حق التعويض عمّا لا يُعوّض..

حق التعويض عمّا لا يُعوّض..

Whats up

Telegram

حق التعويض عمّا لا يُعوّض

  لونا فرحات  
وصلت إلى مكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية في 16 تشرين الثاني 2023 شكوى مكوّنة من 56 صفحة، تطالب بفتح تحقيق في الوقائع المنسوبة إلى جيش الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر 2023. تقدمت بالشكوى مجموعة من المحامين يترأسهم المحامي الفرنسي جيل دوفير وهو المحامي المعتمد لدى المحكمة الجنائية الدولية. تستند هيئة الدفاع عن حقوق الفلسطينيين إلى الحقائق وإعلانات النية الموثقة الصادرة عن المسؤولين الإسرائيليين، والتي تؤكد ارتكاب جرائم الحرب والإبادة. واعتمدت الشكوى على اتفاقية منع الإبادة والمعاقبة عليها والمادة السادسة من نظام روما الأساسي المتعلقة بجريمة الإبادة الجماعية. في هذه الشكوى وغيرها من الشكاوى التي تقدمت بها جهات عدة إلى مكتب المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية، سيحظى الفلسطينيون للمرّة الأولى في تاريخ الصراع مع الكيان الصهيوني بمركز قانوني حقوقي بوصفهم مجنياً عليهم وعلى حق المطالبة في التعويض. يستعرض المقال أهم حقوق الضحايا الفلسطينيين وفقاً للنصوص الدولية ونظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.


من الملاحظ أنّ الاتفاقيات الدولية الخاصة بالجرائم الدولية لم تأت على ذكر ضحايا تلك الجرائم. فلم تنص معاهدات القانون الدولي الإنساني ولا سيّما اتفاقيات جنيف الأربع الصادرة في 12 آب 1949 على حق الضحايا في تقاضي تعويضات عن أي انتهاكات لنصوص المعاهدات، ولا تنص على حق الضحايا في ملاحقة مجرمي الحرب قضائياً أو التدخل في إجراءات التقاضي المتعلّقة بالمسؤولية الجنائية والحصول على تعويضات. ولكن بدأت النصوص الدولية اللاحقة لاتفاقيات جنيف تدريجياً تلحظ فئة الضحايا وتنص على حق هؤلاء في التعويض من بينها:

تنص اتفاقية مناهضة التعذيب على أن: «تضمن كل دولة طرف، في نظامها القانوني، إنصاف من يتعرض لعمل من أعمال التعذيب، وتمتّعه بحق قابل للتنفيذ في تعويض عادل ومناسب بما في ذلك وسائل إعادة تأهيله على أكمل وجه ممكن، وفي حالة وفاة المعتدى عليه نتيجة لعمل من أعمال التعذيب، يكون للأشخاص الذين كان يعولهم الحق في التعويض. ليس في هذه المادة ما يمس أي حق للمعتدى عليه أو لغيره من الأشخاص فيما قد يوجد من تعويض بمقتضى القانون الوطني». (المادة 14)

يعد إعلان المبادئ الأساسية للعدالة الصادر عن الأمم المتحدة في عام 1985 والمتعلق بضحايا الإجرام وسوء استعمال السلطة خطوة جديدة نحو الاعتراف الدولي بحقوق الضحايا. فبحسب الإعلان يعدّ الشخص ضحية حتى لو لم يتم التعرف إلى هوية الفاعل أو توقيفه أو ملاحقته قضائياً أو إثبات التهمة عليه. وهو أول أداة دولية تنص على أن المطالبة بالتعويض وجبر الضرر هما حقان شخصيان. وأول إعلان دولي يخصص لتناول موضوع ضحايا الإجرام وتحدد حقوقهم. ويُعرّف الإعلان في مادته الأولى مصطلح الضحايا على أنهم: «الأشخاص الذين أصيبوا فردياً أو جماعياً بضرر وخاصة الذين انتهكت سلامتهم الجسدية أو العقلية أو أصيبوا بألم معنوي أو بخسائر مادية أو الذين انتهكت حقوقهم الأساسية بشكل خطير وذلك جرّاء أعمال أو حالات إهمال متعارضة مع القوانين الجنائية».

اتخذ المجتمع الدولي خطوتين في سبيل إنصاف ضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوقهم الإنسانية الأولى تمثلت بتبني الجمعية العمومية في الأمم المتحدة في 16 كانون الأول 2006 إعلان المبادئ العامة والتوجيهية المتعلّقة بحقوق الضحايا وبالتزامن مع إعداد الإعلان وقبل إصداره، أتت الخطوة الثانية مع إقرار النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية الذي عكس إلى حد كبير أهم ما نص عليه الإعلان المذكور.

النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية
جاءت اتفاقية إنشاء المحكمة الجنائية الدولية والتي تُعرف باسم نظام روما الأساسي لتعكس معادلة جديدة، مفادها أنّ العدالة تتحقق بضمان محاكمة عادلة للمتهم وبضمان حقوق الضحية بضرورة جبر الضرر والتعويض عن الانتهاكات الجسيمة التي تعرضت لها. لذا، أفردت المحكمة الجنائية الدولية مكانة حقيقية للضحايا في نظامها الأساسي الذي يعدّ أوّل وثيقة دولية تتضمن توضيحاً حول إجراءات حماية الضحايا المجني عليهم والشهود وحقهم في التعويض.
وقد عرّف نظام روما الأساسي الضحية في المادة 85 منه على أنه:
يعني كل شخص طبيعي أصيب بضرر ما من جرم يقع في إطار اختصاصات المحكمة.
يمكن أن يقصد بمصطلح الضحية كل منظمة أو مؤسسة أصيبت أموالها بضرر مباشر في حين أنها مخصّصة للدين أو التعليم أو الفن أو الأعمال الخيرية ويمكن أن يقصد المصطلح أيضاً كلّ بناء أثري أو مستشفى أو مكان آخر يستخدم لأهداف إنسانية ويكون قد أصيب بضرر مباشر.


حقوق الضحايا من صلاحيات المحكمة الجنائية الدولية
بحسب النظام الأساسي للمحكمة الذي دخل حيّز النفاذ في يوليو 2002، فإن الضحايا باتوا يشكلون طرفاً من الأطراف الأساسية في الدعوى التي تنظرها المحكمة وأعطي لهم حقوق تتمثل فيما يأتي:

الحق في الحماية عبر اتخاذ المحكمة مجموعة من التدابير لتفادي تعرضهم لأي ضرر أو تهديد لحياتهم أو سلامتهم، وقد أُسندت هذه المهمة في المحكمة لوحدة «المجني عليهم والشهود».

الحق في التمثيل والحق في المشاركة: أقر نظام روما الأساسي حق تمثيل الضحايا صراحة في المادة 68 فقرة 3 بالنص على أنه: «تسمح المحكمة للمجني عليهم، حيثما تتأثر مصالحهم الشخصية بعرض آرائهم والنظر فيها في أي مرحلة من الإجراءات تراها المحكمة مناسبة وعلى نحو لا يمس أو يتعارض مع حقوق المتهم». ومن الحقوق الأساسية التي اعترف بها نظام روما الأساسي للضحايا أيضاً الحق في المشاركة في الإجراءات القضائية التي تباشر أمامها. والهدف من هذا الحق هو تمكين الضحايا من تقديم وجهات نظرهم حول الوقائع وتقديم الطلبات المرتبطة بالقضية. فلهم الحق في تقديم المعلومات للمدعي العام مباشرة (عملاً بالمادة 13 و15 المتعلقتين بحق المدعي العام في تلقّي المعلومات من أي جهة من الجهات الموثوقة من بينها ضحايا الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة وهي جرائم الحرب، والإبادة، والجرائم ضد الإنسانية وجريمة العدوان)، وحقه تبعاً لتلك المعلومات بفتح تحقيق بشأنها. كذلك وبمجرد أن يحصل المدعي العام على إذن بفتح تحقيق فإنه يتعين عليه إبلاغ الضحايا مباشرة عبر وحدة الضحايا والشهود في المحكمة، أو عبر ممثليهم القانونيين. كما يجوز للضحايا تقديم بيانات مكتوبة للدائرة التمهيدية في المهلة المحددة لذلك. ولضمان مشاركة الضحايا أو ممثليهم القانونيين تلتزم المحكمة بإخطارهم بجميع الإجراءات المتبعة أمامها وبمواعيد الجلسات أو تأجيلها، وموعد النطق بالحكم. ويجوز لدائرة المحكمة المختصة أن تشرك الضحايا في إجراءات أخرى، عن طريق التماس آرائهم بشأن أي مسألة تتعلق بمسائل قانونية ذات صلة بالقضية.

نظام روما الأساسي: تتحقق العدالة بضمان محاكمة عادلة للمتهم وبضمان حقوق الضحاي
الحق في التعويض 
إن الهدف الأساسي للحقوق السابقة للضحايا هو تمكينهم من الحصول على أكبر قدر من الإنصاف الذي لا يمكن أن يتحقق من دون جبر الضرر.

 ويستفيد الضحايا من حق جبر الضرر طبقاً لنظام روما الأساسي بعد إدانة المتهم، إذ يجوز للمحكمة حينها إلى جانب توقيعها عقوبة سالبة للحرية وفرضها غرامات مالية على الشخص المدان أن تصدر أمراً مباشراً ضده تحدد شكل جبر الضرر للمجني عليهم والتعويض المادي الملائم. لكن المحكمة الجنائية الدولية لا تصدر أي أمر يتعلق بأي رد اعتبار معنوي كالأمر بتقديم اعتذار رسمي. ويتحمل مسؤولية دفع التعويض من حيث المبدأ الشخص المدان أو الجهة التي تتحمل المسؤولية عن أفعاله كأن يكون من موظفي الدولة.

ولضمان حصول المجني عليهم للتعويض المادي المستحق، فقد أنشأت المحكمة الجنائية الدولية الصندوق الائتماني بموجب المادة 79 من نظامها الأساسي بتاريخ 9 سبتمبر 2002 وذلك لمصلحة المجني عليهم ولأسرهم.
 

أفردت المحكمة الجنائية الدولية مكانة للضحايا في نظامها الأساسي الذي يُعدّ أوّل وثيقة دولية تتضمن توضيحاً حول إجراءات حماية الضحايا المجني عليهم وحقهم في التعويض
إعلان المبادئ العامة المتعلقة بحق ضحايا الانتهاكات
تقسم المبادئ والتوجيهات التي تضمنها الإعلان المتعلّق بحقوق ضحايا الانتهاكات الخطيرة إلى ثمانية أقسام تحتوي على 27 قاعدة عامة. 

وأهم ما جاء في الإعلان:
أولاً: التزام الدول بواجب الامتناع عن انتهاك حقوق الإنسان وواجب الوقاية منها وضمان احترام تلك الحقوق.
ثانياً: التزام الدول بإجراء التحقيق والمحاكمة ومعاقبة الجناة وتوفير الوصول الفعّال إلى طرق الانتصاف الإجرائية على نحو متساوٍ للضحايا.
ثالثاً: عدم سريان التقادم: لا تسري أحكام التقادم على الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والخطيرة وهي التي تعرف بجرائم ضد الإنسانية. والاتجاه الدولي السائد حالياً هو اعتبار أن جريمة التعذيب من الجرائم التي لا يسري عليها التقادم، كما رأت المحكمة الدولية الخاصة ليوغسلافيا. والحكمة من عدم سريان التقادم على هذه الجرائم والحق المدني في المطالبة بتعويض هو أن الممارسة الفعلية قد أثبتت صعوبة تقدّم الضحايا بدعاوى التعويض فور انتهاء الفعل الجرمي، وخصوصاً إذا كان الفعل مستمراً كحالة الاحتجاز في معتقلات. فإن تطبيق سريان التقادم في الكثير من الأحيان يسقط حق الضحايا في مدة قصيرة لا يتسنّى لهم فيها التعامل مع الأحداث وجمع الأدلة والتقدم بها إلى أي جهة قضائية. وفي غالبية الأحيان يكون الضحايا في حالة نفسية لا تسمح بمتابعة قضاياهم أمام المحاكم. إضافة إلى ذلك، قد يكون بعضهم ما زالوا يعانون من الإصابة أو تحت التهديد في حال المطالبة بحقوقهم أو أنهم يشعرون باضطهاد وخوف من الانتقام منهم. لذلك فإن مرور الوقت في هذه الحالات لن يكون في مصلحة الضحية.
رابعاً: نصّ الإعلان على أن تتاح للضحية الوصول على نحو متساو إلى أحد سبل الانتصاف القضائية الفعالة وفقاً لما ينص عليه القانون الدولي. ما يعني أن طرق الإنصاف غير القضائية لا تعدّ كافية وتظل الدولة «المرتكبة» ملتزمة طبقاً للقانون الدولي.
خامساً: نصّ الإعلان على أوجه التزام الدول بجبر الضرر وتشمل: رد الحقوق كما ورد في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، والتعويض المالي وإعادة التأهيل والترضية. كما يتضمن مفهوم الترضية إصدار إعلان رسمي أو قرار قضائي يُعيد الكرامة والسمعة. وتقديم اعتذار علني مع اعتراف بالوقائع وقبول المسؤولية وفرض إجراءات قضائية على المرتكبين، مع إحياء ذكرى الضحايا وتكريمهم.

هيومن رايتس واتش تُحدّد: التزامات إسرائيل بحق الضحايا
طلبت المقرّرة الخاصة لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، من المجتمع المدني والحكومات وغيرها من الجهات تقديم مساهماتهم بشأن وضع تقريرها القادم الذي سيبحث في مسألة أساسية وهي: «كيف أثرت سياسات وممارسات إسرائيل بعد 7 أكتوبر على حقوق الشعب الفلسطيني...». وصدر تقرير هيومن رايتس واتش في 26 يونيو 2024، بناء على هذا الطلب وتناول أموراً عدة من بينها الالتزامات الملقاة على عاتق «إسرائيل» تجاه الضحايا الفلسطينيين وهي كالآتي:
-ينبغي على السلطات الإسرائيلية ضمان قدرة الجرحى الفلسطينيين الذي يحتاجون إلى العلاج الطبي وإعادة التأهيل مغادرة غزة لتلقيه وضمان حقهم في العودة.
- ينبغي لإسرائيل أن تضمن الدعم المالي وغيره من أشكال الدعم والتعاون لإعادة بناء غزة ودعم عودة الفلسطينيين إلى ديارهم التي هُجّروا منها في الضفة الغربية.
- على إسرائيل توفير التعويضات المالية لجميع الفلسطينيين عن الضرر الذي لحق بهم من جرّاء الجرائم المرتكبة ضدهم بما في ذلك الضرر الجسدي والنفسي والاقتصادي.
- على إسرائيل دعم حصول الناجين على الحقيقة عبر السماح بزيارات محقّقين حقوقيين مستقلين والامتثال لأمر محكمة العدل الدولية بمنح هيئات تقصّي الحقائق والتحقيق مع إمكانية الوصول من دون عوائق ووقف محاولات عرقلة أو تقويض تحقيق المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية.
- ينبغي على إسرائيل أن تؤكد قابلية تطبيق القانون الدولي على التزاماتها في الأراضي الفلسطينية المحتلة وتفكيك جميع أشكال القمع والتمييز المنهجيَّين بما في ذلك القوانين والسياسات التي تنتهك الحظر على الفصل العنصري والاضطهاد.
-ينبغي على الدول الثالثة التي وفرت أسلحة هجومية ومنها ألمانيا وإيطاليا وبريطانيا والولايات المتحدة المساهمة في التعويضات. كذلك على الدول التي تعمل فيها الشركات التي أسهمت في الحملة الإسرائيلية العسكرية على غزة أو استفادت منها أن تضمن أيضاً تعويضات عن دور الشركات في الانتهاكات الجسيمة.
-ينبغي على الحكومات أن تلتزم بدعم ومساعدة الفلسطينيين على العودة إلى مجتمعاتهم في غزة والضفة الغربية وإسرائيل (أي أراضي عام 48).
-ينبغي أن تضمن الدول الثالثة أيضاً دعم التعويضات المستحقة للفلسطينيين، ويمكن أن تشمل اعتذاراً كاملاً من «إسرائيل» والولايات المتحدة.

 

تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram

نسخ الرابط :

(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)

:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي

Whats up

Telegram