بعد أسابيع من التحقيقات المرهقة، وفي ظل الغموض الكثيف الذي لفّ القضية، كان الجميع ينتظر بصبر نافد الكشف عن حقيقة مروعة تتعلق بمأساة الطفلة لين طالب. وكانت الصدمة الحقيقية تنتظرهم بعدما كشف القرار الظني، الذي أصدرته قاضي التحقيق الأول سمرندا نصار، عن تفاصيل صادمة وفظائع مروعة، تخطت حدود المألوف والمتوقع.
"لين لم تكن لتتوفى لو قدمت لها العناية الطبية في الوقت المناسب"، هذه الكلمات القاسية، التي خرجت من جوف القاضي، هزت قلوب الجميع وفتحت بابا إلى جحيم من الأسرار المظلمة، التي كانت تختبئ خلف أبواب عائلة الطفلة. كانت لين، الشهيدة البريئة، قد عاشت فيما يشبه الكابوس، حيث اختفت فرحتها وابتلعتها ظلمة الجريمة، بينما كان الوحش يتربص بها، متربصا باللحظة المناسبة لينفذ فعلته الشنيعة دون رحمة أو شفقة.
وفي هذا السياق المرعب، ومع محاولات مستميتة لإخفاء الحقيقة، استطاعت قاضية ذكية بحنكتها أن تفك رموز اللغز، وتكشف عن مؤامرة خبيثة متراكمة في أروقة العائلة، ومنطق جريمي مرعب أنهى حياة الطفلة البريئة لين.
رحلة رعب عاشتها لين مع عائلة فضلت موتها على الكشف عن سرها. فتركت لين أثر مقاومتها على رقبة المجرم، ليتبين أن الجميع تواطأ على قتلها، وكان كل شخص منهم مجرما على طريقته الخاصة، منهم: وعد فواز بو خليل والدتها حيات، التي هي لبنانية من مواليد عام 1987، ومتزوجة من عمر طالب لديها ابنة صغيرة لم يتجاوز عمرها ست سنوات. بعد الطلاق بينهما، لم يعد عمر يرسل ابنته لزيارة والدتها حتى انتهاء إجراءات الطلاق. وبعد تدخل عدد من الأصدقاء، وافق عمر على أخذ لين لتقضي عطلة نهاية الأسبوع مع والدتها.
تحولت حياتها الى جحيم
وأشارت مصادر خاصة لـ"الديار" أن وعد كانت تسكن مع والدها فواز عبد القادر بو خليل، والدته بهية لبنانية من مواليد عام 1962، ووالدتها حيات توفيق الرز، والدتها فاطمة لبنانية من مواليد عام 1971. وكانوا يسكنون في البناية نفسها، حيث كان أخوها نادر فواز بو خليل، مواليد عام 1988، وزوجته صفاء، يسكنون في الطابق الأول، بينما كانت عائلتها تسكن في الطابق الأرضي.
وأكدت المصادر، أنه بتاريخ 18-6-2023 أوصل عمر لين عند بيت جدها، وكانت وعد في المستشفى مع زوجة أخيها نادر التي كانت تلد جنينها، فترك الطفلة مع عم والدتها الذي كان يسكن أيضاً في المبنى نفسه، وعند مجيء جدها فواز أخذ الطفلة الى بيت ابنته بهية لحين عودة أمها وعد، فقامت بهية بتصوير لين وارسلت صورتها الى والدتها لتخبرها أن والد الطفلة قد اتى بها الى منزل جدها، وكان واضحا على لين الفرح وبصحة جيدة وتأكل وتلعب مع أولاد بهية، وعند خروج صفاء زوجة نادر من المستشفى بقيت في بيت حماها في الطابق الأرضي ولم تصعد الى منزلها في الطابق الأول.
وتابع المصدر شارحاً أنه في يوم السبت 24-6-2023، ذهبت وعد الى منزل أختها خلود التي كانت تريد أن تلد في المستشفى ومثل العادة صورت بهية لين وبعثت الصورة لى والدتها لتطمئنها وكانت الطفلة في أفضل أوضاعها.
ومع حلول يوم الأحد الموافق 25 حزيران 2023، تغيرت حياة لين بشكل كامل وخاصة ملامحها وتحولت حياتها الى جحيم. وفي هذا اليوم الذي اتخذته الشرارة للفظائع، قرر نادر، خال لين، أن يغوص في عمق الشر والوحشية. واستغل غياب أفراد العائلة ووجود زوجته في منزل عائلته ليقوم بفعلته البشعة. وهكذا، أقفل الباب خلفه ودخل إلى داخل المنزل الفارغ، حيث أحكم قبضته على لين داخل الحمام واغلق فمها ومسكها بطريقة عنيفة حتى كسر يدها واغتصبها. ورغم محاولات لين الباسلة في الدفاع عن نفسها، فقد أصيبت بالصدمة النفسية وتعرضت لآلام جسدية قاسية، حيث تحولت حياتها البريئة إلى جحيم حقيقي.
رحلة العذاب
ولفتت المعلومات الا أنه رغم صدمتها حاولت لين أن تدافع عن نفسها فغرزت أظافرها برقبة المجرم لتترك دليلا يثبت هوية المعتدي، ولكن الصدمة النفسية والأوجاع والكدمات قلبت حياتها رأساً على عقب وسرقت الحياة من وجهها وحولت نظراتها الى نظرات خوف ورعب. ولكن، الأمر الأكثر صدمة هو قرار والدتها، التي كان يفترض أن تكون حارسة ومدافعة عنها، بأن تتخلى عنها وتتغاضى عن الجريمة الوحشية التي ارتكبها نادر. وبعد هذا الحادث المروع، بدأ العد العكسي للحياة البريئة التي عاشتها لين، وأصبحت الدموع لا تفارق عينيها، وعلى الرغم من كل الجروح والأوجاع، تم نقل لين إلى طبيب لعلاج يدها، حيث طلبوا منه أن يضع لها رباطًا لتحمي يدها المكسورة، ووصل تفنن وعد ووالدتها ليضعوا لين بمغطس من الماء والملح لاخفاء جروحها وكدماتها، الشيء الذي زاد من أوجاع الطفلة بشكل كبير.
بهذه الطريقة، حاولوا أن يخفوا آثار الجريمة عن جسم الطفلة التي لم تعد تأكل، وبقيت لين ترفض الأكل والشرب لمدة 5 أيام، وتتقيأ باستمرار، والرعب النفسي الذي أصابها بسبب الحمام منعها من أن تقضي حاجتها طوال هذه الفترة، وتصاب بحالة هستيرية وبكاء كلما اقترب منها رجل. ويوما بعد يوم، بدأت حالة لين الصحية والنفسية تتراجع أكثر وأكثر، وكمحاولة للتمويه عنها، قررت العائلة أن تأخذها إلى مدينة الملاهي، ولكن الوجع بقي مسيطرًا عليها لدرجة أنهم بحثوا عن طبيب أعصاب ليخفف من صدمتها وتوترها، لكن محاولاتهم باءت بالفشل، وبقوا 5 أيام ينظرون إلى الطفلة وهي تذوب بين يديهم، وكانوا على استعداد لفعل أي شيء إلا أن يأخذوها إلى المستشفى خوفًا من أن تكشف جريمتهم.
وبالرغم من أن الطفلة كانت تعاني من نزيف بسبب الاعتداء، بقيت أسطوانة المياه والملح تتوالى وبقيت حرارتها ترتفع.
لم تكن لتموت لو قدّمت لها العناية الطبية
في يوم 29-6-2023، ارتفعت حرارة لين بشكل غير طبيعي، فاضطرت العائلة إلى نقلها إلى طوارئ مستشفى المنية. لكن الرعب الذي تعيشه الطفلة حال دون فحصها من قبل طبيب الطوارئ، الذي طلب منهم نقلها إلى طبيب أطفال. عند وصولهم إلى الدكتور دهيبي، دهش من خوف الطفلة وتصرفاتها، التي منعته من فحصها أو حتى التقرب منها. وأوضح لهم أن الفتاة في حالة حرجة جدا، ولا تتحمل المزيد.
على الرغم من ذلك، رفضت العائلة دخولها المستشفى، وطلبوا من الطبيب تقديم دواء لتخفيف الألم. بعد هذا الجواب، فهم الدكتور دهيبي ما جرى مع الطفلة، وحرصًا على سلامتها، طلب منهم ورقة دخول المستشفى للحفاظ على سجل طبي، علمًا بأنهم لم يكونوا ينوون هذا الخيار من البداية. وكإجراء وقائي لحماية نفسه، قام ابن عم وعد بتصوير لين وهي في حالة صعبة، ليحتفظوا بالصورة في حال تطلبت الضرورة الإشارة إليها في المستقبل.
وحوالى الساعة 7 ونصف، تدهورت حالة لين بشكل كبير، وفقدت الوعي، وأصبحت بين الحياة والموت، فنقلها عم وعد وزوجته إلى المستشفى، حيث وافتها المنية هناك. بالصدفة، بقيت والدتها في المنزل، ولم تتوجه مع أفراد العائلة إلى المستشفى إلا بعد وفاتها. وحتى بعد وفاتها بقيت عائلة الوالدة تختلق الأعذار والحجج ليخفوا جريمتهم ومن أعذارهم: "ما معنا ندفع للطبيب الشرعي حتى يعاينها"، "بدنا نجيب داية للطفلة لتفحصها بدل الطبيب"، و "توفت البنت بسبب حادث سير". وتبين أن احد العاملين في مفرزة حلبا القضائية كان يساعد العائلة ببعض الأمور بطلب من رؤسائه من دون علمه بالخلفيات الحقيقية للقضية.
