أكدت الجولة التي قام بها السفير السعودي وليد البخاري على شخصيات سنيّة لا تغرّد في سرب بلاده، قبل يومين، أن المملكة وضعت نقطة في آخر سطر «العهد الحريري» وكرست انتهاء الأحاديّة السنيّة. زيارته إلى طرابلس كانت رسالة بأن بلاده تريد أن «تضبّ» السنّة تحت عباءتها بغضّ النظر عن انتماءاتهم، موجّهة رسالة إلى حزب الله بأنها تستطيع أن تضع يدها على ما «في جيبه» من شخصيات سُنيّة، ورسالة أخرى لمن يعنيهم الأمر خارجياً بأنها تمتلك رصيداً لبنانياً لعملها السياسي إن اختارت العودة. لم يهتم البخاري أثناء زيارته الوزير السابق فيصل كرامي لوجود شخصيات معروفة للطرابلسيين بأنها محسوبة على «النظام السوري» بين المستقبلين، وزار مركز جمعية «المشاريع» في الشمال للقاء نائبها طه ناجي، والقائم بأعمال رئاسة المجلس الإسلامي العلوي الشيخ محمد خضر عصفور في جبل محسن.
تبدو الرياض وكأنها تهمّ بالعودة إلى الساحة اللبنانية، إلا أنّ العارفين يشدّدون على أنها لم تحسم قرارها بعد بالدخول في اللعبة اللبنانيّة. لكنها، فعلياً، كسرت خطوطها الحمر وألقت وراءها سياسة لـ«التسكير» على المقربين من حزب الله ما أثار الشارع الطرابلسي (غالبية المنتقدين من جو تيار المستقبل) الذي هاجم البخاري على صفحات التواصل الاجتماعي لأن بلاده نسيت طرابلس لعقود، ليأتي سفيرها ويبدأ جولته من جامعة المدينة (كرامي)، ثم يجول على «رموز النظام السوري والفاسدين»، ويدعو إلى محاربة الفساد في مقر إقامة النائب أشرف ريفي في منتجع «ميرامار» المشيّد فوق الأملاك البحريّة العامة. فيما هاجم الحزب العربي الديموقراطي زيارة البخاري لعصفور.
يلفت بعض من التقاهم السفير السعودي إلى أنّ تقصّد عدم استفزاز مضيفيه، وفي الوقت عينه أن مرّر «رسائله التحذيريّة» بحنكةٍ. فهو لم يهاجم حزب الله، بل لفت إلى أنّ الحزب «موجود على الساحة اللبنانيّة وله مناصرون تماماً كما له خصوم، ولكن عليه أن يتوقّف عن التدخّل في القضايا الداخلية للدول العربية الأُخرى، وإذا أصرّ على ذلك فعلى مناصريه أن يتحمّلوا تبعات هذا التدخّل». وشدّد على أن بلاده تريد أن تُقيم علاقات وديّة وإيجابية مع مختلف القوى السياسيّة. ولذلك، يشير مقربون من السفارة إلى أنّ جولات السفير ستُستكمل بزيارات لمناطق لبنانية أُخرى كعكار والبقاع وشبعا.
هذا الأمر ترك ارتياحاً لدى معظم من التقاهم البخاري. من كانت تطلق عليهم تسمية «سُنّة 8 آذار»، رفعت السعوديّة عنهم «الفيتو» وصارت كمن تسترضيهم. وإذا كانت الزيارات الأهم التي قام بها البخاري للوزيرين السابقين عبد الرحيم مراد وفيصل كرامي، فإنّها لا تُعدّ «علامات فارقة» باعتبار أن علاقة الاثنين بالسعودية لم تنقطع. وفي هذا الإطار، يقول كرامي لـ«الأخبار» إن «الزيارة ممتازة، وهذه هي المقاربة إزاء طرابلس بالتعامل معها بالموقع الذي تستحقه وهي المقاربة التي كنتُ أتوقّعها من المملكة وهي أمر مفيد للبنان».
ومع ذلك، فإن المفارقة كانت بزيارة البخاري لنائب «المشاريع» طه ناجي في حضور بعض القياديين. ويشير المتابعون إلى أن هذه الزيارة أتت استكمالاً لـ«النيو سياسة» التي تتبعها «المشاريع» في فتح أبوابها على الدول الخليجيّة، والتي توّجتها بلقاءات سريّة سابقة مع مسؤولين عرب بتنسيق من مغتربين موالين لها في هذه الدول. وهي مهّدت لها في مواقفها السياسية وانفصالها المتعمّد عن حزب الله في الانتخابات النيابية الأخيرة. وينقل هؤلاء أن البخاري أكّد لقيادة «المشاريع» أن بلاده ماضية في سياسة الانفتاح على كل القوى السياسية. وخلال اللقاء، «جال» البخاري «على الورق» على مشاريع نفّذتها «الجمعية» من مدارس وجامعات ومستوصفات، مبدياً اندهاشه لحجمها، وواعداً بتنسيق وزيارات متبادلة في المستقبل.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :