غزة بين صحراء النقب وسيناء؟ دماء تنُثر ومستقبل يرُسم

غزة بين صحراء النقب وسيناء؟  دماء تنُثر ومستقبل يرُسم

 

Telegram

 

        غزة بين صحراء النقب وسيناء؟ 
دماء تنُثر ومستقبل يرُسم  
وضعت حرب اوكرانيا الاقتصاد العالمي على مفترق طرق وعبدّت حرب غزة الطريق نحو نظام عالم جديد. كان لحرب اوكرانيا انعكاسات كبيرة على الاقتصاد العالمي اذ انها شك ل ت ضغطاً على الامدادات الغذائية وفاقمت أزمة الطاقة وزادت من معدلات التضخم المصحوبة بركود اقتصادي شهدنا خلالها  تبادلات تجارية بعملات غير الدولار الامريكي وزيادة بنسب احتياطات الذهب والقمح والنفط على حساب الدولار مما هدد نظام العولمة القائم. وضعت هذه الحرب أيضا العالم أمام ثلاثة خيارات استراتيجية لاقتصاداتها، توزعت ما بين اقتصاد مبني على الصناعة، والثاني مبني على الموارد والثالث مبني على السوق . فاقمت هذه الحرب من  ندرة الموارد التي تقاطعت مع عدم زيادة الانتاج العالمي ، مما تم خ ض عنها  قوة اقتصاد الموارد إن كان  لناحية انتاجها ومردودها )موارد الطاقة كالغاز والبترول في  روسيا  – وايران والسعودية ( او لناحية ممراتها اللوجستية ) تركيا  – هند  – مصر(؛ وبهذا اصبح اقتصاد الموارد يش ك ل الحد الفاصل للتحالفات الدولية ما بين المصنع )الصين( والسوق )امريكا( فاتحاً المجالات امامها لخيارات متعددة يحُدد بموجبها معايير وقواعد النظام العالمي المستجد . 
اما غزة فأنها تشك ل  موقعاً استراتيجيا ً يُح د د قواعد اللعبة الاقتصادية الجديدة في العالم وذلك للأسباب  عدة اهمها: اولا؛ً مساحتها البحرية التي تعتبر من الاكبر في الكيان الصهيوني ومصدر اساسي لمورد الغاز الطبيعي المستخرج من البحر، ثانيا؛ً مميزاتها المتربطة بموقعها الجغرافي التي تعزز من خلاله أمن خليج العقبة إيلات، وثالثا؛ً حدودها مع مصر التي تلعب دوراً  م   ح  ورياً في حركة التجارة الدولية عبر قناة السويس. غزة ايضا ًجبهة بجبهتين حيث ان الهيئة السياسية لدى حماس تحُتضن من قبل جبهة قطر   –  تركيا، وتتمركز  قواعدها  العسكرية في محور المقاومة الذي يصب بجبهة ايران سوريا وحزب الله.  
وبهذا يتخذ شرق بحر الابيض المتوسط طابعاً استراتيجيا تتنازع عليه القوى الدولية من خلال مشروعين اثنين: الاول مشروع "الممر الاقتصادي الهندي" الذي يبدأ بالهند ويمر بالإمارات فالسعودية والاردن ومرفأ حيفا باتجاه اوروبا، والثاني مشروع "الحزام والطريق" الذي يعبر قناة السويس وتركيا وبيروت وايطاليا مرورا بإيران وروسيا. ففي حين يدفع اللون الاحمر غزة الى جنوبها ينظر الامريكان كما الصينيون الى اللون الاخضر لرسم معالم النظام الجديد القائم على قضم الاسواق وتأمين ممرات آمنة لحركة التجارة العالمية الجديدة .  أمام هذان الخياران يتصارع العالم اليوم والحسابات لا تنفك تدور في فلك الفائدة والاستفادة لتتغدى من دماء أطفال ومدنيين ابرياء يتوقون الى التحرير والتحرر .  
يضع مشروع "الحزام والطريق" الصين في الصدارة اذ يجعلها المستفيد الاقتصادي الأكبر منه ويدعم سيادتها الاقتصادية كونه يمر بالبلدان الذي لا يتحكم فيها الدولار بشكل قطعي، بينما المستفيد الأكبر من "ممر الاقتصاد الهندي" فهي أمريكا ما يقي د مسعى الصين للتحرر النقدي ويؤمن الاستفادة الاقتصادية والمردود المالي من التبادلات التجارية للبلدان الصديقة للمحور الأميركي كالسعودية واسرائيل والهند. من جهة اخرى تدفع كلفة الوضع الاقتصادي الذي يشهده العالم كل المستفيدين الى تعجيل الوقت  لتأمين ممرات آمنه لحركاتهم التجارية عبر العالم واحتساب مصالحهم بطرق متنوعة الاشكال. 
تتصاعد هذه الصراعات وتزداد حدتها بتصاعد المصالح الاقتصادية للدول على مستوى عالمي: فمشروع "الحزام والطريق" يعزز موقع الاقتصادي لدول سيانا ويوراسيا وتركيا ومصر وقطر وايران كونهم يسيطرون على كل من بحر الاسود )تركيا – روسيا( وبحر الابيض المتوسط )تركيا  – مصر  – اسبانيا( والبحر الاحمر )مصر واليمن ( ومضيق هرمس )ايران( ويؤمن لهم دوراً كممرات لوجستية عالمية مما يزيد من تموضعهم  المستقبلي على خريطة الاقتصاد العالمي ويضعف امكانية تضررهم من مشروع ممر الاقتصاد الهندي الذي يأتي على حساب قناة السويس وايران وتركيا وروسيا. لهذه الاسباب اشعلت حرب غزة لصالح الممر الهندي، ولهذا رفض الرئيس المصري ال مُ ت ضرر من هذا المشروع،  فتح ممر رفح وانتقال واستيطان الفلسطينيين في سيناء مصرحاً اذا ما فشل صمود الغزاويين  يُمكن ترحيلهم الى صحراء النقب كمحاولة منه لتفشيل الممر اللوجستي  من الاردن الى مرفأ حيفا)  وسعته الصين في عام 2015 ( وضرب المشروع الصناعي لبوابة الاردن) 2019( ، وهو مشروع صناعي مشترك مع اسرائيل.  
 
اما الممر الاقتصادي الهندي فيدعم الهند والامارات والسعودية والاردن واسرائيل كونهم يسيطرون بدورهم على الخليج الهندي )الهند( والبحر العربي )سلطنة عمان والهند ( وشرق بحر الابيض المتوسط )اسرائيل اذا سقطت غزة( والتي ستلعب فيه دولتي الخليج العربي )سعودية  – امارات( والاردن ممرات برية مستقبلية على حساب الممرات البحرية الطبيعية الاخرى. يرسي ولاء هذه الدول وقُربها من الولايات المتحدة أمن هذه الممرات كما شهد عليها الاحداث من تغاضي أميركا عن استفادتهم التجارية من العقوبات التي فرضت على ايران وروسيا لناحية تجارة المواد النفطية والتحكم بأسعارها العالمية. هذا اضافة الى التموضع الاستراتيجي للهند في البريكس وخلافها العميق مع الصين الذي يصب أيضا  لصالح امريكا.  
الازمة الاقتصادية التي يواجهها  العالم حالياً تعزز القوة السياسية للدول القائمة على الاقتصاد المبني على الموارد وتدفعها لأتخاذ مواقف ازدواجية ومسارات رمادية ومحايدة تفاضلية تحفظ من خلالها قدرتها على التحكم والسيطرة والتأثير في صنع القرار العالمي ؛ ومثالا ما  اعرب عنه وزير خارجية السعودية خلال لقائه الوزير الايراني في الصين قائلا " نحن مسلمون يحق لنا تعدد الزوجات " الا ان امريكا تبقى زوجته الاولى  مما يرسخ الحياد التفاضلي في العلافة الامريكية الصينية مع السعودية.  
انعكس هذا  الازدواج /الحياد التفاضلي أيضا في التموضع الروسي التركي في حرب اوكرانيا تجاه الامريكان ونفوذهما في كل من افريقيا واوروبا وكذلك في الازدواجية التفاضلية للموقف الايراني في صفقة تبادل الاسرى.  هذا الحياد التفاضلي سيدفع العالم الى مسارين :اما  البقاء على" توازن القوى" القائم حالياً والذي سيعززه مشروع "الممر الاقتصادي الهندي" كونه يبقي "المصنع" في "خدمة السوق"،  ويبقي المسعى الصيني  للتحرر النقدي قائماً  مما قد يدعو الى نقل الصراع الى أماكن أخرى كتايوان أو البحر الصيني، أو سيتجه نحو" توازن الرعب" والذي سيفرضه مشروع " الحزام والطريق" كونه سيوزع مركز القوة على اقطاب متعددة التوجهات لإدارة سلامة وامن الممرات اللوجستية وانكسار القطب الواحد.  
في خضم هذه الصراعات يشكل لبنان حاضنة استيعابية وانتشارية يمتاز بها عن الكيان الصهيوني الاسرائيلي لناحية عمق أحواض مرفأه المهدم التي تسمح له باستقبال حاويات وبواخر  ضخمة وقدرته على احتواء -بالوكالة او بالأصالة -المصالح المتناقضة للقوى المتصارعة والتعامل مع جميع هذه الاختلافات.  
الارتداد الاقتصادي والمؤسساتي وحالياً  الاهتزازات الأمنية من كل جانب لم تجر لبنان الى الحرب حتى الان ، فلو قام حزب الله بخوض الحرب منذ البدء في جنوب لبنان لما تصاعدت الانقسامات الداخلية في المجتمع الاسرائيلي بل لكانت وحدت الأحزاب   والجماهير للاصطفاف حول اليمين المتطرف في حربه الغاشمة،  ولما  كانت  تصاعدت وتيرة الراي العام والوعي المجتمعي  للإجرام  الاسرائيلي  والحشود الرافضة له في العالم أجمع، ولما كانت ظهرت التوجهات الاستراتيجية والمصالح الاقتصادية للدول من هذه الحرب. من جهة اخرى، يتمتع حزب الله بقدرة عسكرية على الحدود قرب مرفأ حيفا يستطيع من خلالها افشال مشروع  الممر الهندي ؛ ولهذا السبب لن ينجر الحزب برأيي الى صراعات تستنزفه دون الحفاظ على "توازن الردع" ومصالحه الاستراتيجي ة التي تصب بتوجهات المحور الذي ينتمي اليه . 
 خيارات الدم في غزة وعلى أرضها هزت بصمودها الكيان الاسرائيلي وس ر عت من سقوط التطرف اليميني ودوره الاستراتيجي للنزاع الشرق الاوسطي الذي  انُشأ بمؤتمر كامبل سنة 1907. بسقوط نتانياهو وعقيدة حزبه سيتمخض النظام العالمي الجديد  المرتكز على اساس اقتصادي لا عقائدي  وسيتم تقويض شرعة الأمم المتحدة لصالح مجموعة العشرين. 
 
(رئيس التجمع الدولي للاستشارات)
(GCG )
(رائد عماد الترك)  
 
 
 
 
 
 
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram

نسخ الرابط :

(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)

:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي

 

Telegram