تعددت الروايات والنتيجة واحدة، واصرار قاضي التحقيق الأول في الشمال سمرندا نصار دفعتها لتتعمق أكثر في تفاصيل الجريمة لكشف خيوطها. وبالفعل، مع تعيين طبيبين شرعيين من قبل النيابة العامة الاستئنافية في الشمال، تبين أن سبب الوفاة ناتج من النزيف الذي جرى بعد عملية الاغتصاب الوحشية التي تعرضت لها لين. وأظهرت الفحوصات وجود التهابات كثيرة أدت إلى فقر دم حاد وخسارة وظائف أعضائها الحيوية. أكد الطبيبان الشرعيان، في إفادتهما أمام قاضي التحقيق، أن الطفلة لم تكن لتموت لو تم تقديم العناية الطبية بالوقت المناسب.
عقوبة الإعدام
قبل أن تستريح الطفلة بسلام، بدأ تراشق الاتهامات بين العائلتين عبر الإعلام، وارتفعت أصوات الكذب والتضليل. اتهمت عائلة وعد عم الطفلة بالتحرش بلين، ووصل حد التضليل معهم بالغسيل الكامل لملابسها الداخلية، و "الشورت" الذي كانت ترتديه يوم الجريمة قبل أن يسلموها للمحققين. حتى انهم قاموا بتقديم ملابس غير ذلك، بهدف التلاعب بنتائج فحص الحمض النووي. ولكن نتائج الكشف على الطفلة بالإضافة إلى تقرير الطبيبين الشرعيين ومعاينة صور الطفلة بعد وفاتها من قبل القاضية نصار أكدت حدوث الاعتداء قبل 4 أو 5 أيام من وفاتها، علما أنه الاعتداء الأول ولم يكن هناك أي اعتداء سابق.
وأكدت المصادر أن نتائج المختبرات الجنائية أظهرت وجود بقع دم على السروال الداخلي للطفلة والحمض النووي العائد لخالها نادر على "شورتها" الذي حاول أن يبرر نفسه أمام قاضي التحقيق الأول من خلال تضليل واقع الأحداث. كما أكدت محادثات ومكالمات "الواتساب" التي حذفتها عائلة وعد بعد تاريخ الجريمة، والتي كشفت عن اتصالات ومراقبة من جانب خال الطفلة لين لمواقع اباحية مباشرة بعد ارتكاب الجريمة.
بناء على جهد ومتابعة قاضي التحقيق الأول في الشمال سمرندا نصار لجريمة الطفلة لين طالب، تمكنت من كشف الجريمة وأصدرت قرارها الظني بتاريخ 31- آب – 2023، واعتبرت فعل نادر بو خليل من نوع الجناية المنصوص عليها بالمادة 549 من قانون العقوبات، بعدما أقدم على اغتصاب الطفلة لين طالب، وطلبت عقوبة الإعدام له.
وأيضا، اعتبرت القاضية نصار كل من وعد بو خليل وفواز بو خليل وحيات الرز من نوع الجناية المنصوص عليها بالمادة 549 من قانون العقوبات، وذلك بسبب تركهم للطفلة لمصيرها وعدم اسعافها وهي تفقد حياتها أمامهم، وطلبت عقوبة الإعدام لهم.
عدالة الارض
يبدو وكأنّ الصرخات التي تصدح من فم الطفلة لين تتلو مونولوجاً مؤثراً، كأنها تنادي من سماء العدالة، ترفض السكوت عن الحقيقة، وتندد بالظلم الذي تعرّضت له. تتلاحم كلماتها ببساطة الطفولة وعمق الألم، تنتقد فيها الأذى الذي تعرّضت له وتتوجه باتهامات حادّة لمن ألحق بها الأذى وحاول تغطية مآسيها. وفي ختامها، تطلب العدالة وتعبر عن امتنانها لسمرندا نصار التي جعلت الحق يتسلل مجدداً إلى حياتها، وأعادت لها براءتها وكرامتها المسلوبة.
وكأنها تنادي من السماء: " لا لا ما قدرتوا تخبوا الحقيقة، انت أذيتني، وانتو تسترتوا عليه وحاولتوا تقتلوني مرة تانية... بس ما قدرتوا لأنو في قاضية كشفت لعبتكم وسمعت صرختي أنا وعم بتعذب، عدالة الأرض عم تنتقملي قبل عدالة السماء... شكراً سمرندا نصار...".
جريمة وحشية من أبشع جرائم العصر الحديث هزت العالم العربي والغربي، وكانت ضحيتها طفلة ذنبها الوحيد هو انتماؤها لعائلة لا تعرف الرحمة وسرقت منها براءتها، خاصةً بعد أن استغلت طفولتها وظلمتها، وحده القضاء الذي انصفها.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram
نسخ الرابط :