ليس هناك من وصف ادق من "الخيبة" يمكن ان نصف بها حصيلة 100 يوم من العدوان الهمجي "الاسرائيلي" على غزة، وهي خيبة لا يمكن حصرها في النطاق العسكري، بل هي متشعبة الابعاد، ولها تداعيات تتدحرج وتتضخم بشكل متسارع، ولا نبالغ ان قلنا، انها تداعيات ستضع هذا الكيان المصطنع، على حافة الانهيار، الذي ستنحدر منه في هوة سحيقة، مهما طال الزمن.
من دون الدخول في تفاصيل يوميات الابادة الجماعية التي يتعرض لها اهالى غزة، منذ 100 يوم، انتقاما لهزيمة "اسرائيل" الكبرى في معركة "طوفان الاقصى"، فهي تفاصيل باتت معروفة ومكشوفة، وهي التي دفعت المجتمع الدولي لجر "اسرائيل" التي كانت تعتقد انها فوق اي قانون او اعراف دولية، الى محكمة العدل الدولية، لمحاكمتها على ما اقترفته من جرائم وحشية ضد الاطفال والنساء في غزة، بعد ان تجاوز عدد من قتلتهم اكثر من 24 الف انسان، خلال 100 يوم فقط، سنمر مرورا سريعا على اهم خيبات نتنياهو وحكومته العنصرية، وهي خيبات، ستعجل من دخوله السجن، الذي حاول الهروب منه عبر اصراره على مواصلة القتل الوحشي لاهالي غزة.
بعد ان سوت قوات الاحتلال الاسرائيلي اكثر من 80 بالمائة من غزة بالارض، الا انها لم تتمكن لحد كتابة هذه السطور من تحرير اسير واحد، كما انها لم تصل الى اي قيادي من قيادات حماس، حتى من الدرجات الادنى، كما ان مقاتلي حماس باعتراف الصحافتين الامريكية والاسرائيلية، مازالوا يقاتلون بذات المعنويات العالية، ويكبدون قوات الاحتلال خسائر فادحة وصلت الى الاف القتلى والجرحى، واعطاب اكثر من 1000 دبابة ومدرعة.
بعد 100 يوم من العدوان، بدات قوات الاحتلال تنسحب من مناطق عديدة من غزة، بينما الخلاف بين وزراء حكومة الحرب، اخذ يطفو وبشكل فاضح على السطح، فهناك وزراء يهددون بالانسحاب من الحكومة وترك نتنياهو يغرق لوحده، فيما رئيس جهاز الأمن الداخلي في الكيان الإسرائيلي "الشاباك"، رونين بار يعتزم الاستقالة من منصبه. ويشهد الكيان اضرابا عاما للضغط على نتنياهو لوقف العدوان من اجل اعادة الاسرى، فيما مازالت التظاهرات على اشدها تنديدا بفشل نتنياهو في ادارة الحرب، وزاد من غضب الداخل الاسرائيلي، الارقام المرعبة لخسائر قوات الاحتلال، والتي تم الاعلان عن جزء يسير منها، مثل اصابة اكثر من 5000 بإعاقات دائمة، وعلى الجانب الاخر كشفت وسائل اعلام امريكية واسرائيلية، ان بايدن اغلق سماعة الهاتف في وجه نتنياهو ولم يكلمه منذ 20 يوما.
بعد 100 يوم، بالاضافة الى عجز قوات الاحتلال من تحرير اي اسير لدى حماس والمقاومة في غزة، فانها عجزت ايضا، عن اعادة مئات الالاف من المستوطنين الى مستوطنات غلاف غزة، او مستوطنات شمال فلسطين المحتلة، بينما هرب مثل هذا العدد من المستوطنين الى خارج الكيان وعادوا الى بلدانهم الاصلية، واصبح المستوطنين ولاول مرة في تاريخ هذا الكيان المشؤوم لاجئين داخل كيانهم، لا يأمنون على حياتهم، بعد ان وعدهم نتنياهو بانه سيوفر لهم الامن، وانه الوحيد في الكيان القادر على اداء هذه المهمة.
بعد 100 يوم، اراد الكيان الاسرائيلي محاصرة غزة، وتجويعها وتعطيشها وحرمانها من الدواء، لدفع الحاضنة الشعبية للمقاومة الى رفع الراية البيضاء"، فاذا بالكيان يتم محاصرته من عدة جبهات، من جنوب لبنان ومن العراق وسوريا واليمن، حتى تم حرمان سفنه وكل سفينة تتعامل معه تجاريا من المرور في البحر الاحمر، مما عرض اقتصاده لضربة موجعة قد تهدد تماسك جبهته الداخلية، وهو ما دفع امريكا لان تتورط وبشكل مباشر في العدوان على اليمن، للتخفيف عن ربيبتها "اسرائيل"، مجازفة في اشعال حرب اقليمية، ستعرض مصالحها ومصالح ذيلها القذر بريطانيا للخطر.
100 يوم كانت كفيلة لتكشف الوجه المنافق والبشع لامريكا والمانيا وفرنسا والغرب المتشدق كذبا وزورا بشعارات حقوق الانسان، بينما يضغط من اجل ان تواصل "اسرائيل" قتل الاطفال والنساء في غزة، وتمده بكل الاسلحة التي يحتاجها لتنفيذ جرائمه، وهو ما دفع المجتمعات الغربية ولاول مرة في تاريخها ان تخرج بتظاهرات مليونية تنديدا بجرائم "اسرائيل" ودعم حكوماتها لها، بل ان الامر وصل الى حد ان اغلب الشباب الامريكي دون الثلاثين عاما، طالبوا ليس بنصرة غزة، بل الى انهاء وجود "اسرائيل".
100 يوم كانت كفيلة لتعيد القضية الفلسطينية الى واجهة الاحداث ليس في المنطقة بل في العالم اجمع، بعد ان تم احباط المؤامرة الكبرى لطمسها وحذفها من ذاكرة الشعوب، وكانت كافية لتكشف حقيقة ان هناك شعبا تم اغتصاب ارضه وتهجيره، ولا بد من الوقوف معه لاسترجاع حقوقه، وهو ما القى بالسردية الغربية الصهيونية، عن وجود ارض بلا شعب وشعب بلا ارض، في مزبلة التاريخ. فلسطين كانت ومنذ الاف السنين فيها شعب اصيل ومن اعرق شعوب الارض، كما ان اليهود، ليسوا بشعب، بل هم اتباع ديانه سماوية، يمكن ان يوجدوا في اي مكان في العالم، كباقي اتباع الديانات الاخرى.
الاهم من كل ما تقدم، ان الـ100 يوم الماضية، ورغم مآسيها الجمة على اهالي غزة الصابرين، كشفت ان غزة ليست وحدها، وان وراءها محور مقاوم على امتداد جغرافيا المنطقة، وانها وحدت الساحات في ساحة واحدة رافضة للظلم والاحتلال والهيمنة الامريكية الاسرائيلية، فالثنائي الامريكي الاسرائيلي، الذي اراد خلال الـ100 يوم الماضية، عبر القتل والابادة والتجويع، تدفيع اهالي غزة ثمن احتضانهم لمقاومتهم التي اذلت هذا الثنائي واصابته في مقتل، فاذا بالسحر ينقلب على الساحر، وبدأ الخلاف يدب في معسكر الشر، وبدأ كل طرف فيه يلقي مسؤولية الخيبة والفشل فيما اقترفوه على الطرف الاخر، الامر الذي يؤكد وبشكل لا لبس فيه، ان غزة ستخرج منتصرة بفضل قوة مقاومتها وصمود اهلها ونصرة الشرفاء في الامتين العربية والاسلامية واحرار العالم لها.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :