بقلم الدكتور طلال حاطوم
حين الاستماع الى مداخلات بعض النواب المُستجدين على الحياة البرلمانية، وعلى تصريحات بعض آخر منهم ممّن هم من المخضرمين، تصبح مقولة «لو عنده شغل تاني» أقرب الى الواقع. نقاشات شعبوية لا ترتكز لا الى الدستور ولا الى القانون ولا العرف، ولا الى حقائق ولا الى براهين او حتى دلائل، او اشارات توجيه يمكن الاستناد اليها لمعرفة فحوى الخطب الرنّانة والتهديد بالويل والثبور وعظائم الامور. الموصل الى هذا الكلام هو ما سمعناه من بعض ممثلي»الأمة جمعاء» بعد انفضاض عقد جلسة الإنتخابات الرئاسية الخامسة يوم الخميس المنصرم.
وأحدهم ـ لا فضّ فوه ـ يسأل عن مادة تشير الى نصاب الجلسة، وآخر ـ لا حرم الله اللبنانيين من زائد علمه ومعرفته ـ يدعو الى منع النواب من الخروج قبل انتخاب رئيس، وجَهبذ من فطاحل العلماء في القانون يريد ان يخترع حلولاً مستنبطة من (فهمه) لتفسير الدستور، وغيره يريد ان يمنع الحق الديمقراطي للنواب بـ(حجزهم) في المجلس النيابي.
مهلاً ايها السادة العظام من بلاد الأرز.
في كل قانون أو دستور، نسمع نحن الجهلة، عن «نيّة المشترع» لحظة نص المادة الدستورية أو القانونية:
ـ تقول المواد المتعلقة بانتخاب (رمز وحدة الوطن) رئيس الجمهورية:
المادة 49: يُنتخب رئيس الجمهورية بالاقتراع السري بغالبية الثلثين من مجلس النواب في الدورة الأولى، ويُكتفى بالغالبية المطلقة في دورات الاقتراع التي تلي...
اي ان المشترع في قصده الواضح (ونيّاته الطيبة)، انه حين (يجتمع مجلس النواب في جلسة مخصصة لانتخاب رئيس للجمهورية)، اي الـ 128 نائباً، يُنتخب الرئيس بـ»الثلثين»، ما يعني ان النصاب في حده الادنى لانتخاب الرئيس العتيد لا يجوز ان يقل عن الثلثين، بدون اي اجتهاد او حاجة الى شرح. ولمَن يطلب جلسات متتالية وهذا حق مشروع، فكل الجلسات التي تلي الفصل الاول من الجلسة تنطبق عليها شروط الانعقاد الاساسية اي الثلثين.
وفي نظر القانونيين ان (العرف) هو بقوة القانون، ولن نسأل هنا عن انتخابات سابقة، ولكن سنستعرضها للاستفادة من وقائعها ومن تحقّق نصاب الثلثين (واكثر) فيها:
ـ إنتخب الرئيس بشارة الخوري، أول رئيس للجمهورية بعد الاستقلال، حيث عقدت الجلسة في 21 أيلول سنة 1943 (بحضور 47 نائبا من أصل 55)، فنال الرئيس الخوري (تأييد 44 نائباً) و3 أوراق بيضاء.
ـ انتخب الرئيس الثاني في عهد الاستقلال وهو الرئيس كميل شمعون، في 23 أيلول 1952 (بحضور 76 نائباً من أصل 77) ونال شمعون (تأييد 74 نائباً) ووجدت ورقة بيضاء وورقة باسم عبدالله الحاج وقد استمرت ولايته حتى 22 أيلول 1958.
ـ الرئيس الثالث فؤاد شهاب الذي انتخب في 21 تموز 1958، (بحضور 56 نائبا من أصل 66) يشكّلون كامل أعضاء المجلس النيابي، بعد أن كان عهد الرئيس شمعون قد خفض أعضاء المجلس الى 44 نائبا في انتخابات 1953 ثم رفعه الى 66 نائبا في انتخابات 1957، وحصل شهاب على (تأييد 48 نائباً) وانتهت ولايته في 22/9/1964.
ـ يَليه الرئيس شارل حلو الذي انتخب في 18 آب 1964، في جلسة (حضرها كامل أعضاء المجلس النيابي وعددهم 99) وفقاً لقانون الانتخاب 1960، وقد (أيّد الرئيس حلو 92 نائباً) ونال بيار الجميل 5 أصوات ووجدت ورقتان بيضاوان. واستمرت ولايته حتى 22 أيلول 1970.
ـ الرئيس سليمان فرنجية انتخب في 17 آب 1970، (بحضور كامل أعضاء المجلس النيابي الـ 99)، حيث فاز بعد دورة انتخابية ثانية (نال فيها 50 صوتا مقابل إلياس سركيس 49 صوتاً)، واستمرت حتى 22 أيلول 1976.
ـ الرئيس إلياس سركيس انتخب في قصر منصور قبل ستة أشهر من نهاية سلفه، بعد تعديل المادة 73 من الدستور لمرة واحدة في 10 نيسان 1976، (بحضور 90 نائباً من أصل 97) هم أعضاء المجلس النيابي بعد وفاة نائبين، وقد حضر جلسة الانتخاب في 8 أيار 1976، 68 نائباً، نال منهم الرئيس سركيس في دورة انتخاب ثانية 66 صوتا ووجدت ورقتان بيضاوان. واستمرت حتى 22 أيلول 1982.
ـ الرئيس بشير الجميل انتخب في 23 آب 1982 (بحضور 62 نائباً من أصل 92) وقد نال في دورة اقتراع ثانية 57 صوتا ووجدت 5 أوراق بيضاء.
ـ الرئيس أمين الجميل انتخب في 21 أيلول 1982، من قبل (تأييد 77 صوتاً له)، واستمرت ولايته حتى 22 أيلول 1988.
ـ الرئيس رينيه معوض انتخب بعد 409 أيام من الفراغ الرئاسي، انتخب في تشرين الثاني 1989 (بحضور 58 نائباً من أصل 73 نائباً) بعد وفاة 26 نائباً من مجلس 1972، ففاز في دورة انتخاب ثانية بعد أن (نال 52 صوتاً) ووجدت 6 أوراق بيضاء.
ـ الرئيس الياس الهراوي انتخب في 24 تشرين الثاني 1989 في بارك أوتيل شتورة في البقاع (بحضور 52 نائباً من أصل 72) حيث نال 47 صوتاً ووجدت 5 أوراق بيضاء. وبعد الدستور الجديد الذي عدّل عدد النواب مدّدت ولايته لمدة ثلاث سنوات لمرة واحدة في 18 تشرين الأول 1995 (بأكثرية 110 أصوات) ومعارضة 11 نائبا وتغيّب 7 نواب عن الحضور.
ـ الرئيس اميل لحود انتخب في 13 تشرين الأول 1998 بعد تعديل دستوري لمرة واحدة يتيح لقائد الجيش أن يترشح، و(حصل على 118 صوتاً) فانتخب بإجماع 118 نائبا حضروا الجلسة من أصل 128.
ـ الرئيس ميشال سليمان، جاء بعد 19 جلسة لم يكتمل فيها النصاب وانتخب في الجلسة الـ 20 بعد اتفاق الدوحة (بحضور 127 نائباً نال منها 118 صوتاً) ووجدت6 أوراق بيضاء و3 أوراق بأسماء مختلفة، واستمرت ولايته ست سنوات كاملة انتهت في 24 أيار 2014.
ـ الرئيس ميشال عون، احتاج وصوله إلى قصر بعبدا 45 جلسة قبل اكتمال النصاب في الجلسة 46 (بعد 888 يوما من الشغور الرئاسي)، (بحضور 127 نائباً وهو كامل عدد أعضاء مجلس النواب بعد استقالة نائب منه)، وقد دامت جلسة الانتخاب، بحضور 127 نائباً، أكثر من ساعتين تخللها 4 دورات انتخابية، انتهت بفوز عون بأكثرية 83 صوتا مقابل 36 ورقة بيضاء و7 أوراق ملغاة وورقة باسم ستريدا طوق جعجع.
اذاً، من الواضح ان انتخاب الرئيس يكون في نصاب الثلثين دائماً وفي كل الجلسات التي تلي في جلسة التئام.
سؤال مِن جاهِل: ماذ لو كان النصاب في الجلسة التالية 64 نائباً؟ كيف يمكن عندها انتخاب رئيس بالنصف زائداً واحداً؟ وفي جلسة تالية من نفس جلسة الالتئام الاولى التي فقد فيها نصاب الثلثين 30 نائباً او اقل؟
- المادة 73: قبل موعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية بمدة شهر على الأقل أو شهرين على الأكثر (يلتئم المجلس بناء على دعوة من رئيسه) لانتخاب الرئيس الجديد، وإذا لم يدع المجلس لهذا الغرض فإنه يجتمع حكماً في اليوم العاشر الذي يسبق أجل انتهاء ولاية الرئيس.
وهو الامر الذي قام به رئيس المجلس انطلاقاً من واجباته الدستورية، حين دعا الى جلسة انتخاب رئيس للجمهورية بتاريخ 09/10/2014.
ـ المادة 74: إذا خلت سدة الرئاسة بسبب وفاة الرئيس أو استقالته أو سبب آخر فلأجل انتخاب الخلف يجتمع المجلس فوراً بحكم القانون، وإذا اتفق حصول خلاء الرئاسة حال وجود مجلس النواب مُنحلاً تدعى الهيئات الانتخابية من دون إبطاء، ويجتمع المجلس بحكم القانون حال الفراغ من الاعمال الانتخابية.
الكلام هنا هو تفصيل اضافي للحثّ على انتخاب رئيس الجمهورية، علماً ان الرئاسة لم تخلُ الا بسبب انتهاء الولاية، واذا كان يجوز اعتبار هذا السبب (سبب آخر) كما ورد في نَص المادة فإنه ينطبق عليه شرط النصاب (ثلثي اعضاء المجلس النيابي) وشرط (الالتئام) في جلسة مخصصة لانتخاب الرئيس، لأنّ الانتخاب معطوف على علة: اذا كان المجلس منحلاً...
ـ المادة 75: إن (المجلس الملتئم) لانتخاب رئيس الجمهورية يعتبر هيئة انتخابية لا هيئة اشتراعية، ويترتّب عليه الشروع حالاً في انتخاب رئيس الدولة من دون مناقشة أو أي عمل آخر.
المادة تشرح نفسها: الملتئم، اي المنعقد بنصاب الثلثين على الاقل، بدعوة من رئيسه لجلسة مخصصة لانتخاب الرئيس، وليس اي جلسة يدعو اليها رئيس المجلس للتشريع او لمراقبة السلطة التنفيذية او لمناقشة عامة او اقرار قوانين.
وبعد، سمعنا ايضاً، وطنّبنا آذاننا بمن يريد حجز النواب او اعتبار ان المجلس النيابي يجب عليه ان ينتخب رئيساً للجمهورية دونما اي عمل آخر، نحيلكم الى مهام المجلس النيابي:
يتولّى مجلس النواب السلطة التشريعية،
ويمارس الرقابة الشاملة على سياسة الحكومة وأعمالها،
كما يتمتع بصلاحية إقرار القوانين التي يصدرها رئيس الجمهورية.
كما يتولى المجلس انتخاب رئيس الجمهورية.
في ما سبق شَرح لما لا لزوم لشرحه وأنتم الأدرى..
نقطة على السطر (يا بْتُوع الكتب).
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram
نسخ الرابط :