"غايا" زهرة الإنفجار فوق طاولة السماء

Whats up

Telegram

 

إلى الصبية غايا فودوليان التي حولها انفجار ٤ آب غيمة/أيقونة أبدية تهطل حبرا حزينا وغضبا فوق سماء لبنان.  

نسر حرمون
ساعديني يا "غايا" وأنت تنظرين  في عيون الملائكة من حولك في السماء هناك، وتسألين ألف سؤآل. 
أمسكي بيدي يا ملاكاً قطفه الإنفجار في عزّ إشراقات صباه. 
أمسكي بحبري كي أحسن الكتابة والتعبير المستقيم في وطنٍ لواه الإنفجار من الجذور.
أمسكي دمع أمّك الأبدية وصمتها يقهر الكلمات تسأل عنك وتعدّ الجروح في صراخك طوال الليل والنهار.
أمسكي الغصة المتفجّرة في صوت والدك الحبيب المبحوح آرا صديقي وأستاذ زهرتينا الدالية والريّا. كان آرا الأسمر صديقاً يتلحّف بعبسة آنشتين ويقضم اللفافة السمراء. أستاذ الرياضيات ذو المهابة في "المؤسسة اللبنانية الحديثة" في تلّة الفنار الخضراء الصامتة المجروحة.
كان يمسك بيدك الطريّة مع أنشودة الصباح يعلّمك تجليس اللثغات فوق شفتيك، وكم تعب وسعد وانتظر قبل أن تبلغ غايا الصبيّة إبنة ال29، بعدما درست الهندسة لسنة جامعية في ميلانو أولاً وثلاثة في سويسرا وقد نجحت وبرزت وأشرقت ملء حياة والديها وأخواتها، لكنها عادت إلى بيروت بكونها عاصمة الفرح والرحم الجاذب لنضارة الصبايا والشباب في الأرض، وغابت غيمة ممزقة مع هول الإنفجار الذي قذف بها زهرة المرافيء نحو بهو الصالون السماوي.
ساعديني يا زهرة النار يا غايتها الأخيرة فوق طاولة السماء.
جاء صوت إبنتي ريا بالهاتف من لندن يرويني دمعاً مضمّخاً بغربة مجروحة مزروعة بالشوق والحب لبيروت. 
ناح الهاتف منذ شهر مثل صبية ضائعة قالت: أعرفت أنّ غايا إبنة الأستاذ آرا قد غابت مثل غيمة  جميلة في الإنفجار.
وتفجّر الحزن المتنوع بين بيني وبين آرا...في وحدة الشيوخ.
إسمعي يا غايا. حضنتك في "المؤسسة اللبنانية الحديثة" عيون المدرسة والرفيقات والرفاق الموزّعين قمحا في الأرض، وحضنتك مدام مونتيسوري التي لم يغب طيفها من أجواء المدرسة، وحضنك الأب خليفة بدمعه المخنوق لا ينسكب إلا في الليل وحيداً مع  الصلاة وتقديس القرابين والحريّة والنحت لبناء شخصيّات الأطفال والإنسان من أجل مستقبل لبنان. 
وحضنك مارون الحبيب ، نعم مارون خليفة الذي لم يغادر الأحمر مقلتيه وقد خلّع الإنفجار أسس المؤسسة جارتنا وأذهله أن تغيب غايا ويبتلعها الموت مثل زهرة في الحنجرة أو سيف تهادى في عشب الصبايا. 
مارون يبكيك... والمدرسة تبكيك وكلّهم ينتظرون لنرفع صورتك يا شهيدة فوق جبين المدرسة .
آه، لو تعرفين كم يبدو القهر عظيماً في عيني الأستاذ المنير عفيش، والأصدقاء والرفاق والرفيقات...ماذا أكتب. ساعديني يا زهرة النار  ياأغنية الإنفجار.
لو تعلمين يا غايا كيف ينتظرون في البيت القصيدة؟
ليس من زادٍ لنا سوى القصائد والكتابة بحثاً عن القيامة، أيّة قيامة ولو كانت قشّة نظيفةً في سخف لبنان وأوديته الحافلة بالوحوش والمجانين والصخور البشريّة الصمّاء؟
كم يصبح الحبر سخيفاً إذ ينهمر بين الأصابع مزاحماً الدموع الحارقة من موتٍ وجوعٍ في أرجاء لبنان.
أنت يا غايا صديقة الطيور المجروحة وقد تكسّرت جوانحها وقد أخبرني آرا، أنك صديقة الحيوانات الشريدة في الأرض أينما حللت.
فسر لنا حكمتك يا ربّ أن تصبح بيروت الصبية كومة قش عزباء جميلة غيرموضبة سوى للحريق الموعود بالرماد الأبدي نمسح به وجه الكائنات الشريدة الجائعة ولصوص الحكام صم بكم خرس؟‏
حلّ الأسود في البيت كما الحبر وأغمق حدداً عليك، وصار الشمع في الكنائس لا ينطفيء يحمل اسمك متشبثا بالصواني الناصعة رمزاً لحرقة موت الصبايا بين عيني المسيح. 
مع كل نقطة شمع تسقط فوق البلاط أو في جرن الماء يناديك آرا فتسمعين. نعم تسمعين ويد الله تحكم الأقفال السماوية حفاظاً عليك ... على الصبايا في لبنان.
منذ شهرٍ غادرت لبنان وغادرتم شباباً وصبايا وأطفالاً وكهولاً ومنازل وخبايا تملأ الأرض هنا وتنهك العيون مشدودة نحو السماء.
إخترتك رمزاً أو أيقونةً ما اشتعلت لكنك تشتعلين بالمسيح الساهر والمقيم.
ها أنا أنشر صورتك الأخيرة فوق شرفة المغادرة يا غايا. أرسلها لي والدك أيقونة الإنفجار قال، وكان لا بدّ لي من أن  أعتّق الحبر وأصفّيه من شكوى في لبنان وغضب ودموع.

نسيم خوري

اذا كنت ترغب بمتابعة اخبار موقع " icon News" اضغط على الرابط التالي :

نسخ الرابط :

(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)

:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي

Whats up

Telegram