على وقع اشتداد حدّة المواجهات العسكرية في غزّة وجبهات الإسناد، تتنقل المفاوضات على خط باريس – القاهرة – الدوحة، بين الإحتلال الإسرائيلي والمقاومة الفلسطينية للتوصل الى اتفاق هدنة في قطاع غزة وتبادل للأسرى.. انكبَّ الوسطاء على تبادل الإقتراحات والمسودات لتذليل العقد لإخراج اتفاق الهدنة من عنق الشروط والشروط المقابلة. لكن المفاوضات مُزنّرة بحقل ألغام قد تنفجر في أي لحظة إذا استمر الطرفان على السقف نفسه.
وتكشف أوساط مطلعة على كواليس التفاوض أن جولات النقاش والتفاوض خلال الإسبوعين الماضيين، أشّرت الى أن الفجوة لاتزال عميقة بين الطرحين الإسرائيلي والفلسطيني رغم التفاهم على خطوط عريضة وعلى بعض التفاصيل.. إذ أن الواقع الفلسطيني وكذلك الإسرائيلي لا يحتملان أي تراجع أو هزيمة أو تفريط بمكتسبات الحرب كلٌ من منظاره، لا سيما بعد ضربة 7 تشرين الماضي وأشهر الحرب الخمس.
وتتلخص الهوّة بين الطرفين في خمس نقاط:
الأولى: وقف إطلاق النار: تُطالب حركة حماس التي تفاوض باسم حركات وفصائل المقاومة الفلسطينية، بوقف دائم لإطلاق النار وليس هدنة مؤقتة تتحول فخاً إسرائيلياً للمقاومة.. إذ أن المفاوضات والهدنة وفق الرؤية الإسرائيلية هي استعادة الأسرى وتجريد المقاومة من الورقة الثمينة ثم العودة الى ميدان الحرب بقوة وشراسة أكبر. كما أن لا “حكومة الحرب” ولا الكيان الإسرائيلي يحتملان وقفاً دائماً لإطلاق النار، لأن من شأن ذلك إجبار القوات الإسرائيلية على الإنسحاب من كامل قطاع غزة، لأن عمليات حماس لن تتوقف طالما هناك احتلال، وبالتالي إن إيقاف الحرب من دون تحقيق الأهداف، هو إعلان هزيمة مبكرة ونهائية وكاملة لا تحتملها تركيبة الكيان السياسية والمجتمعية والعسكرية ولا القوى الغربية والإقليمية الداعمة له
الثانية: مرتبطة بالأولى هي الإنسحاب الكامل لجيش الإحتلال من غزة.. وهذا شرط أساسي لا يمكن أن تتنازل عنه حماس، لأن أي موافقة على اتفاق هدنة من دون الإنسحاب الإسرائيلي، سيُكرس الإحتلال الإسرائيلي في غزة ويجوّف الانتصار الميداني لحماس أكان في 7 تشرين أو خلال الحرب الدائرة.
الثالثة: قضية الأسرى.. يُعدّ “تصفير السجون” الهدف الأساسي والأول لحماس من عملية “طوفان الأقصى”، ولن تفرط بورقة الأسرى الإسرائيليين وبعض الرهائن الغربيين الموجودين لديها من دون الإفراج عن كامل الأسرى في السجون الإسرائيلية وعددهم بالآلاف. ولا يمكن الفرض على “الحركة” الإختيار بين السجناء مِمَّن ستشملهم “صفقة التبادل”، ما يؤدي الى تشويه صورة الإنجاز الأساسي للمقاومة الفلسطينية المتمثل باستعادة الأسرى من دون قيد أو شرط، في المقابل هذا يُعد ملفاً خلافياً كبيراً داخل حكومة الحرب الإسرائيلية قد يؤدي الى انفجارها بحال رضخ رئيسها بنيمين نتانياهو لشروط حماس بـ “تصفير السجون”، علماً أن استعادة الأسرى من دون تفاوض كان الهدف الأساسي والشعار المعلن الذي رفعته حكومة الإحتلال للحرب على غزة والعملية البرية تحديداً.
الرابعة: إدخال المساعدات الإنسانية: ترفض “إسرائيل” فكّ الحصار الذي تفرضه على الفلسطينيين، كون أحد أهداف الحرب تدمير البنى التحتية لتحويل غزة أرضاً غير قابلة للحياة لتفريغها من السكان وتطبيق مشروع “الترانسفير” التهجير القسري للفلسطينيين إلى سيناء، وأي دخول للمساعدات سيؤدي الى تعزيز صمود الغزاويين وفق ما المنظار الإسرائيلي وبالتالي العودة الى مناطقهم. ما يُحبط الهدف الإسرائيلي.. بالمقابل تدرك حماس سياسة الإبتزاز الذي يمارسه العدو على الغزاويين الذين يشكلون الحاضنة الشعبية لحماس لدفع الأخيرة للتنازل عن شروطها في المفاوضات.
الخامسة: إعادة الإعمار إدارة القطاع في اليوم التالي للحرب.. ترفض “إسرائيل” تضمين الإتفاق بند إعادة إعمار غزة لأن ذلك سيعيد حماس بقوة الى المشهد في غزة سياسياً وعسكرياً وشعبياً، بعد إعادة المهجرين الى القطاع، ما ينسف المخطط الإسرائيلي التهجيري، كما يرفض العدو استمرار حكومة حماس في إدارة غزة. في المقابل ترفض حماس إقصاء حماس التي حققت إنجازات في الميدان وتملك إرادة شعبية عارمة ظهرت في الإنتخابات الأخيرة وفي التضامن الشعبي خلال الحرب.
بمعزل عن البعد العسكري للحرب القائمة، لكن الصراع المركزي الخفي الذي تدور حوله أحداث غزة والمنطقة، هو على نتائج عملية “طوفان الأقصى” على المشهدين الإسرائيلي والفلسطيني. تعتبر المقاومة الفلسطينية أن الهدف الأساسي لـ7 تشرين هو كسر الحصار المفروض على غزة ووقف الإستيطان والعدوان و”تصفير السجون”، وتثبيت المقاومة كخيار وحيد للمواجهة والتحرير وإعادة القضية الفلسطينية الى المشهد العربي والاسلامي والعالمي بعدما ضاعت في غياهب المشاريع الإقليمية والدولية وعلى رأسها التطبيع، ووضع المسمار الأخير في نعش خيار السلام لاستعادة الحقوق. في المقابل وعلى الرغم من التبانيات التكتيكية بين “إسرائيل” والولايات المتحدة لكنهما متفقتان على هدف مشترك هو محو آثار “طوفان الأقصى” على “إسرائيل” من خلال حرمان حماس من قطف ثمرات “الطوفان” وصرف نتائجه في تثبيتها في المعادلة الفلسطينية والإقليمية، ما يؤثر على موازين الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي وعلى موازين القوى في الشرق الأوسط بين المحورين المتصارعين.
تعيش غزة والمنطقة سباقاً محموماً بين المفاوضات التي تجري على صفيح ساخن من المواجهات في غزة وجبهات الإسناد والتي قد تتحول حرباً إقليمية في أي لحظة، في ظل دخول “حكومة الحرب” في شرنقة ضيقة وتهديدها باللجوء الى خيارات أقسى كالدخول بعملية عسكرية الى رفح، في مقابل استحالة تراجع حماس والفلسطينيين بعد كل هذه التضحيات الهائلة. في ظل معلومات تشير الى أن قيادة القسام أعلنت النفير وأعدت كتائبها لحرب طويلة فيما لو فشلت المفاوضات أو ارتكب العدو حماقة الدخول الى رفح.
إلا أن مصادر مطلعة على الوضعين الإقليمي والدولي تُرجِح أن تفضي المفاوضات الدائرة في باريس والدوحة الى اتفاق على خطوط عريضة تتيح تذليل العقد ودفع الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي الى تقديم تنازلات متبادلة للتوصل الى حل وسطي، يفرض هدنة قبل شهر رمضان 40 يوماً يجري تبادل دفعة جديدة من الأسرى.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :