في الجلسة التشريعية اليوم، 4 اقتراحات قوانين معجّلة مكررة تتيح رفع السرية المصرفية عن حسابات مصرف لبنان لإجراء التدقيق الجنائي، وهو شرط أي شركة تدقيق للقبول بتنفيذ المهمة من دون وقوف حاكم المصرف رياض سلامة في وجهها. فرصة أخرى، من المُرجّح أن «يُطيّرها» المجلس النيابي الذي سبق له أن دفن هذا التدقيق يوم ربطه بإخضاع المؤسسات العامة والوزارات للتدقيق بالتوازي
منذ نحو شهر، صدرت توصية من مجلس النواب تقضي بإخضاع مصرف لبنان والوزارات والمجالس والمؤسسات المالية والصناديق والبلديات بالتوازي للتدقيق الجنائي من دون أي عائق أو تذرع بالسرية المصرفية. يومها، أتت التوصية النيابية لتدفن التدقيق الجنائي بشكل رسمي، من منطلق أنها مجرد «فولكلور» لا يُصرف في حسابات حاكم مصرف لبنان رياض سلامة. اليوم، يدفن مجلس النواب فرصة أخرى لإعادة إصلاح المسار المالي والنقدي عبر قانون يلزم سلامة بالاستجابة لمطالب الشركة المكلفة بالقيام بتدقيق تشريحي في المصرف المركزي؛ إذ علمت «الأخبار» أن اقتراحات القوانين المعجلة المكررة الأربعة، المطروحة من كتلة الجمهورية القوية، وكل من النواب فيصل كرامي وعبد الرحيم مراد وعدنان طرابلسي والوليد سكرية، وتكتل «لبنان القوي»، وكتلة التنمية والتحرير، لن تكون موضع نقاش بل سيتم دفنها مجدداً... وهذه المرة داخل اللجان النيابية. وذلك دليل إضافي على عدم وجود نية فعلية للقيام بهذه العملية، وأن «حزب المصرف» مستمر في تنفيذ أجندته بحماية مصلحته ومصلحة حليفه الرئيسي، أي سلامة. ففي الشكل، كل القوانين المقدمة تصيب الهدف وتدور في فلك رفع السرية المصرفية التي يتذرع بها حاكم مصرف لبنان، لكن في واقع الأمر، لم تجد أي من الكتل نفسها معنية خلال الأسبوع الفائت بتشكيل لوبي مع باقي الكتل لضمان مرور أحد القوانين. تبدو المسألة «فولكلوراً» شعبياً آخر مشابهاً لتوصية مجلس النواب. ففيما تنافست الأحزاب سابقاً في المزايدة بعضها على بعض في المجلس حول مدى حماستها للتدقيق، ها هي يزايد اليوم بعضها على بعض في تقديم اقتراحات قوانين ستبقى حبراً على ورق. فمجرد طرح رئيس مجلس النواب نبيه بري هذه القوانين على التصويت بصفة العجلة أو للنقاش، سيغربل «الكاذب» من صاحب النية الجدية بالمحاسبة والكشف عن وجهة هدر الأموال وكيف تبخّرت الودائع. وهو ما لا ترغب غالبية الكتل النيابية في حصوله، وقد بدأت منذ يوم أمس تجد حججاً للهروب من الامتحان.
ضمن لائحة اقتراحات القوانين المعجلة المكررة التي ستطرح في الجلسة التشريعية اليوم، وعددها سبعون، أربعة قوانين تتعلق بالتدقيق الجنائي في مصرف لبنان والمؤسسات والإدارات العامة والصناديق. ثمة 3 مسارات لتلك القوانين، إما ترفض مباشرة عبر التصويت بالأكثرية على عدم حملها صفة «العجلة»، وإما تحوّل الى اللجان لدراستها، أو تطرح للنقاش داخل المجلس. وبحسب الاصطفافات القديمة، تتمسّك كل من القوات اللبنانية والتيار الوطني الحرّ وحزب الله بإجراء التدقيق الجنائي، فيما حملت الكتل الأخرى مواقف مموّهة رغم مبادرة بعضها الى تقديم قوانين ومرافعات في المجلس النيابي تنادي بضرورة المحاسبة. وأتى طرح إخضاع الوزارات والمؤسسات العامة والصناديق والبلديات للمحاسبة بالتوازي مع التدقيق في مصرف لبنان، لتطيير المحاسبة الفعلية عبر «تكبير الحجر»، ووضع مزيد من الشروط بدلاً من قانون بمادة واحدة يخضع سلامة لطلب شركة التدقيق برفع السرية المصرفية عن حسابات المصرف.
النائب في كتلة التنمية والتحرير ياسين جابر يتوقع - خلافاً للمصادر التي تؤكد تطيير القوانين - أن يأتي قرار المجلس بالنقاش بالقوانين الخاصة بالتدقيق الجنائي انسجاماً مع توصية البرلمان السابقة. ويقول إنه في هذه الحالة، «يفترض دمج القوانين المقدمة بعضها مع بعض للخروج بصيغة واحدة مشتركة ومتوافق عليها». ويلفت الى أن «أي شركة تدقيق لن تقبل أن تتولى هذه المهمة من دون إقرار قانون»، مشيراً الى أن «التدقيق في حسابات الوزارات لا يحتاج الى رفع السرية المصرفية». وهنا تكمن المشكلة، فتلك الحسابات أُدخلت عمداً الى جانب مصرف لبنان، كمطلب محق يراد به باطل. وذلك ما حصل فعلياً عبر توسيع مروحة التدقيقات لتشمل كل المؤسسات والإدارات التي تخضع أصلاً لأجهزة الرقابة، فضلاً عن الحسابات المالية للدولة اللبنانية الموجودة في ديوان المحاسبة ولا تحتاج الى شركة تدقيق جنائي، خلافاً لحسابات مصرف لبنان. في هذا السياق، يُعقِّب جابر بأن الحساب الرقم 36 في مصرف لبنان ليس بالأهمية التي يُسوّق لها. وهو ما توافق عليه مصادر تيار المستقبل، مقلّلة من أهمية الجلسة التشريعية اليوم لناحية اتخاذ أي قرار في ما خص التدقيق الجنائي. فالطريقة المطروحة «غير جدّية»، فضلاً عن أن «لا وجود لتدقيق جنائي على صعيد واسع، بمعنى أن طرح التدقيق في مصرف لبنان بشكل فضفاض غير قابل للتنفيذ وليس سوى مجرد طرح ساذج؛ إذ إن وظيفة التدقيق الجنائي هي إجراء تحقيق في عملية محددة أو شبهة ما، وليس بالشكل المطروح اليوم». ثمة مسألة أخرى تتعلق بإمكانية رفع السرية المصرفية عن مصرف لبنان، على ما تقول المصادر نفسها، وليس المصارف، ما يعني مجدداً الدوران في الحلقة نفسها، ما دام الوصول الى حسابات مصرف لبنان مع المصارف غير ممكن. أما القوانين المطروحة، «فلا تحمل الطابع الجدّي هي الأخرى، ولم يظهر أي نقاش جديد في هذا الشأن سوى النقاش الذي حصل سابقاً في المجلس النيابي. للتشريع أصوله، علماً بأننا مع التدقيق الشامل والكامل في مصرف لبنان وكل الوزارات بحسب التوصية الصادرة، أي بالتوازي، من دون أن تكون هناك مشكلة للاتفاق حول آلية تُحدّد آلية لإخضاع المؤسسات تدريجياً».
لم تجد أي من الكتل نفسها معنية بتشكيل لوبي مع باقي الكتل لضمان مرور أحد القوانين الأربعة
من جهته، يقول النائب في تكتل "لبنان القويّ" إبراهيم كنعان إن التوجه سيُحدّده تصويت الهيئة. التكتل «طرح اقتراح قانون الأسبوع الماضي لرفع السرية المصرفية عن حسابات مصرف لبنان لفترة زمنية غير محددة، ما دام الأمر يتعلق بالتدقيق الجنائي. وهو يشمل أيضاً المؤسسات العامة والوزارات والإدارات». لذلك، «من المفترض أن يتمّ النقاش في هذه القوانين، وأن يقع الخيار على القانون الأعلى سقفاً، أي المُعدّ من قبل التيار الوطني الحر». الحزب الاشتراكي، على ما يقول النائب هادي أبو الحسن، «يؤيد كل القوانين التي تهدف الى حماية المال العام ومكافحة الفساد من دون تردد». لكنّ ثمة شرطاً لتأييدها، وهو «ألا تكون لها مفاعيل استنسابية، بمعنى من يطبّق هذه القوانين. ففي غياب أي قضاء مستقلّ، تصبح هذه القوانين أداة للتشفّي». هل هذه حجة جديدة تدعم «تطيير» التدقيق رغم أن الاقتراحات تحدد وجهة رفع السرية المصرفية لصالح شركة دولية وليس القضاء اللبناني؟ «أبداً، التدقيق مطلبنا ونريده في كل الوزارات والصناديق من دون استثناء، ونحن مع رفع السرية المصرفية عمّن يتولى الشأن العام، بشرط أن يكون هناك قضاء مستقل». لكن قانون إصلاح القضاء لا يزال عالقاً منذ أشهر في لجنة الإدارة والعدل؟ يشير أبو الحسن الى أن الاشتراكي، في جلسة إقرار التوصية، «كان واضحاً في مطالبته بالإفراج عن التشكيلات القضائية وإقرار قانون استقلالية القضاء مع الإفراج ثم بتّ التدقيق؛ فتلك المواضيع مترابطة في ما بينها. التحقيق سيؤدي الى ظهور نتائج معينة تتطلب أيضاً تحرك الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد غير المُؤلفة حتى الساعة، والتي يفترض تأليفها أيضاً بالتوازي مع المطالب السابقة... وإلا فستحكم الاستنسابية». والاستنسابية، كما يُعرّف عنها أبو الحسن، هي «التصويب على فريق سياسي لصالح مصالح فريق سياسي آخر». الخلاصة هنا أن ممثلي الشعب اللبناني سيعيدون اليوم قتل أي أمل بالإصلاح المالي ومحاسبة من هدر أموالهم وأفقرهم. هكذا، ستطير فرصة جديدة لقوننة التدقيق الجنائي ورفع ذريعة السرية المصرفية التي يتمسك بها سلامة للتمرد على قرارات الحكومة والقانون. ولن يتوانى حزب المصرف عن خلق ذرائع جديدة لتقديمها الى الرأي العام، في كل مرة يكون الموضوع هو المسّ بهالة الحاكم وإمبراطوريته.
رلى إبراهيم
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :