د. جمال واكيم
مع حلول العام 2024؛ بات الدولار الأميركي يواجه ضغوطًا متزايدة تهدد مكانته كعملة التداول التجارية العالمية. فهذا العام سيشهد تخلي دول البريكس عن الدولار علمًا أن هذه المنظمة تضم عشرة أعضاء هي: روسيا والصين والهند وجنوب أفريقيا والبرازيل ومصر وأثيوبيا وإيران والإمارات العربية المتحدة والسعودية، ما يجعلها تشكل مجتمعة نحو أربعين بالمئة من الناتج المحلي العالمي. وبالتالي فإنه إذا طبقت البريكس وعيدها باطلاق عملة موحدة في ما بينها لتكون عملة التبادل التجاري بين الدول الأعضاء، فإنّ هذا قد يُخرج أربعين بالمئة من الاقتصاد العالمي من التبعية للدولار الأميركي.
وما يزيد من الضغوط على الدولار هو أن الدول الأعضاء في البريكس بدأت تتعامل في ما بينها وأيضًا مع دول أخرى بالعملات المحلية أو المقايضة، عدا عن إطلاقها نظام تحويل بديلًا عن السويفت الذي تسيطر عليه الولايات المتحدة. هذه الضغوط على الدولار تتفاقم مع إطلاق العملات الرقمية العالمية التي باتت تشكّل أحد بدائل الدولار في التعاملات الدولية.
ومؤخرًا، بدأت الدول الإفريقية تتحوّل إلى استعمال اليوان في تعاملاتها الدولية بدلًا عن الدولار الأميركي بعد تغلغل النفوذ الصيني الاقتصادي في القارة السمراء، خصوصًا أن بكين لا تربط استثماراتها أو قروضها للبلدان الإفريقية بشروط سياسية.
والجدير ذكره أنه مع ارتفاع الدولار الأمريكي، بات العديد من البلدان الإفريقية يواجه مشكلات متزايدة في سداد الديون، ما جعل العديد من الحكومات الإفريقية تبتعد عن اعتماد الدولار وتستبدله بقروض من الصين باليوان الصيني. وقد استفادت الصين من ذلك لتعزيز حضور عملتها في إفريقيا في اطار سعيها لتقليص تعاملاتها بالدولار الأميركي.
وكان نائب رئيس بنك الصين، لين جينغ تشن، بزيارة زامبيا في كانون الأول ديسمبر الماضي؛ حين عقد اجتماعًا مع الرئيس هاكايندي هيشيليما ووعده باعتماد العملة الصينية بدلًا عن الدولار في التعاملات الاقتصادية للصين مع زامبيا والدول الإفريقية الأخرى. هذا ما جعلها تصدر سندات "الباندا" باليوان الصيني لتكون متداولة عالميًا.
وكانت مصر من أوائل الدول التي استفادت من سندات باندا؛ حيث أصدرت سندات بقيمة 3.5 مليار يوان (490 مليون دولار) في إطار مواجهتها لأزمتها الاقتصادية وعجزها عن سداد ديونها بالدولار الأميركي. وتدرس كينيا، والتي تواجه أيضًا مشكلات في سداد الديون، إصدار سندات الباندا لتأمين الأموال اللازمة لسحب سندات اليورو البالغة قيمتها 2 ملياري دولار، والتي تستحق هذا العام.
والجدير ذكره أن العقوبات المالية التي فرضها الغرب على روسيا كانت من أهم العوامل التي دفعت الصين إلى الإسراع باستخدام اليوان بغية تجنب مصير مشابه لموسكو؛ خصوصًا في توتر علاقاتها بواشنطن نتيجة الحرب التجارية بينهما ونتيجة تنافسهما على النفوذ في منطقة خليج تايوان وجنوب بحر الصين.
ونتيجة لرفع البنك الفدرالي الأميركي للفوائد على الدولار وعرّض الاقتصاد المصري واقتصاد زامبيا وغيرها من الدول المدينة بالدولار إلى ضغوط غير مسبوقة فاقمت من أزماتها الاقتصادية؛ هذا أفسح في المجال لاستغلال البنك المركزي الصيني للفرصة ما جعله يخطط لإصدار المزيد من الديون بعملته، علمًا أن أسعار الفائدة على اليوان الصيني هي أقل بكثير من الفوائد على الدولار الأميركي.
ويتوقع المحللون الاقتصاديون أن يتزايد الطلب على اليوان الصيني في المستقبل، وتوجه العديد من الدول التخلي عن الدولار الأميركي. ومن شأن هذا أن يؤثر سلبًا على الهيمنة الاقتصادية الأميركية في العالم وأن يدفع بالتضخم إلى الارتفاع بشكل كبير في الولايات المتحدة الأميركية.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :