الضبابيّة التي أحاطت بانتخابات نقابة المحامين لم تنتهِ إلا بعد فتح الصناديق وانتقال مرشّحَي حزبَي القوات اللبنانية والكتائب إلى المرحلة الثانية التي «خُربطت» فيها التحالفات. معركة «على المنخار» خيضت بالسياسة وبـ«كبّ المال»، وأدّت إلى تكتّل سياسي لمنع «القوات» من «الاستئثار» بالنقابة، ما أدى إلى فوز مرشح الكتائب بفارق 23 صوتاً
انتهى يوم الأحد الطويل في قصر العدل بفوز مرشّح حزب الكتائب فادي المصري نقيباً للمحامين بـ 1973 صوتاً على مرشح القوات اللبنانية عبدو لحود (1950) بفارق 23 صوتاً. إلا أنّ الخُلاصة الأهم من الكباش الأعنف في تاريخ النقابة، هي هيمنة الأحزاب المسيحيّة على قرار النقابة وأنّ المرشحين الحزبيين هم الأوفر حظاً في الوصول إلى منصب النقيب أو عضويّة مجلس النقابة. وهذا ما يستدلّ عليه من الأرقام التي نالها المرشحون في المرحلة الأولى: 2031 صوتاً للمرشّح الى منصب النقيب عبدو لحّود المدعوم من حزب القوات، و1929 للمصري، و2264 صوتاً للمرشّح إلى العضويّة لبيب حرفوش المدعوم من أحزاب «14 آذار» (وإن كان البعض صوّت له كتكتيك انتخابي)، و1869 للمرشّح إلى العضويّة إيلي إقليموس المدعوم من عددٍ من الأحزاب. أمّا المرشّحون المستقلّون المدعومون من القوى النقابية فحلّوا في المراكز: الخامس (إسكندر الياس بـ 1843 صوتاً) والسادس (وجيه مسعد بـ 1531 صوتاً) والسابع (ألكسندر نجّار في المركز الرديف بـ 1528 صوتاً). ونتيجة الأخير كانت مفاجئة لكثيرين، وخصوصاً أنّه كان يحظى بدعم من عددٍ من المستقلين وقياديين في الكتائب، على رأسهم النقيب السابق نائب رئيس الحزب جورج جريج، إضافة إلى تصدّر اسمه استطلاعات الرأي التي توقّعت انتقاله إلى المرحلة الثانية.
الانقسام الكتائبي بين المصري ونجّار كان فاقعاً خلال مسار العمليّة الانتخابيّة. وتردّد أنّ النائب سامي الجميّل كان ميّالاً لدعم الثاني، وأن مقرّبين منه تواصلوا مع محامين محسوبين على ثنائي حركة أمل وحزب الله للتصويت لنجّار بالتوازي مع تواصل بين بعض القياديين الكتائبيين لـ«قطع الأصوات» عن المصري. لكن هذا الجوّ تبدّل مع بلوغ المصري المرحلة الثانية، ما دفع «الصيفي» إلى شدّ العصب لضمان فوزه في وجه لحود. ومع ذلك، يعتقد البعض أنّ الأوراق البيض التي تعدّى عددها الـ 136، كان معظمها لكتائبيين امتعضوا من إبعاد نجّار عن المنافسة.
«التيّار» و«الثنائي».. ردّة إجر!
في المقابل، نجحت استطلاعات الرأي باكراً في توقّع مصير مرشّح التيار الوطني الحر فادي الحدّاد الذي لم يتمكّن من الانتقال إلى المرحلة الثانية ولا حتّى كسب معركة العضويّة بحصوله على 1299 صوتاً، بفارق أكثر من 230 صوتاً عن آخر الفائزين بالعضويّة. وفيما يتهم عونيون محامي الثنائي بأنهم «لم يحلبوا صافي» مع الحداد، رأت مصادر هؤلاء الأخيرين أنّ اقتراعهم أمس كانت بمثابة «ردّة إجر» للتيار، بعدما اعتادوا أن يصبّوا أصواتهم لمصلحة مرشّحهم فيما لا يبادلهم بالمثل، وهو ما ظهر في الأرقام التي نالها المرشح إلى العضويّة شوقي شريم أمس وخلال السنوات السابقة، علماً أن المحامين المقرّبين من الثنائي لم يُستنفروا في هذه المعركة، فتوزّعت أصواتهم في المرحلة الأولى بين الحداد والياس لمنصب النقيب، وشريم ومسعد لمنصب العضويّة.
معركة الأحزاب المسيحيّة
«برودة» الثنائي، إضافة الى ما تردّد عن عدم التزام تيّار المستقبل بالاتفاق مع القوات على دعم لحود، قابلها استشراس من قبل الأحزاب المسيحيّة مدعومة بالنقباء السابقين الذين ما زالوا قادرين على القيام بدور «الأخطبوط» الذي يطاول تأثيره كلّ الصناديق بعدما اختار كلّ نقيب مرشّحه.
خيضت انتخابات نقابة المحامين بالسياسة، ما أفقدها قيمتها القانونيّة التي اعتاد عليها «الحرس القديم». وبحسب هؤلاء، أدّت حماسة الأحزاب لتسجيل انتصارات شعبيّة من داخل النقابة إلى كثرة المرشحين (11 مرشحاً لمنصب النقيب)، من بينهم من لا إنجازات مهنية له ولا خبرة في العمل النقابي.
اتّهامات بإنفاق مال انتخابي ومرشح الكتائب مرشح ضمني لأنطون صحناوي
الخاسرون، كما «الحرس القديم» المتحسّر على ما آلت إليه أحوال النقابة، يعترفون بأنّها كانت «معركة كسر عظم» سياسيّة، استُخدم فيها المال، إضافة إلى ما تحدّث عنه أحد المرشحين علناً خلال المناظرات التي أقيمت في مقر النقابة، بـ«تسخير بعض صناديق النقابة عبر المسؤولين عنها لمصلحة أحد المرشّحين، من خلال تقديم خدمات مقابل التصويت له أو حتّى التكفّل بمصاريف التأمين»، إضافة إلى دعوات إلى الغداء والعشاء في أفخم الفنادق البيروتيّة.
وفي هذا السياق، يشير البعض إلى «الدعم الواضح» الذي ناله المصري من رئيس مجلس إدارة «سوسيتيه جنرال» أنطون صحناوي. ويعتقد هؤلاء أنّ فوز المصري كان «صافياً لمرشح صحناوي»، رغم «قطف» الكتائب النتيجة بعدما «داوم» قياديّوه، وعلى رأسهم النائبان سامي ونديم الجميل والرئيس أمين الجميّل، في «العدليّة» أمس بهدف «لمّ» الأصوات لمرشح الحزب. ويؤكد هؤلاء أنّ علاقة صحناوي والمصري توطّدت عبر علاقة الأخير بوكيل صحناوي ألفرد الخازن، وهو ما دفع رئيس مجلس إدارة «سوسيتيه جنرال» إلى تزكيته لدى الكتائب.
إلا أن شدّ العصب الكتائبي لدعم المصري لم يكن ليحقّق نتيجة لولا تغيّر التحالفات في المرحلة الثانية، عندما لعبت «النكايات المارونيّة» دورها في الإطاحة بلحّود، بعدما تحالفت الأحزاب المسيحيّة لعدم السّماح بتحويل فوزه إلى انتصار لرئيس القوات اللبنانيّة سمير جعجع. والأمر نفسه ينطبق على التيار الوطني الحر والحزب التقدمي الاشتراكي والثنائي، رغم الإقرار بأنّ «لحود قيمة قانونيّة إضافيّة إلى النقابة بسبب مهنيته وخبرته الطويلة»، ورغم إعلان كل طرف أنه ترك لمحاميه حرية الاختيار. فقد نجح الكتائبيون في دقّ النفير بأن «انتخاب لحود يعني تسليم مفاتيح النقابة وقرارها لمعراب».
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :