تتصدّر اللبنة لائحة الوجبات الغذائية الأكثر حضوراً على المائدة. إلا أن انعدام الرقابة على غالبية المنتجات في الأسواق وعبث المصنّعين يكادان يحوّلانها إلى الطبق الأخطر. مصادر في وزارة الزراعة أكّدت لـ«الأخبار» أن عملية الغش في صناعة الألبان والأجبان تبدأ من كلمة «بلدية» التي تتصدّر منتجات «تخلو من أي أثر للحليب الطبيعي، وليست سوى متمّمات غذائية». هذا ما يفسّر بيع بعض أنواع «اللبنة البلدية»، مثلاً بـ 100 ألف ليرة أو 150 ألفاً، في مقابل ما يراوح بين 300 ألف و450 ألفاً لأنواع أخرى. أكثر من ذلك، يلجأ منتجون، رغم هذا الغش الصريح، إلى بيع اللبنة المغشوشة بأسعار تقارب أسعار اللبنة الطبيعية لإبعاد الشبهات والإيحاء بجودة المنتج وتحقيق أرباح أكبر، وفق مصادر في مصلحة حماية المستهلك، أشارت إلى «وجود عشرات المعامل الصغيرة والكبيرة في قرى وبلدات بقاعية، وفي بقية المناطق، تعمد إلى إضافة زيت الصويا والزيت النباتي والنشاء والجفصين وبروتينات ومكمّلات غذائية أخرى إلى منتجاتها من الألبان والأجبان». وأوضحت أن «مراقبة إنتاج الألبان والأجبان ليست من صلاحياتنا بل من صلاحيات وزارتي الزراعة والاقتصاد»، مشيرة إلى أنه بعد دهم أحد المعامل في إحدى قرى غرب بعلبك ومصادرة الكميات الموجودة لديه، فوجئنا بمنحه ترخيصاً من وزارة الزراعة ليعاود الإنتاج مجدداً».
ويشكو أصحاب مزارع تربية المواشي وإنتاج الحليب من أن بيع مشتقات الحليب بأسعار متدنية على أنها حليب طبيعي دمّر القطاع الذي يُعد مصدر رزق لمئات الأسر وأدى إلى الإعراض عن شراء الحليب الطبيعي طالما أنه يمكن شراء كيلو «لبنة بلدية» بـ 150 ألفاً، فيما كلفة الحليب الذي يحتاج إليه الكيلو الواحد لا تقل عن 160 ألف ليرة، ناهيك عن الكلفة التشغيلية وهامش الربح. ويؤكد علي دياب، وهو صاحب مزرعة لتربية الأبقار وإنتاج الحليب، تراجع المبيعات بنسبة كبيرة، مؤكداً أن كثيرين يتجهون إلى بيع الأبقار لعدم قدرتهم على تصريف الإنتاج في ظل وجود منتجات بديلة. ويقول محمد يونس حمية إن منتجي الحليب مثله يعانون من «الكساد في مقابل ارتفاع أسعار الأعلاف، إذ تحتاج البقرة الواحدة إلى 5 كيلوغرامات من العلف يومياً (سعر الطن 400 دولار) و6 كيلوغرامات من تبن القمح (سعر الطن 300 دولار) و6 كيلوغرامات من الذرة المخمّرة (120 دولاراً للطن)، إضافة إلى كلفة المياه والكهرباء والتلقيح».
المخاطر
الدكتور في هندسة الصناعات الغذائية والبيوتكنولوجيا، حسني الطقش، أكد أن الأزمة الاقتصادية دفعت ببعض التجار ومصنّعي المواد الغذائية إلى استغلال الظروف المعيشية وانعدام الرقابة لتصنيع منتجات بديلة للأساسية وطرحها في الأسواق، وفق معيار أساسي يتعلق بالسعر، ويستهدف بالدرجة الأولى الفئات ذات الدخل المحدود. وأوضح أن «المواصفة القياسية اللبنانية NL23 لعام 1999 (لم يتم تعديلها حتى اليوم)، لم تلحظ أي فارق في منتج اللبنة بين الحليب الطبيعي أو المجفّف في حين أن المواصفة العالمية codex لا تسمح بالمواد الحافظة. كما أن المواصفة اللبنانية تسمح لمنتجي اللبنة في المعامل بإضافة حامض السوربيك وأملاحه من صوديوم أو بوتاسيوم أو كالسيوم، شرط ألا تتعدى الكمية المضافة 50 مغ/ كغ لبنة... ولكن، من يراقب هذه المعايير والمواصفات اليوم؟».
ولفت الطقش إلى أن هناك فرقاً كبيراً في الكلفة بين كيلو اللبنة من الحليب الطبيعي واللبن المحضّر من الحليب المجفّف، والمستهلك لا يهتم للمكوّنات بل للسعر، «علماً أن اللبن البديل كمحضّر غذائي يتم تصنيعه وفق معايير عشوائية بإضافة كميات من النشاء وزيت النخيل والجيلاتين والبيكتين ومواد حافظة عديدة، منها سوربات البوتاسيوم». ورغم أن هذه المواد تُستعمل في كثير من المنتجات، «إلا أن وجودها كلها في منتج واحد يُستهلك بشكل يومي وبكميات غير معروفة، وفي غياب الرقابة على المواصفات، تعتبر اللبنة غير آمنة للاستعمال على المديين المتوسط والطويل».
نسخ الرابط :