إلى بضع ساعات أخرى سيظل الخناق مشدوداً على العنق، دونما التكهن فعلاً كيف سيبدأ اليوم الأول في الشغور الرئاسي. رغم مسحتي التشاؤم في موقفي الرئيسين ميشال عون ونجيب ميقاتي مساء الخميس ونبرة التشدد فيهما، ليست الأبواب محكمة الإيصاد
ليست مواقف التصعيد وتسعير الخلاف للإيحاء بأن لا عودة إلى الوراء إلا عدّة شغل الأيام الثلاثة الأخيرة في ولاية الرئيس ميشال عون. لن يلقي أحد سلاحه في اللحظات هذه ويستسلم للآخر وينحني أمامه إن لم يُظهر له أنه قادر على القفز من فوق الهاوية حتى الذين يتهيّبون لها جميعاً. ذلك ما يبعث على الاعتقاد بحصول أمر ما أقرب إلى صدمة تقضي بأن لا يخسر أي من طرفي النزاع كثيراً ولا يربح كثيراً، وتالياً توقّع ما قد يحدث تبعاً لبضعة معطيات:
أولها، تواصل ليلي أمس بين حزب الله ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل آل - استناداً إلى الرواة - إلى نتائج إيجابية بموافقة باسيل على منح الحكومة المعدلة لميقاتي الثقة. كان رئيس الجمهورية في حواره التلفزيوني بكّر في التلميح إلى المخرج بقوله إن في وسعه إقناع رئيس التيار الوطني الحر بمنح الثقة في أوان الاتفاق. مع أنها إشارة غير كافية، بيد أنها تقطع نصف الطريق إلى حل المأزق الحكومي، كأحد الشروط المنطقية التي يتمسك بها ميقاتي ممن يريد مقاسمته تأليف الحكومة بالحصول على حصة يسمّي هو مَن يحل فيها.
ثانيها، بحسب ما نُقل عن حزب الله أن باسيل استمهله الأربعاء الفائت إطلاق يده في تصعيده إلى يوم الجمعة (أمس) في محاولة لرفع منسوب الضغوط على ميقاتي، على أن يلي ذلك اليوم حديث جدّي في عدم انزلاق الجميع إلى الهاوية. أما المؤشرات المفترض ترجمتها - إذا صح كل ما يدور في الغرف المغلقة - فهي في الكلمة التي سيلقيها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله مساء اليوم، متناولاً اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل على أنه إنجاز المقاومة التي هي شريك فيه وانتصار لها وللدولة اللبنانية، على أن يعرّج على المأزق الحكومي المحسوب أن يكون على طريق الحل، إن لم يُحل قبلاً لتجنب دخول الشغور الرئاسي في مزيد من الاضطراب والانقسام.
ثالثها، لأن ميقاتي يعتزم إبدال ثلاثة وزراء في حكومته المستقيلة هم الشيعي (سيسميه الرئيس نبيه بري) والسني (سيستعيده ميقاتي إلى حصته) والدرزي (يحظى برضى وليد جنبلاط ويجلب معه ثقة كتلته)، يطالب باسيل بتعديل ثلاثة وزراء مسيحيين في حصته هو الآخر. المفاوضات البعيدة من الأضواء تتحدث عن احتمال رسو الاتفاق على تبديل وزيرين بدلاً من ثلاثة. لم يقل باسيل بعد بموافقته، إلا أنه يرفض تسليم الأسماء إلى ميقاتي قبل الوصول إلى لحظة إصدار المراسيم في قصر بعبدا. الوزيران المرشحان لديه هما أمل أبو زيد وإدي معلوف.
في حسبان ميقاتي إصدار عون مرسوم قبول استقالة الحكومة فاقد المفاعيل القانونية
كلاهما خسرا الانتخابات النيابية الأخيرة. بيد أن لإصرار باسيل على توزيرهما هدفين: إعادة الاعتبار الشخصي إليهما كما إلى تياره في المتن وجزين في مواجهة حزب القوات اللبنانية. ناهيك برغبته في أن يمثّلاه مباشرة في الحكومة المعوّمة. ليس لأي منهما صفة المستقل، في الظاهر على الأقل، على نحو ما يوحي به الوزراء الآخرون المعيّنون بدورهم من مرجعياتهم. ذلك ما سيفقد حكومة ميقاتي المستقيلة طابعها المستقل ويحيلها أقرب إلى حكومة سياسية.
رابعها، اعتقاد ميقاتي بأن عون وباسيل يتقاسمان الأدوار لهدف مزدوج: حصة في مجلس الوزراء في معزل عن منح الحكومة ثقة كتلة التيار الوطني الحر وحلفائه. موقف رئيس الحكومة أن أي تعديل لوزراء مسيحيين سواء جاء من رئيس الجمهورية أو من رئيس التيار الوطني الحر سينظر إليه على أن مصدره باسيل على أنه الشريك الذي أدخله الرئيس في مسار تأليف الحكومة. تالياً لا يميز بينهما والأسماء في حسبانه تمثل باسيل لا عون الذي سيغادر منصبه في المرحلة المقبلة. بذلك يكمن شرط ميقاتي في أن الموافقة على أي تعديل لوزراء مسيحيين لا يقتصر فحسب على منح الثقة بالحكومة ككل، بل كذلك تقديم التزام التعاون معها في المرحلة المقبلة لا التنصل مما قد يجبه البلاد في حقبة الشغور الرئاسي.
خامسها، يتصرف ميقاتي على أنه من الساعة الصفر الثلثاء المقبل هو رئيس حكومة ملء شغور رئاسة الجمهورية أياً تكن الاعتراضات والتهويل بمواجهتها. ينطلق من اجتهادات وفتاوى مقتنع بصوابها تمنح حكومته المستقيلة الصلاحيات الدستورية الكاملة التي لرئيس الجمهورية، وهو سيمارسها كرئيس للحكومة في النطاق المتاح له في بُعدها الميثاقي بلا مغالاة، آخذاً في الاعتبار الظروف الاستثنائية. ليس متحمساً لعقد جلسات لمجلس الوزراء ما لم توجبها أسباب قاهرة، ويميل إلى ما يديره لحكومة تصريف الأعمال في الوقت الحاضر، وهو استعاضته عن جلسات مجلس الوزراء باجتماعات مع الوزراء فرادى. لا يخشى على صورة حكومته أنها ستفتقر إلى ميثاقية التمثيل المسيحي لخروج وزراء باسيل منها وعدم تمثيل حزب القوات اللبنانية وحزب الكتائب فيها. إلا أن المحسوب أن وزيري سليمان فرنجية سيلبثان فيها، أضف إلى تعويله على وزراء مسيحيين بات باسيل يعتقد أنهم أضحوا في فريق رئيس الحكومة.
ما يتصرّف على أساسه رئيس الحكومة أيضاً إظهار لا مبالاته بما لوّح به رئيس الجمهورية بإصداره قبيل مغادرته قصر بعبدا مرسوم قبول استقالة حكومة تصريف الأعمال. عند رئيس الحكومة لا مفاعيل قانونية للمرسوم في ظل أمر واقع سيفرض خيارات مختلفة، ناهيك بأن الأفرقاء الآخرين، في الحكومة وخارجها باستثناء التيار الوطني الحر، لا يسعهم إلا التسليم بصواب توليها صلاحيات رئيس الجمهورية إلى حين الخروج من مأزق الشغور.
نسخ الرابط :