حتّى إشعار آخر يُوازِن الحزب في خطابات نوّابه ومسؤوليه بين حدّي الاستمرار في حرب إسناد غزة ومطلب وقف العدوان الإسرائيلي كـ “أولويّة”. ما بين هذين الحدّين خيطٌ عريض وواضح: لا كلام في رئاسة الجمهورية. قد يُفسّر ذلك “اشتعال جبهة الرئاسة” بقوّة أكبر غداة اغتيال الأمين العام للحزب وإلباسها ثوب التبنّي الرسمي من خلال “نداء” عين التينة الثلاثي في 2 تشرين الأول في بنده الرابع الداعي إلى “انتخاب رئيس وفاقي يُطمئِن الجميع”، ثمّ تلاشي المساعي الرئاسية تحت ضغط الميدان، برّاً وبحراً وجوّاً، ومطلب الحزب الأوحد: “لا أولويّة على وقف العدوان الهمجي ضدّ لبنان”. وأبعد من ذلك إعطاء حلفاء إسرائيل العدوّ الوقت الكافي “لإنهاء مهمّته بالقضاء على الحزب عسكرياً”.
في خطابه الثاني بعد اغتيال السيّد حسن نصرالله عَكَس نائبه الشيخ نعيم قاسم هذا التوجّه مع ترسيم حدود “الحراك السياسي الذي يقوم به برّي بعنوانه الأساس، وهو وقف إطلاق النار. بعدها نناقش في التفاصيل الأخرى وتُتّخذ القرارات فيها بالتعاون”، مؤكّداً: “النصر بانتظارنا، ولن نستجدي حلّاً لأنّها حرب من يصرخ أوّلاً”.
أكثر من ذلك هدّد قاسم العدوّ الإسرائيلي بتهجير ضعف عدد مستوطني الشمال مع تأكيد انتظام عمل “القيادة والسيطرة وإدارة الحزب وتوفير البدائل في كلّ المواقع”.
في ظلّ رهان الحزب الواضح على الميدان، لم يكن أمراً عابراً بعد الإشادة بـ “الأخ الأكبر” الرئيس بري إسقاط الشيخ قاسم من خطابه رئيس الحكومة الذي ينسّق ملفّ التفاوض بكلّ تفاصيله مع برّي، والجيش، المعنيّ الأوّل من جهة لبنان الرسمي بالدفاع عن الحدود وتولّي، كما يُفترَض، جزء أساسي من مهامّ إدارة أزمة النازحين من الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية على غرار ما فعل بعيد انفجار مرفأ بيروت. وهي نقطة التباس حقيقية اليوم لدى الفريق السياسي الداعم للحزب.
الرّئاسة والحزب
أين يقف الحزب فعليّاً من ملفّ رئاسة الجمهورية ومِن تقدّم اسم قائد الجيش بقوّة على لائحة المرشّحين؟
صمتٌ كاملٌ من جِهة الحزب وقياديّيه حتّى في ظلّ دفع أميركي-فرنسي واضح لتثبيت اسم قائد الجيش مرشّحاً أوحد.
لكن يمكن الاستدلال من كلام رئيس “تيّار المردة” سليمان فرنجية غداة لقائه الرئيس برّي قبل أيّام على عدّة مؤشّرات رئاسية قد تُشكّل عناوين المرحلة المقبلة من دون التقليل من أهمّية عامل “الميدان” الذي على أساسه ستُبنى فعليّاً معالم مرحلة ما بعد الحرب:
حَذَفَ فرنجية، الحليف المسيحي الأوّل والثابت للحزب، من قائمة المرشّحين للرئاسة الأسماء المتداولة بوصفها توافقية “لأنّه في ظلّ الانقسام العمودي من يُرضي الجميع ما بيعمل شي، وما بعبّي الرأس، وما حدن بكون سامع صوته أو سامع منه موقف”.
للمرّة الأولى أضفى فرنجية “الشرعية” على أسماء محدّدة ذاكراً بالاسم سليمان فرنجية، مع تأكيد استمرار الرئيس برّي في دعم ترشيحه، قائد الجيش، سمير جعجع، جبران باسيل، و”لا عقدة تجاه أحد”، مضيفاً: “بين الأسماء التي عرضت أمامي قائد الجيش أفضلهم. ورئيس ينال 86 صوتاً قد أوافق عليه أو لا أوافق لكن لن أقف بوجهه”. قال فرنجية باختصار: المعركة بيني وبين قائد الجيش، لأنّ خيار باسيل وجعجع مُستبعد تماماً. مع تكرار لازمة: “رئيس يحمي ظهر المقاومة”. ولهذه العبارة دلالات مُضاعَفة بعد اغتيال السيّد.
ببساطة تعابيره طَرَح فرنجية معادلة هي بالتأكيد محور توافق بين الفريق الذي ينتمي إليه رئيس “المردة” وعلى رأسه الحزب: “الخيار على رواق بجيب رئيس أفضل”.
التّمديد
عمليّاً، الرئيس “الأفضل”، أو رئيس التسوية، أو ربّما رئيس الفَرض مؤجّل حتى إشعار آخر بحسب نتائج الميدان والـ update الذي سيطرأ على موازين القوى في المنطقة.
وفق مسار الأمور الحرب طويلة وربّما تدخل نفق الاستنزاف، ولذلك سيُطرح مجدّداً على الطاولة خيار التمديد الحتمي لقائد الجيش، وهو ما يبقيه مرشّحاً أساسياً لمرحلة ما بعد الحرب. وفق المعلومات، التمديد هذه المرّة قد يتمّ عبر الحكومة، بدفع غربي واستناداً إلى حالة الطوارئ، وليس مجلس النواب بالنظر إلى اختلاف ظروف التمديد الأوّل بغياب أحد جناحي الثنائي الشيعي، وبالنظر إلى المهامّ المستجدّة على أجندة قيادة الجيش من 1701 إلى توفير مستلزمات الحماية الدولية لمطار بيروت الدولي.
في الفترة الفاصلة بين 17 و18 أيلول، حين نفّذت إسرائيل مجزرتي البيجر والأجهزة اللاسلكية، مروراً ببدء العدوان الجوّي في 23 أيلول المتواصل حتى اليوم، ثمّ اغتيال الأمين العام للحزب وطاقم كبير من قياداته، وصولاً إلى بدء التوغّل البرّي وتحويل الضاحية إلى أرض محروقة ثمّ تهديد البحرية الإسرائيلية “بالعمل ضدّ أهداف للحزب من البحر”، انحصرت بيانات القيادة بالإضاءة على استقبالات قائد الجيش، وتلقّي المساعدات، ونعي عسكريين، والدعوة في بيان يتيم إلى الحفاظ على الوحدة الوطنية، والتأكيد أن لا انسحاب جنوباً بل إعادة تموضع لبعض نقاط المراقبة الأمامية، وإعلان تسجيل خرق واحد للعدوّ الإسرائيلي، في بيان صدر في 2 تشرين الأوّل، في منطقتي خربة يارون والعديسة ثمّ انسحابه.
لا أجندة رئاسيّة!
الكلام “المطلوب” تعميمه من جانب “مكتب القائد” يؤكّد عدم عمل العماد جوزف عون وفق أجندة رئاسية بل الالتفات فقط إلى مواجهة تداعيات الحرب الكبرى على لبنان في الوقت الذي تزاحمت فيه دول غربية على دعم ترشيحه بغضّ النظر عن مطلب وقف إطلاق النار.
لكنّ واقع الحال أنّ ظروف الميدان والمعطيات الدولية كلّها تصبّ لمصلحة المرشّح الأكثر تقدّماً بين باقي المرشّحين على الرغم من تراجع المناخ الرئاسي، وعلى الرغم من وجود استياء كبير لدى جهات داخلية لعدم استنفار قائد الجيش بالقدر المطلوب حيال أزمة النازحين وأعمال الإغاثة. حتّى إنّ مصادر أمنيّة أكّدت لـ “أساس” “أنّنا طلبنا أكثر من مرّة مؤازرة من جانب الجيش في مهمّة إخلاء أبنية من نازحين اقتحموا أملاكاً خاصة، بوجود غطاء كامل لهذه المهمّة من الرئيسين بري وميقاتي، لكنّنا ووجهنا بالرفض”.
ميقاتي لعون: إفعل ما تراه مناسباً
قبل أيام أعادت قيادة الجيش ترسيم حدود مسؤوليّاتها من خلال بيان أعادَ رَبط مهامّ الجيش بالقرار السياسي لناحية التأكيد أنّ هذه المسؤوليات تستند إلى “قرارات السلطة السياسية وتوجيهاتها لقيام الجيش بما يراه مناسباً من أجل حماية لبنان والمؤسّسة العسكرية، والالتزام بالقرار 1701 ومندرجاته بالتنسيق الوثيق مع قوة الأمم المتحدة المؤقّتة في لبنان – اليونيفيل”، مع الإشارة إلى أنّ “جهوزية الجيش للدفاع عن الأرض هي ضمن الإمكانات المتاحة”.
يُذكر أنّ ميقاتي وبعد جلسة مجلس الوزراء الأخيرة في 2 تشرين الأول أكّد أنّه “أعطى التوجيهات لقائد الجيش بشأن القيام بما يراه مناسباً من أجل حماية لبنان والمؤسّسة العسكرية”.
حملة باسيل
وفيما بدا البيان موجّهاً خصوصاً لوسائل إعلامية دأبت على مهاجمة قائد الجيش وتخوينه عبر اتّهامه بأنّه ينفّذ الإملاءات الأميركية ومرشّح واشنطن الداعمة لإسرائيل في حربها ضدّ الحزب، فإنّ إطار الردّ أتى ضمن سياق التأكيد أنّ قيادة الجيش “غير معنيّة بأيّ ملفّات أو استحقاقات” مع محاذرة الانزلاق نحو السجالات والمزايدات، لكنّ “لغة الرئاسة” بدت أقوى لناحية استحضار المفهوم القائل بأنّ الجيش هو الحلّ، “حيث أثبتت التجارب أنّ الجيش هو المؤسّسة التي تشكّل العمود الفقري للبنان والضمانة لكلّ اللبنانيين، وهو ما يؤكّد أهمّية التِفافِهم حولها. ويبقى الجيش متماسكاً بعزيمة عسكريّيه وإيمانهم وإرادتهم، واتّحاد اللبنانيين حول دوره الجامع”.
أكثر من ذلك، يتّهم فريق قائد الجيش جبران باسيل بالاسم بـ”الوقوف وراء تجييش بعض الإعلام ضدّه والعمل بالسرّ والعلن لمنع وصوله إلى رئاسة الجمهورية وخلق مناخات مناهضة لأدائه وما يَفترض باسيل أنّها حسابات سياسية يعمل عليها قائد الجيش وذلك من أجل غايات شخصية ضيّقة وحسابات رئاسية معروفة للجميع”.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :