شكل الاتفاق اللبناني- الإسرائيلي الذي تم التوصل إليه مؤخرا برعاية من الولايات المتحدة لترسيم الحدود بين البلدين، والذي سيسمح لكليهما بالتنقيب عن الغاز والنفط في المنطقة، حافزا للسلطة الفلسطينية لتحريك الجمود في ملف استغلال حقل غاز مارين، لكن هذه الجهود تصطدم بجملة من التحديات أبرزها انتزاع موافقة حركة حماس وإسرائيل.
وأبدت السلطة الفلسطينية خلال السنوات الأخيرة اهتماما متزايدا باستغلال الحقل الذي يقع قبالة سواحل قطاع غزة الذي تسيطر عليه غريمتها حركة حماس منذ العام 2007، وقد قطعت السلطة بعض الخطوات في هذا المسار عبر التفاوض مع مصر، كما أعلنت في سبتمبر من العام 2021 عن تأسيس شركة “غاز فلسطين”.
وتواجه مساعي السلطة الفلسطينية التي يقودها محمود عباس اعتراضات من حماس التي تعتبر أن الحقل يقع ضمن نطاق سيطرتها، وبالتالي هي الأولى بالاستفادة من عائداته، إلى جانب ذلك هناك تحفظات إسرائيلية، ربطها البعض بسعي الأخيرة إلى الحفاظ على هذا الحقل كورقة ضغط ومساومة تلوح بها في وجه الأطراف الفلسطينية، وأيضا تكرس من خلالها حالة الانقسام فيما بين تلك الأطراف.
وذكرت أوساط مطلعة أن الحكومة الفلسطينية بدأت مؤخرا التحرك صوب تذليل الخلافات مع الجانبين أي إسرائيل وحماس، عبر الرهان على دور مصر وأيضا الولايات المتحدة، حيث تعتبر واشنطن أن مساعدة السلطة الفلسطينية على استغلال الحقل من شأنه أن يفك الأزمة المالية الخانقة للأخيرة، وهو ما سينعكس بشكل إيجابي على الوضع داخل الأراضي الفلسطينية.
وأعلن رئيس الوزراء الفلسطيني محمد أشتية الاثنين عن مفاوضات فلسطينية – مصرية لمتابعة ملف الغاز الفلسطيني. وقال أشتية في مستهل الاجتماع الأسبوعي لمجلس الوزراء في مدينة رام الله إن الحكومة ستشكل فريقا يضم عددا من الوزراء لمتابعة موضوع الغاز.
وذكر أن رئيس صندوق الاستثمار الفلسطيني محمد مصطفى وفريقه “يقومون بالتفاوض مع الإخوة في مصر الشقيقة، لإنجاز اتفاقية حول الغاز معهم بما يخدم حقوقنا ومقدراتنا الوطنية، ويعود بالنفع على شعبنا”.
وسبق أن وقع صندوق الاستثمار الفلسطيني في فبراير 2021، مع شركة اتحاد المقاولين والشركة الحكومية المصرية المسؤولة عن أنشطة الغاز الطبيعي في مصر (إيجاس)، اتفاقية للتعاون في مساعي تطوير حقل غاز غزة والبنية التحتية اللازمة لتوفير احتياجات فلسطين من الغاز الطبيعي.
ويشكل إعلان الحكومة الفلسطينية عن مفاوضات مع مصر، بشأن توقيع اتفاق للغاز، تقدما يجري على صعيد هذا الملف خلف الكواليس.
ويرى مراقبون أن اتفاق إسرائيل ولبنان هيأ الظروف لإعادة الحديث حول مشروع الغاز الفلسطيني وأغرى السلطة للإعلان عن هذه الخطوة، التي لن يكتب لها النجاح دون تفاهمات مع حماس من وراء الستار على الأقل كي تتمكن مصر من ممارسة دورها.
ويشير المراقبون إلى أن التطورات الإقليمية والدولية من شأنها أن تدفع مصر إلى وضع ثقلها لإنجاز اختراق في هذ الملف، وتدرك القاهرة أن أي تباطؤ قد يشرع الباب أمام أنقرة للدخول على الخط من جهة حماس، لأن تركيا كما مصر كلاهما يريد أن يكون اللاعب الأكبر في المنطقة في مسألة غاز شرق المتوسط.
ويقول المراقبون إن الغاز الفلسطيني سيكون كاشفا لحدود مصر، وبالتالي الأخيرة ملزمة بتحرك سريع قبل أن تجد نفسها مضطرة إلى الدخول في أي مساومة مع أي من الأطراف الإقليمية وخصوصا تركيا، التي قد تسعى إلى وضع القاهرة في موقف صعب من خلال مقايضة عنوانها: أترك لكم غزة واتركوا لي غاز ليبيا.
وكان اتفاق وقعته حكومة الوحدة الوطنية الليبية مع تركيا ويقضي بالتنقيب عن النفط والغاز، في المنطقة الحدودية التي جرى ترسيمها خلال عهد رئيس الوزراء الليبي السابق فايز السراج، قد أثار غضب القاهرة التي عدت الاتفاق غير شرعي لكون الحكومة الليبية الحالية منتهية ولايتها.
ويعتقد المراقبون أن الاتفاق الليبي – التركي يشكل حافزا إضافيا لمصر للتحرك مع السلطة الفلسطينية من أجل حسم ملف حقل مارين، لكن ذلك يفترض تذليل العقبات وفي مقدمتها الحصول على موافقة حركة حماس، وقد تطرح القاهرة في هذا الصدد صيغة تقضي بمنح الحركة حصة من العائدات.
وفيما بدى خطوة استباقية للتحركات المصرية – الفلسطينية، قامت حماس منذ أسابيع بوضع لافتة كبيرة عند مدخل “ميناء غزة للصيادين” (غرب غزة) كتب عليها باللغتين العربية والإنجليزية “غازنا حقنا!”. كما ظهرت ملصقات على طرقات في القطاع تطالب بـ”الاستفادة من غاز غزة”.
وعلى المقلب الإسرائيلي، يرى المراقبون أن إمكانية رفع تل أبيب الفيتو الذي تضعه على الحقل ليست مستبعدة، ولكنها ستحرص قبل ذلك على انتزاع جملة من التنازلات من سلطة عباس جانب منها ذو طابع أمني.
ويقول مراقبون إن هناك مصلحة إسرائيلية أيضا في وجود حالة من الاستقرار الاقتصادي في مناطق سيطرة السلطة الفلسطينية، وبالتالي فإن فرص استجابتها لاستثمار سلطة عباس الحقل تبقى واردة.
ويعود اكتشاف حقل مارين إلى نهاية تسعينات القرن الماضي، ولم يتم استخراج الغاز منه حتى اليوم. ويقع الحقل على بعد 36 كيلومترا غرب غزة في مياه المتوسط، وتم تطويره عام 2000 من طرف شركة الغاز البريطانية “بريتيش غاز”، التي انسحبت منه لصالح شركة “رويال داتش شل”، قبل أن تغادر هي الأخرى في 2018.
ويقدر الاحتياطي في الحقل بـ1.1 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي، أي 32 مليار متر مكعب، ما يعادل طاقة إنتاجية بنحو 1.5 مليار متر مكعب سنويا لمدة 20 سنة.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :