د. طلال حاطوم
النواب الأغرار (بالجمع) بمعنى أنّ هناك أكثر من «غِر» يافع لا تجربة له في سياق العمل البرلماني، أو «غِر» لا يفطن للشر ويغفل عنه - كما جاء في شرح كلمة «غِر» في «لسان العرب» - وجمعها «أغرار».
ولو أخذنا بالمعنى الشمولي المجازي للكلمة، لوجدنا أنّ في مجلسنا النيابي الكريم عدداً من «الأغرار» الذين سمحت لهم الظروف، أو غرّرت بهم أهواؤهم ونزعاتهم ورؤيتهم الخاصة للحياة، وكيف يمكن أن تُعاش. إنّهم شخوص لا مجال لديهم للمثالية أو لمنطق العيش المهادن لما هو اعتيادي ومألوف، اللهمّ إلاّ مثالية الامتثال لرغبات النفس الأمارة بالتطرّف والجنوح. فيشتطون في اتخاذ التدابير التي تكفل لهم الظهور كمفكرين بصورة تمثال المفكّر لـ (رودان)، ولو على جهل وباطل.
يُضاف إلى هؤلاء الأغرار (نواب الصدفة)، أي الذين سُنحت لهم الفرصة في زمن تجمّعت فيه عوامل متناقضة في لحظة سياسية فيها غفلة، ظنّ فيها الناخبون، عن رغبة في التغيير دون أفق، انّهم المنقذون، هؤلاء لم يستفيدوا من وصولهم إلى البرلمان ليطوروا مداركهم القانونية والمعرفية والمجلسية، فبقوا على بساط الريح الوهمي، يتندّرون ويتناقلون بما يسمعون من كلام دون تمحيص او تفكّر او عودة الى المراجع وأمهات الكتب.
السابق سببه انّ هؤلاء وأولئك يبدو ظاهراً على يقين، انّهم لم يقرأوا الدستور، ولا حتى النظام الداخلي للمجلس النيابي (متوفران على صفحة مجلس النواب اللبناني ـ لمن يرغب، او إذا شاء) فتراهم يتبجحون بتكرار لفظ الدستور والدعوة إلى العودة إلى تطبيقه، وينوحون على مهام النواب ودور المجلس النيابي، وكأنّ كل واحد منهم (دالوز) عصره او صاحب حمورابي وكاتب شريعته. والأدهى انّ بعض الاعلاميين من الكتبة الكسبة هم ايضاً لم يلتفتوا إلى أصل النص الذي يفرض عليهم عملهم الصحفي الموضوعية في تدقيقه والتأكّد منه قبل نشره، او على الاقل مراجعة صاحب التصريح الملتبس وتصويب الامور.
نعرض فقط بالنص الحرفي:
«المـادة (5): رئيس المجلس،
ـ يمثل المجلس ويتكلم باسمه،
ـ يرعى في المجلس أحكام الدستور والقانون والنظام الداخلي،
ـ يرأس الجلسات ويتولّى الصلاحيات المنصوص عليها في هذا النظام،
ـ يحفظ الأمن داخل المجلس وفي حرمه، ويلفظ ويطبّق العقوبات».
اما الجلسات النيابية فهناك:
ـ جلسات تشريعية، غايتها درس ومناقشة القوانين والتشريعات وإقرارها وإصدارها.
ـ جلسات رقابية، تناقش الحكومة وتتحقق من التزامها ببيانها الوزاري المقّدم للمجلس النيابي والذي على اساسه نالت الثقة، او مراقبة اعمالها التنفيذية عموماً.
ـ جلسات انتخابية، كانتخاب هيئة مكتب المجلس، واللجان، ورئيس الجمهورية.
ولكل منها شروط للنصاب المطلوب وآليات للانتخاب.
اما بالنسبة إلى (الدستور) الذي يُراد منه تنظيم امور الوطن على مختلف المستويات السياسية والاقتصادية والتشريعية والانتخابية وغيرها... والذي تحوّل إلهاً من تمر في لبنان يأكلونه ساعة يريدون، ويطبّقون منه انتقائياً ما يوائم رغباتهم ويلاقي دعاياتهم، بل يتجاوز الامر إلى تفسيرات لا تشبه الّا قائلها وتوهماته التي تسكن ما يظنّه افكاراً وضّاءة، فيما اي مواطن عادي يمكنه العودة إلى المراجع في مصادرها الأساسية، فيعرف اي جهل يسعى إلى تعميمه بعض الأغرار.
كنا نشرنا، سابقاً، ماذا يقول الدستور عن انتخاب رئيس الجمهورية؟ وماذا عن (نية المشترع) لحظة نص المادة الدستورية أو القانونية، ولن نعيد تكرار النشر ولكن بإيجاز:
تقول المواد المتعلقة بانتخاب (رمز وحدة الوطن) رئيس الجمهورية:
المادة 49: يُنتخب رئيس الجمهورية بالاقتراع السرّي بغالبية الثلثين من مجلس النواب في الدورة الأولى، ويُكتفى بالغالبية المطلقة في دورات الاقتراع التي تلي...
اي انّ المشترع في قصده الواضح (ونيّاته الطيبة!!)، انّه حين (يجتمع مجلس النواب في جلسة مخصّصة لانتخاب رئيس للجمهورية)، اي حالياً الـ 128 نائباً، يُنتخب الرئيس بـ«الثلثين»، ما يعني انّ النصاب في حدّه الأدنى لانتخاب الرئيس العتيد لا يجوز ان يقلّ عن الثلثين، من دون اي اجتهاد او حاجة الى شرح. ولمَن يطلب جلسات متتالية وهذا حق مشروع، فكل الجلسات التي تلي الفصل الاول من الجلسة تنطبق عليها شروط الانعقاد الأساسية اي الثلثين.
وفي نظر القانونيين انّ (العرف) هو بقوة القانون الواضح هنا بما يختص بانتخاب رئيس الجمهورية، ولن نسأل في هذه العجالة عن انتخابات رئاسية سابقة، ولكن يمكن الرجوع اليها للاستفادة من وقائعها ومن تحقّق نصاب الثلثين (واكثر) فيها.
كل الظن انّ الأغرار سيعودون إلى رشد القانون والدستور بحقيقته، وليس بما يسمعون عنه، عندها نطمئن ويطمئنون وتكون الامور في نصابها الصحيح.
نسخ الرابط :