حريٌّ بنا أن نقتدي ببطولة هذا الرجل

حريٌّ بنا أن نقتدي ببطولة هذا الرجل

 

Telegram

 

د. ادمون ملحم 
جاء سعاده بمشروعِ النَّهضةِ القوميَّةِ الاجتماعيَّةِ بغاية إنقاذ شعبه من ويلاته ومعضلاته وتحقيق وحدةَ أمته المُجزَّأةِ، واستعادة أجزاءَها السَّليبةَ، وانقاذها من خطرِ المشروعِ الصُّهيونيِّ الاستيطانيِّ والنهوض بها إلى المكان اللائق بها تحت الشمس.
وبهدف تحقيق هذا المشروع النهضوي، كرّسَ سعاده حياتَهُ مُضَحِيًا بوقتِهِ وراحتِهِ وهناءِ عائلتِهِ، وراحَ يُجاهدُ ويكافحُ في سبيلِ شعبِهِ بثَباتٍ وجُرأةٍ وإقدام. تعرّض للدَّسائسِ والوشاياتِ والتَّهديدِ بالقتلِ مرارًا وللنَّفْيِ والمحاكمةِ الغيابيَّةِ. لمْ تُزَعْزِعْهُ المكائدُ والأضاليلُ والإشاعاتُ الكاذبةُ والأصواتُ الخبيثةُ، ولمْ تُرهِبْهُ سُلُطاتُ الإرهابِ والظُّلمِ والطُّغيانِ، وتهديداتُها، ولمْ يُزَحْزِحْهُ نَفْيٌ ولا سَجنٌ ولا تنّينُ الرَّذائلِ والقبائحِ. استخّفَ بكلِّ هذه الأهوالِ وبخبائثِ أولئكَ الغادرينَ وسفالتِهم، واستلذَّ آلامَ تلكَ الفظائعِ في سبيلِ الواجبِ القوميِّ المقدَّسِ، ومشى في طريقِ الحقّ ِمجاهرًا ومعلّمًا ومدافعًا عن حقوقِ أمّتِهِ وحرّيّتِها وسيادتِها على نفسِها ومحتقرًا الّذينَ تخلَّوْا عنْ طريقِ الحرّيّةِ والصّراعِ، واختارُوْا طريقَ العبوديّةِ والعيشِ الذّليلِ.
جَعلَ سعاده مجدَ الأمّةِ غايتَهُ، فلمْ ييأسْ ‏يومًا ولمْ يتراجعْ عنْ مَهَمَّتِهِ الرَّسوليَّةِ، في استنهاضِ أمَّتِهِ وتحريرِها.. بلْ كانَ دائمًا شديدَ الثِّقةِ بنفسِهِ، وكانَ إيمانُهُ بطيبةِ شعبِهِ كبيرًا، فواجَهَ التّحدّياتِ بِعزْمٍ وإرادةٍ صلبَةٍ وعملٍ متواصلٍ وعطاءٍ سخيٍّ فكرًا وأدبًا وإبداعًا ومواقف.َ وباختصارٍ، كانَتْ حياتُهُ كلُّها أروعَ تعبيرٍ عنِ القِيَمِ المِثاليَّةِ الّتي جسّدَها تجسيًدا حيًّا في ذاتِهِ وشخصيَّتِهِ وفي أخلاقِهِ ووقفاتِهِ الّتي توَّجَها بوقفةِ عزٍّ اختصرَتْ كلَّ البطولاتِ، توّجَها بقيمةِ القِيَمِ، الفداءِ، في سبيلِ حرّيّةِ أمّتِهِ وخيرِها وجمالِها.
وقيمةُ الفداءِ جَسَّدَها سعاده في أبهى مظاهرِها وأكملِ معانيها في ليلةٍ كالحةٍ ظلماءَ من ليالي تموزَ من العامِ 1949 في مُنازلةٍ بُطوليٍّة تذكِّرنا ببطولاتِ آلهةِ أساطيرِنا الخالدة.. جَسَّدَها في مواجهةٍ بطوليّةٍ نادرةٍ بينَ الحَقِّ والباطلِ، بينَ قوّتينِ: قوّةٌ مثّلَتْ روحَ الأمّةِ النّاهضةِ وعُنفوانَها، وأرادَتِ الحرّيّةَ والخيرَ والرفاهِيةَ والتقدُّمَ لأبناءِ الشّعبِ، وقوّةٌ طاغيةٌ مثَّلَتِ الظّلمَ والعبوديةَ، وأرادَتِ المحافظةَ على نظامِ الفسادِ والطائفيّةِ والإذلالِ، نظامِ العَمالةِ والرّجعيّةِ والتّبعيّةِ للأجنبيّ.
في تلك المنازلةِ البُطوليِّةِ، لم يهتمَّ القائدُ الشُّجاعُ بخلاصِهِ الفرديِّ، بلْ تقدَّمَ إلى المواجهةِ ليصونَ سلامةَ النّهضةِ وليؤكّدَ صِحّةَ العقيدة.. مثبّتاً قوله “إنَّ الحياةَ كلَّها وقفةُ عزٍّ فقط.”
بعدَ محاكمةٍ صُّوَريَّةٍ، سريعةٍ، وظالمةٍ، وصدورِ حكمِ الإعدامِ الجائرِ والمُعدِّ مُسبقًا، لمْ يُسمحْ لسعاده برؤيةِ زوجِتهِ وبناتِهِ، وبلقاءِ الصّحافيينَ، فطلبَ أنْ يدّونَ كلمةً للتّاريخِ، كما يذكرُ الكاهنُ الّذي عرَّفَهُ، وممّا قالَهُ: “أنا لا يهمُّني كيفَ أموتُ بلْ من أجلِ ماذا أموتُ، لا أَعُدُّ السِّنينَ الّتي عِشْتُها بلِ الأعمالَ الّتي نفّذْتُها. هذهِ الليلةَ سيُعدمونَني، أمّا أبناءُ عقيدتي فسينتصرونَ وسيجيءُ انتصارُهم انتقامًا لموتي.”
في صبيحةِ ذلكَ الّثامنِ من تموزَ، تقدَّمَ سعاده “بخطىً هادئةٍ قويّةٍ وَهْوَ يبتسمُ… لمْ ينفعلْ، كأنَّ الإعدامَ فِعْلٌ نُفِّذَ بِهِ مَرّاتٍ عديدةٍ منْ قبلُ… لمْ ترهِبْهُ سَطوَةُ الباطلِ وسلطانُهُ وجيوشُهُ، ولمْ يتخلَّ عن عقيدتِهِ وإيمانِهِ وأخلاقِهِ لينقذَ جسدًا باليًا لا قيمةَ لهُ. تقدَّمَ إلى خشبةِ الإعدامِ وواجَهَ الموتَ بأعصابٍ هادئةٍ، ورحّبَ بهِ طريقًا لحياةِ الأمّةِ وخلودِها. في تلكَ اللحَظاتِ، تجسَّدَ فعلُ البُطولةِ النّادرةِ بقولِهِ للجلّادينَ وهْوَ ينظرُ إليهِم نظرةَ التّحدّي: “دعوا عينيَّ مفتوحتَينِ لأرى الرّصاصَ يخترقُ صدري”… وانهمرَتْ رصاصاتُ الحِقدِ والغَدْرِ والخيانةِ عليْهِ واخترقَتْ صدرَهُ وهْوَ يردّدُ بسموٍّ وأخلاقٍ عاليةٍ كلمةَ “شكرًا” لجلّاديه.. وتفجّرتِ الدّماءُ الزكيّةُ انتصارًا للحقِّ والقضيّةِ، وافتدتِ الأمةَ ذاتَها بشهادةِ معلّمِ أجيالِها الّذي جادَ بدمائِهِ كفالةً للنّهضةِ واستمرارًا للقضيّةِ، فكرّسَ باستشهادِهِ الفداءَ، أسلوبَ نضالٍ وطريقةَ حياةٍ وفعلًا إنسانيًّا بطوليًّا يختزِلُ تَوقَ الشّعبِ إلى حياةٍ حرّةٍ وكريمة.
في هذا الزمن الصعب، حري بنا ان نقتدي بمسيرة هذا الرجل الذي جاهد وكافح في سبيل شعبه متخلياً عن العظمة الشخصية ومتحملاً آلام المرض وعذاب السجون مراراً عديدة حباً بأمته.
في هذا الزمن العصيب الذي نواجه فيه تنيناً مفترساً يزحف باتجاهنا ويلاحقنا في كل زاوية ومكان، حري بنا ان نقتدي ببطولة هذا الرجل الذي أعرب عما يخالج نفوسنا من آمال وميول ومطامح نبيلة..
ليكن لنا قدوة في الزعيم الذي تجلّت البطولة في سلوكه ومواقفه والذي رّحب بالموتِ مؤكداً انه لا يبيع “الشرف بالسلامة ولا العز بتجنب الأخطار.”
ليكن لنا قدوة في هذا الرجل الذي سالت دماؤه على رمال بيروت بعد ان قال: “كلنا نموت، ولكنّ قليلين منّا يظفرون بشرف الموت من أجل عقيدة.”

 

تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram

نسخ الرابط :

(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)

:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي

 

Telegram