أحدث تقرير التدقيق الجنائي الذي أنجزته شركة «الفاريز اند مارسال» نوعاً من الإرباك في الوسط السياسي، لناحية تحديد نمط التعامل معه، وما الذي يجب أن يليه، علماً انّ اجتماع لجنة المال والموازنة أظهر انّ بعض النواب لم يكن قد قرأ التقرير بعد، إما لأنّه طويل وإما لأنّه لم يُترجم إلى العربية بعد.
بمعزل عن حسابات المتضررين والمستفيدين من التقرير سياسياً، الاّ انّه انطوى على شيء من الإحباط وخيبة الأمل بالنسبة إلى البعض، كونه لم يتضمن الأدلة الضرورية لإثبات الجرائم المالية المرتكبة ولتحديد المسؤوليات عن مكامن الخلل في حسابات مصرف لبنان، وبالتالي لم يكتسب الطابع الجنائي المنتظر والقدرة على الإدانة القاطعة، ما ترك الباب مفتوحاً امام الأخذ والردّ في شأنه على المستويين السياسي والقضائي.
ومن ضمن تداعيات ما بعد صدور التقرير، ارتفعت اصوات سياسية تتهم مدّعي عام التمييز القاضي غسان عويدات بالمراوغة والتقصير وعدم الاستعجال وتمييع التحقيق المفترض في محتوى هذا التقرير، للتستر على رياض سلامة، في إطار السعي المستمر إلى حمايته، حتى بعد خروجه من موقع الحاكمية.
وهناك من أخذ على عويدات انّه فتّت التحقيق وأضعفه عبر إناطة أمره الى مجموعة من الهيئات القضائية المتناثرة، بدل ان يكون متمركزاً في يد قاضٍ واحد يُمسك بزمام المبادرة والقضية.
لكن مصادر قضائية رفيعة المستوى تعتبر انّ ما فعله عويدات هو تمتين لملف التحقيق وليس تمييعاً له، لافتةً إلى انّ توزيع التحقيقات في محتوى تقرير التدقيق الجنائي على عدد من الجهات القضائية أمر إيجابي وصحي يفيد في معرفة الحقائق، بينما حصر الملف لدى قاضٍ واحدٍ قد يسهّل الضغط عليه لطي التقرير او لاحتواء مفاعيله.
وتشير المصادر، إلى أنّ عويدات وزّع الأدوار على المراجع القضائية، كل حسب اختصاصها وصلاحياتها، وذلك كالآتي:
- النيابة العامة المالية في اعتبارها المسؤولة الناظرة في الارتكابات والجرائم على الأموال العمومية.
- النيابة العامة الاستئنافية في بيروت، وهي الجهة المدّعية اصلاً في ملف التدقيق الجنائي ومن البديهي والطبيعي إحالة التقرير عليها.
- التفتيش المركزي كونه هو المعني بالمحاسبة المسلكية لأي موظف متورط، تمهيداً للملاحقة القضائية في حقه لاحقاً.
- ديوان المحاسبة انطلاقاً من انّ الهبات والصفقات تخضع الى قانون المحاسبة العمومية.
كذلك أحال عويدات التقرير إلى المجلس النيابي لحضّه على تشكيل لجنة تحقيق برلمانية في ما تضمنه من وقائع.
وتلفت المصادر الى انّ خلو التقرير من الأدلة الدامغة يستوجب من القضاء البحث عنها لسدّ الثغر الموجودة، وهذه المهمّة لا يمكن أن تتمّ بحرق المراحل بل تتطلب جهداً ووقتاً، مشدّدة على ضرورة مقاربة هذه القضية بمسؤولية بعيداً من المزايدات.
وتؤكّد المصادر انّ وزير العدل كان محقاً في دعوته إلى ترك القضاء يأخذ وقته، مشيرةً الى انّ مثل هذه المسائل المتصلة بكشف حقائق وإدانة مرتكبين لا تُسلق سلقاً، بل يجب أن تخضع إلى المعايير السليمة.
وتتساءل المصادر: «الا يستحق ملف التدقيق الجنائي ورياض سلامة، من القوى السياسية التوافق على إحالته على المجلس العدلي، كونه يمسّ أمن الدولة المالي والنقدي والاقتصادي والاجتماعي، ويتصل بجريمة جماعية استهدفت مئات آلاف المودعين ممن ضاعت حقوقهم في فجوة يبلغ قطرها نحو 72 مليار دولار»؟
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :