ما أشبه اليوم بالأمس ولو تجاوزه الزمن عقدين أو أقل بقليل، فالتاريخ يعيد نفسه في لبنان بلد التناقضات، الذي يعيش صراع هوية منذ تاسيسه، وسط بحر أزمات اختلط فيها السياسي بالمالي الامني بالطائفي تحت تأثير رياح المجتمع الدولي، وسطوة الدولة الغربية التي عطلت فيه مشروع الدولة لتكرس مفهوم قوة لبنان في ضعفه، مجردا من قراره السياسي تابعا مسلوب القدرة مستباح السيادة، تستبيحه اسرائيل تدميرا واجتياحا ،تحتل عاصمته تحرق مطاره وطائراته، ترتكب مجازر بحق الابرياء تحت مظلة الأمم المتحدة وضمن مراكزها ولم تتوقف خروقاتها، تستمر بحروبها التي أخفقت في نتنائجها، خسرت بحرب تموز التي كرست تفوقا استراتيجيا للمقاومة وفضحت الداخل اللبناني بشهادة فينوغراد اللجنة الاسرائيلية التي بحثت إخفاقات الحرب، وفضحت الدور الأمريكي وتورط الداخل فيه بدور يمثل خيانة عظمى للوطن ودستوره، الذي يصنف اسرائيل كيان معادي يحتل أرض فلسطين وتحول وجهة نظر أمام البعض ولم يقف حائلا أمام ورثه امتيازات الاستعمار والذين ركبوا الدبابة الاسرائيلية باجتياح ١٩٨٢ وسارت بهم إلى بعبدا، قبل أن تقطع يد المقاومة الطريق عليهم وتمتد إلى اتفاق الذل والعار مع العدو الصهيوني الذي عرف باتفاق ١٧ ايار ، وتسقطه بضربة انطلاقة المقاومة التي قضت على احلام اليمين المتطرف في لبنان الذي لا زال يعيش في عرش فنيقيته كبقايا حملات صليبية بعقليته بيزنطية منتظرا وصول أساطيل الغرب بجاحفلها لتعيد له مجدا باطل بكوه كالنساء ولم يحفظوه كالرجال في بناء وطن عدالة اجتماعية ومساواة، مشروع دولة تخرج المواطنين من قطعان المذهبية والتصنيف إلى رحاب جمهورية تعددية يعتبروا قيامتها تنهي وجودهم ودورهم بسطوتهم على الإدارة ومراكزها ، يتكامل هذا مع المشروع الصهيوني ليهودية كيان اسرائيل ويتكامل مع مشروع الشرق الأوسط الجديد، وما استمرار حرب الإبادة الجارية الا آلام مخاض ولادته من جديد بحمل سفاح بين الشرق والغرب، بعد أن أجهض سابقا ولم تكتب له الحياة ومات حدثا في في تموز ٢٠٠٦ واعيدت محاولة احياؤه بتلقيح مجهري ضمن ثورات الربيع العربي ولم يكتمل الحمل الذي عملت له امريكا لولادة قيصرية من رحم الخاصرة اللبنانية ، في جو قارس ملبد باعاصبر حرب دولية بين روسيا والغرب على الأراضي الأوكرانية، وغيوم تنذر بعاصفة في بحر الصين تحركت معها رياح إيرانية شكلت كتلة باردة لم تبقى معها ولادة الشرق الأوسط الجديد سهلة، بعدما اصطدم بأجواء المقاومة وصمودها زخات صواريخ ومسيرات، صدته جهوزية المقاومة اللبنانية وتماسكها برغم فقدان قادتها ومتانة بنيتها وتلاحم بيئتها وهي تواجه على الحافة، ترفع وتيرة المواجهة وفق خططها بعيدا عن الانفعال الذي حرك السفيرة الأميركية في بيروت لتنفيذ قرار إدارتها بتشد عصب الداخل المعارض لبعث الروح في مشروعها "تغيير هوية لبنان" بانقلاب يبدأ بفرض رئيس جمهورية يتبني مشروعها يترام معها برؤية تتبناها حكومة تكنوقراط تقع تحت تأثير القرارات الدولية، ويستكمل بحل المجلس النيابي وتصفية الأجهزة الأمنية القضائية الإدارية ، وصولا إلى تغيير الهوية وفرض التطبيع، مشروع اليمين اللبناني الذي مهد له بالحياد ويبدا بانقلاب يراد منه اعادة الواقع اللبناني عقودا إلى الوراء على أشلاء فريق من اللبنانيين ، بقرار استبحاة فريق باكثريته واستبدال الديمغرافيا بما يتناسب مع الشرق الأوسط الجديد على جثث شعب يصر على المواجهة متحديا كل المشاريع وهذا يلزمه الكثير من الوعي والحكمة وان لا يقع البعض بشوة اصوات الغارات وانبهار انتصار العدو وقدرة الأميركي على فرض ما يريد بحيث تسول الطموحات لتكرار الماضي بسيناريوهات مختلفة لكنها لن تجني سوى نتائج مختلفة عن أحلامهم وتتحول كوابيس يصعب تجاوزها وترميم تبعاتها داخل بنية المجتمع اللبناني
د.محمد هزيمة
كاتب سياسي وباحث استراتيجي
نسخ الرابط :