الزلازل والفيضانات والكوارث البيئية التي يشهدها العالم اليوم لم تعد حدثا استثنائيا، بل أصبحت متلازمة لحياتنا اليومية تحمل لنا المآسي والآلام، وآلاف الضحايا ومئات آلاف المشردين والدمار والخسائر بمليارات الدولارات ومشاهد غير متوقعة.
وآخر هذه المآسي ما شهدته الدولتان العربيتان المغرب وليبيا، بعد أن كنا شهدنا قبل أشهر قليلة كوارث الزلازل في تركيا وسوريا وبعض دول المشرق العربي. فزلزال المغرب أدى لسقوط آلاف الضحايا ومئات آلاف المشردين والخسائر الكبيرة في القرى والمدن والممتلكات، في حين أن فيضانات مدينة درنة في شرق ليبيا كانت مأساة كبيرة في الأرواح والممتلكات وأدت لسقوط أكثر من عشرة آلاف ضحية ومفقود، إضافة للخسائر الكبيرة في البنى التحتية والمباني والممتلكات.
هذه المآسي والكوارث تتنقل في العالم من منطقة إلى أخرى ومن بلد إلى آخر، وقد وصف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرش ما يجري بأنه ليس مجرد ارتفاع في درجات الحرارة بل هو حالة غليان شاملة للعالم، فالعالم يغلي اليوم وليس فقط من مشكلة البيئة وارتفاع الحرارة وانعكاس كل ذلك على البيئة والحياة البشرية، بل من حجم الصراعات والحروب التي تنتشر في أنحاء العالم والتي أدت للعودة إلى استخدام النفط الأحفوري وزادت من حجم المشاكل البيئية.
والأرض اليوم تصرخ في وجه سكانها وكل المسؤولين والحكام: ماذا تفعلون بي وإلى أين تأخذونني وتأخذون أنفسكم؟ وألا يكفيكم ما حل بنا من دمار وآلام وسقوط مئات الآلاف من الضحايا، وهل تريدون المزيد كي تدركوا حجم الكوارث والمأساة التي تحل بنا جميعا؟
ما يجري في العالم اليوم ليس جديدا بل تنبّه له العلماء والمفكرون والباحثون في السنوات الأخيرة، وحذروا من المخاطر الكبيرة التي ستصيب البيئة والكون والحياة البشرية، وصدرت عشرات الكتب التي تتحدث عن هذه المخاطر وعُقدت عشرات المؤتمرات الدولية والإقليمية لوضع أسس عالمية مشتركة لمواجهة هذه الكوارث.
ومن الكتب العربية المهمة التي صدرت في السنوات الأخيرة لشرح ما يجري في العالم من مآسٍ بيئية وكوراث؛ كتاب المفكر العربي الأستاذ سعد محيو تحت عنوان: "الخروج من جهنم، انتفاضة وعي بيئي كوني جديد أو الانقراض"، وقد صدر عن مركز دراسات الوحدة العربية في العام 2018 ونال جائزة أفضل كتاب عربي للعام 2018-2019، وقد أعيدت طباعته مجددا في العام الماضي.
وفي هذا الكتاب يشرح الأستاذ سعد محيو حجم المأساة التي يواجهها العالم اليوم، داعيا إلى انتفاضة كونية وإلا فإننا معرضون جميعا للانقراض، وهي الصرخة نفسها التي أطلقها عشرات العلماء والباحثون والمفكرون في العالم، وأُطلقت بسبب ذلك العديد من الحملات الإعلامية والشعبية لوقف الإساءة للبيئة دون جدوى، كما أُعدت أفلام وثائقية وأفلام روائية خيالية تتحدث عما يجري وتحذر سكان الأرض من الجرائم التي يرتكبونها بحق الكون وبحق أنفسهم، لكن لا حياة لمن تنادي، وها هي الكوارث تزداد وقد كان هذا العام من أكثر الأعوام سخونة والأكثر في حجم الزلازل والفيضانات والكوارث البشرية وتغير المناخ وحصول الجفاف.
لكن إضافة إلى البعد البيئي فيما يجري، فإن الأخطر من ذلك انتشار الصراعات والحروب في العالم، وهذه الحروب تزيد من حجم المآسي والكوارث وتؤدي لاستخدام النفط الأحفوري وتنعكس سلبا على ثروات العالم الطبيعية، مما ينعكس على حجم وجود المواد الأولية والغذاء وتوفر الحياة العادية.
وآخر هذه الحروب المستمرة إلى اليوم هي الحرب الأوكرانية التي تحولت إلى حرب عالمية، فيما هناك مخاوف كبيرة من اندلاع حرب جديدة بين أمريكا والصين في شرقي آسيا، كما أن الصراعات والتنافس الدولي يمتد إلى دول العالم، والعالم العربي والإسلامي له نصيب كبير من هذه الحروب والصراعات، كما بدأت هذه الحروب تصل إلى القارة الأفريقية.
والخطر الأكبر أن العديد من الدول التي تشهد زلازل وكوراث طبيعية تعاني أيضا من صراعات سياسية، سواء داخل هذه الدول كما هو الحال في ليبيا وسوريا، أو مع الدول المحيطة كما هو الحال بين المغرب والجزائر، وبدلا من أن تشكّل الكوارث والأزمات الطبيعية دافعا للتعاون ووقف الصراعات بين هذه الدول، نجد أن هذه الكوارث تكشف وجوها جديدة من الأزمات والصراعات، رغم أننا أحيانا نشهد بعض وجوه التعاطف الإنساني والتعاون الدولي والإقليمي والمحلي لمواجهة آثار الكوارث.
لكننا اليوم أمام خطر وجودي والعالم يتجه نحو الانقراض والغليان والكون يتعرض لأسوأ كوارث طبيعية، وكل ذلك يفرض على سكان العالم وكل المسؤولين والحكام والمؤسسات الدولية والإقليمية أن ترفع الصوت نحو الجميع: أوقفوا الصراعات والحروب وتعالوا إلى كلمة سواء كي نتعاون في مواجهة الأزمات والكوارث، بدلا من صرف آلاف مليارات الدولارات على الحروب وشراء الأسلحة.
العالم اليوم يحتاج إلى رؤية جديدة تنقذه من هذه الأزمات والصراعات، ولا يكفي فقط التعاطف الإنساني والمساعدات المحدودة (وإن كان ذلك ضروريا ومطلوبا من كل سكان العالم تجاه الشعوب والدول التي تعاني من الكوارث)، لكن الأهم كيف ننقذ العالم من هذه الكارثة الكبرى، وكيف ننقذ العالم من هذه المجموعات من الحكام التي تأخذنا إلى الحروب والصراعات والمزيد من القتل والدمار والموت.
في السنوات العشر الأخيرة تعاون العالم لمواجهة التطرف والعنف وتشكلت التحالفات الدولية والإقليمية وصدرت الوثائق المشتركة وعقدت المؤتمرات، واليوم نحن بحاجة إلى حركة عالمية إنسانية تدعو إلى وقف الحروب والصراعات وللتعاون من أجل إنقاذ الإنسان والكون من كل هذه المآسي، والعالم العربي والإسلامي أولى من غيره بالدعوة إلى مثل هذه الحركة، وعلينا أن نبدأ بأنفسنا بوقف الصراعات والحروب فيما بيننا ونذهب إلى كلمة سواء.
ولعل التفاهم السعودي- الإيراني والتعاون التركي- العربي يكون مدخلا إلى مثل هذا النوع من التعاون، وقد شهدنا مؤخرا دورا مهما لكل من دولتي قطر وسلطنة عمان من أجل عقد اتفاق لتبادل الرهائن والمعتقلين بين أمريكا وإيران والإفراج عن الأموال الإيرانية المجمدة، فلماذا لا نطلق جميعا صرخة عربية إسلامية مسحية إنسانية لوقف كل تلك الصراعات والحروب ونجلس على طاولة المفاوضات ونجتمع على كلمة سواء أرسلها لنا رب العالمين؟
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :