابقة تاريخيّة.
تاسع عشر، هناك اليوم دولة وحيدة في العالم تدعم المقاومة وهذه الدولة تتعرّض لحملات تشنيع وتشويه من قبل حكومات الجامعة العربيّة.
عشرون، تغيّر دور اليونيفيل عمّا كان عليه من قبل. في 1982، أدّت دور المتفرِّج. اليوم، هي شريك في الإجرام والتجسّس الإسرائيلي رغم تعرّض مواقعها لقصف إسرائيل.
واحد وعشرون، اليسار اليوم إمّا غير موجود أو هو صامت (ماذا حلّ بإعلان الحزب الشيوعي في نوفمبر الماضي «تفعيل جمّول» من جديد؟).
ثاني وعشرون، الخوف من الجندي الإسرائيلي غير موجود عند الذين يقاومونه.
ثالث وعشرون، لا يزال خوف الإعلامي العربي من، وطاعته لـ، الشيخ والأمير النفطي على حاله.


 

تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram

نسخ الرابط :

(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)

:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي

 

Telegram