بحكمةٍ عاليةٍ وحنكةٍ سياسيةٍ، أجهض رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، “مناورة تكتيكية” حاول رئيس الحكومة المكّلف سعد الحريري ومن خلفه، تنفيذها على “خط بعبدا”، في محاولةٍ فاشلةٍ لإرباك الرئاسة الأولى، وإلقاء “كرة الملف الحكومي” في ملعبها”، وتمثلت هذه “المناورة”، بزيارة الحريري الأخيرة الى قصر بعبدا، وتسليمه لعون “تشكيلةٍ حكوميةٍ”، “ليبدي ملاحظاته عليها، أو لإدخال تعديلاته على بعض الأسماء أو الحقائب”، على ما قال الحريري وأوساطه، ويتابع الحريريون “أن طرح هذه “التشكيلة”، يأتي في إطار المشاورات بين الرئيسين، وإن تكن مكتوبة هذه المرة”.
غير أن الحقيقة مغايرة تماماً لما يدّعي الحريريون، فإن هذه الخطوة التكتيكية التي أقدم عليها رئيس الحكومة المكلّف، تأتي ضمن خطةٍ إستراتيجيةٍ، تستهدف المقاومة، من خلال إستهدافها وحلفائها معاً، لرفع الغطاء السياسي والشعبي عنها، من خلال التلطي خلف شروط المبادرة الفرنسية، بالتالي تجاوز مسألة العودة الى التشاور مع الكتل النيابية الوازنة في شأن تأليف الحكومة، تحت ستار “تأليف حكومة من غير الحزبيين”، والهدف الأساس والمخفي من وراء ذلك، هو إقصاء ح زب الله وحليفه الأول التيار الوطني الحر، عن الحكومة المقبلة، تنفيذاً لأجندة أميركية – خليجية، خصوصاً بعد إعلان غالبية الدول الخليجية وسواها، التطبيع مع العدو الإسرائيلي، برأي مرجع في محور المقاومة.
كذلك تهدف هذه “المناورة” للإيحاء تجاه الرأي العام المحلي وغير المحلي، بأن الحريري قام بواجبه، وقدّم التشكيلة الوزارية الى عون، وبأن “رئيس الجمهورية هو المعرقل”، بهدف إستثارة الرأي العام المحلي والعالمي ضد موقع رئاسة الجمهورية اللبنانية. لكن الرئيس إحتوى هذه المناورة، ورد “كرة الملف الحكومي” بإحكامٍ الى ملعب الحريري، ومن ورائه، من خلال تقديمه الى الرئيس المكلّف، طرحاً مكتوباً، يحتوي تصوراَ كاملاً شاملاً للملف الحكومي والوضع العام، لكي يدرسه الحريري بدوره أيضاً، ثم محاولة تذليل العقبات من طرفي تأليف الحكومة، في سبيل ولادتها المرتجاة.
وهنا “ثارت ثائرة” المنظومة الحاكمة، بعد نجاح عون في إجهاض “مناورتهم” التي أعدّوها بالتضامن والتكافل في ما بينهم، وهذا ما يفسر هجومهم الثلاثي الأضلاع على رئاسة الجمهورية. ويجري أركان هذه المنظومة إتصالات في الكواليس للرد على رد الرئيس عون، بحسب تأكيد مصادر عليمة.
وفي هذا الصدد، يعتبر مرجع حزبي إسلامي أن هذه المنظومة قد تبقى موجودة في السياسة الداخلية، ولكن بالتأكيد لن تبقى مؤثرة في موقع القرار في المرحلة المقبلة، وما أبقاها حتى الساعة، هو فشل القوى الضاغطة التي إنتجتها الدول الغربية، وتبلورت أثر إحتجاجات 17 تشرين الأول 2019. ولكن من دون أدنى شك أن هذه القوى حققت جزءاً أساسياً من بنك الأهداف الغربية في لبنان، أثر الضغوط الاقتصادية اوالمالية على البلد، تحديداً من خلال إسهام هذه القوى في تأليب الشارع في وجه المنظومة الحاكمة، التي إتحدت لمواجهة قوى التغيير، وفي طليعتها تلك القوى التي لم تتورط في الفساد. وهذا ما يفسر كلام سفيرتي الولايات المتحدة وفرنسا في بيروت دوروثي شيا وآن غريو لأحد المرجعيات الدينية الشمالية خلال زيارتيهما مؤخراً لمنطقة الشمال، ولقائهما بعض الشخصيات الدينية والمدنية “بأن بلادهما على استعداد لمساعدة الجمعيات الأهلية، وغير مستعدين لمساعدة مؤسسات تابعة لسلطة غير موجودة”، بحسب ما ينقل المرجع.
ولكن في الوقت عينيه، يؤكد أن الثبات سيكون للمحور الذي قدم التضحيات الجسام، وتصدى لمشروع تفكيك المنطقة، وبالتأكيد سيكون حاضراً الى طاولة اي تسوية مرتقبة في المنطقة. ولن يفرّط في إنجازاته الميدانية وصموده وتضحياته.
وبالعودة الى لقاء الحريري –عون، أكد قياديون في التيار الوطني الحر، أن “التيار” تلقف الخطوة الحريرية يإيجابية. ويعتبرون أنها قد تكون جاءت في إطار المشاورات الحكومية. وأن طرفي التأليف، قدما تصورهما في الشأن الحكومي، في إنتظار بلورة مواقفهما النهائية من هذا الشأن، على أن يلي ذلك ولادة الحكومة المرتجاة، في حال ثبت صدق النيات. ويشدد قياديو “التيار” على ضرورة التزام الدستور، وعدم الخروج على مؤسسات الدولة، خصوصاً في هذه الأوقات الدقيقة، في ضوء الضغوط الاقتصادية والمعيشية والمالية التي يرزح تحتها الشعب اللبناني. وأهم ما يشدد عليه “التيار”، هو ضرورة التمسك بوحدة المعايير في طريقة إنتقاء الوزراء و توزيع الحقائب الوزارية، وهو في نهاية المطاف، (أي التيار)، يلتزم التزاماً كاملاً بما يقرره رئيس الجمهورية. ولن يعطي موقفه النهائي، من الشأن الحكومي قبل إعلان التشكيلة الحكومية النهائية. ولكن التيار، كما رئيس الجمهورية، يأملان في أن تحظى الحكومة بأكبر دعمٍ سياسيٍ ممكنٍ، كي يتسنى لها إجتياز العوائق الإقتصادية والمالية الكبيرة، والضغوط الإقتصادية، ومواجهة جائحة كورونا، وهذا كله يدعو الى شحذ الهمم، وتلاقي المعنيين في عملية التأليف على منتصف الطريق، في سبيل ولادة حكومةٍ قويةٍ وقادرةٍ على مواجهة هذه التحديات، يختم القياديون. ولكن هنا يطرح السؤال، إذا كان الحريري إيجابياً، لماذا لم يتشاور مع عون بعيداً من الإعلام، تمهيداً الى التوصل الى إتفاق على تشكيلة حكومية، تثلج قلوب اللبنانيين؟
وبناءً على ما ورد آنفاً، يؤكد مرجع قريب من محور المقاومة أن ح زب الله لن يسمح في الاستفراد بعون والنائب جبران باسيل. ويعتبر أن محاولة الاستفراد فيهما، محكومة بالفشل، كما جاء مفعول العقوبات الأميركية على “رئيس التيار”، فهي رسخت علاقته بالمقاومة، ودائماً برأي المرجع. بالتالي فأن “الحزب” حريص على موقع رئيس “التيار” ودوره في هذه المرحلة، أكثر من أي لحظة، مرت خلال الأعوام الـ 14 الفائتة، يختم المرجع.
حسان الحسن
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :