يحار اللبنانيون على أيّ معنى يقاربون يوم الخميس المقبل، وهو موعد الجلسة الثانية لانتخاب رئيس للجمهورية. في الجلسة الأولى، بدا أنّ التصويت بين طرفين. فريق أجرى "تمريناً" على جذب الأصوات، وهو بالتعريف "التحالف المُعارض" لـ"حلف الممانعة" بما هو الفريق الثاني الذي أظهر وأكّد أنّه "قوّة مانعة" سياسياً ودستورياً بـ"انتظار" ما يقول إنّه توافق يسعى إليه. وكان ذلك بتأكيد من رئيس مجلس النواب نبيه برّي. لكن في هذا المشهد حضر نواب تمايزوا عن الاثنين، غير أنّهم لم يعلنوا وجهةً في الاختيار.
ما حصّلهُ المرشّح ميشال معوّض في هذه الجلسة، قابله رقم أعلى من الأوراق البيضاء "شبه المحسوبة" لصالح الوزير سليمان فرنجية الذي طلب من حلفائه عدم إحراجه واعتماد "الورقة البيضاء" بانتظار توفير أرجحيّة نيابية يعمل "حزب الله" على جزء منها من خلال جمع باسيل وفرنجيّة في ضيافة أمينه العامّ السيّد حسن نصرالله، على ما قال مصدر مقرّب من حارة حريك لـ"أساس".
وعلى الرغم من تحديد موعد الجلسة الثانية، إلا أنّ أيّ كلمة سرّ لم تظهر بعد. في الجلسة الماضية تمنّى فرنجية ألّا يُصار إلى زجّ اسمه كمرشّح رئاسي في مواجهة النائب معوّض لاعتبارات زغرتاوية قائلاً لهم "لا تحرجوني وتدخلوني في مواجهة مع ميشال معوّض". فكان الاتفاق على ورقة بيضاء. وهو الخيار الذي كان سيلتزم به التيار الوطني الحر أيّاً كانت الوقائع.
بري يطالب الحزب باقناع باسيل
اليوم وفي سياق المباحثات التي تجري استعداداً للأسبوع المقبل، قالت مصادر مطّلعة لـ "أساس" إنّ برّي طلب من حزب الله صراحة أن "اقنعوا جبران باسيل بانتخاب سليمان فرنجية ودعوا وليد جنبلاط عليّي". حتى اللحظة لم يستسلم الثنائي في خوض معركة رئيس تيار المردة الرئاسية ولو من دون إعلان ذلك على الملأ.
المسافة إلى قصر بعبدا لا تزال طويلة أمام فرنجية لغياب "قوّة دفع" أميركية ـ فرنسية ـ سعودية باتجاه إنجاز الاستحقاق الرئاسي في ظلّ تعقُّد المشهدين الداخلي والإقليمي وفي لحظة سياسية شديدة الحساسيّة جرّاء "أولويّات" مُختلفة على أجندات الجميع. وجاء هذا بعدما قال مصدر مقرّب من باسيل إنّ "جلسة 13 تشرين الجاري لن تفضي إلى انتخاب رئيس، والتكتّل يتّجه إلى عدم المشاركة" لأنّ هذا اليوم هو ذكرى السقوط العسكري والسياسي لميشال عون قبل 32 سنة يوم كان قائداً للجيش ورئيساً للحكومة العسكرية ومغادرته بعدئذٍ إلى المنفى الباريسي.
الحزب يجمع باسيل وفرنجية
على مشهد الانقسام السياسي هذا يمضي مجلس النواب بين فريقين يتحسّب كلاهما من الآخر. وبحسب مصدر نيابي فإنّ "حزب الله يخشى اكتمال النصاب في لحظة غفلة ومن دون التوافق على انتخاب فرنجية مع حلفائه فيغتنم خصومه الفرصة لتمرير مرشّحهم بينما يخشى فريق 14 آذار والمستقلّين فوز مرشّح الممانعة أيضاً في لحظة غفلة مُشابهة".
في عقل حزب الله السياسي، فإنّ "سليمان فرنجية ليس مشروع تحدٍّ، بل هو جزء من الصيغة السياسية وتربطه علاقات متينة مع كلّ الأفرقاء السياسيين، بينما لا قدرة لميشال معوّض على الانفتاح على كلّ الأطياف السياسية، وهو مرشّح تحدٍّ".
لكن في هذا العقل أيضاً فإنّ مشكلة سليمان فرنجية هي جبران باسيل. حتى اليوم يرفض رئيس التيار الوطني الحر تأييد ترشيح فرنجية. ومنذ بداية المعركة الرئاسية كان باسيل أقرب إلى إعلان ترشيح نفسه لكنّه عدل عن الخطوة، واستتبعها بأخرى هي رفض ترشيح رئيس تيار المردة، "ثمّ صار أقرب إلى القبول بالجلوس والتفاهم معه".
تقول مصادر على صلة بثلاثيّ الحزب وباسيل وفرنجية إنّ "حزب الله سيرتّب جلسة بين الطرفين قد تكون في ضيافة الأمين العامّ لحزب الله. ولا شيء يمنع حصول مثل هذه الخطوة".
الأسباب المُحفزة لتفاهم باسيل وفرنجية
عندما حدّد برّي الجلسة الأولى أجرى مروحة اتصالات انتهت إلى اتفاق "الثنائي" وحلفائه على خيار الورقة البيضاء فكان عددها 65 ورقة يعتبرها حزب الله أصواتاً لسليمان فرنجية ستصبّ في صناديق الاقتراع متى دقّت ساعة الحقيقة ومتى كان ممكناً إنجاز الاتفاق مع باسيل على هذه الخطوة. الآن، بالنسبة إلى هذا الفريق فإنّ المطلوب هو إكمال نصاب مثل هذه الجلسة، "وهذا أمر بالغ الصعوبة" بحسب ما قاله مصدر نيابي في "فريق السياديّين" لـ"أساس" لأنّ "الفريق الآخر لن يكمل النصاب متى شعر أنّ الاتفاق سيسمح بانتخاب مرشّح الثامن من آذار رئيساً للجمهورية".
قال مصدر مُطّلع على سياق الاستعدادات والحسابات الانتخابية لـ "أساس" إنّه "في حوارٍ أجراه حزب الله مع باسيل حول الشأن الرئاسي تمّ تخييره بين ترشيح فرنجية أو قائد الجيش العماد جوزف عون. بالمنطق فإنّ فوز الأوّل لن يسحب من رصيد التيار ولن يؤثّر عليه وليس مشروع زعامة بل على العكس سيكون شريكه في الحكم، فيما انتخاب الثاني سينهي الحالة العونية وسيسحب من رصيد باسيل"، على ما قال المصدر مُضيفاً أنّ "المطلوب من باسيل مقاربة الموضوع الرئاسي بواقعية والاختيار بين مرشّحَين لا ثالث لهما حاليّاً سليمان فرنجية أو جوزف عون. خلال جلسة الخميس التي ستليها سينفّذ حزب الله وحلفاؤه خطّة حماية سليمان فرنجية في البرلمان".
فرنجية يسأل الحزب..
يوم تبنّى حزب الله معركة ميشال عون الرئاسية ودخل البلد في فراغٍ استطال آنذاك 29 شهراً، كان سؤال فرنجية المُلِحّ والمتكرّر على الحزب: "لماذا لا يكون هناك خطة باء في حال فشل انتخاب عون. ولماذا لا أكون أنا الخطة باء؟". عند فرنجية فإنّ مشروعيّة السؤال سابقاً، والجديدة حاليّاً، عن "التأخّر" في إعلان دعمه هي "ضرورة سياسية وأخلاقية بالنسبة إليه، واليوم وأكثر من أيّ وقت مضى"، على ما يقول مصدر مقرّب منه "لأنّ حزب الله سبق أن فوّت عليه الرئاسة في دورتين متتاليتين (التمديد لإميل لحود ولاحقاً انتخاب عون)". الآن آماله معقودة على الفرصة الثالثة.
المجتمع الدولي يضغط
الهدف القانوني من الجلسة الأولى بالنسبة إلى الرئيس برّي كان رفع المسؤولية عن نفسه. الآن، استجدّ سببٌ متّصل بأصل الاستحقاق الدستوري، وهو ضرورة انتخاب الرئيس العتيد ضمن المهلة القانونية المنصوص عنها دستورياً، بعدما صار ذلك سؤالاً يوميّاً تلهجُ به ألسنة السفراء، خصوصاً ممثّلي الولايات المتحدة الأميركية والدول الأوروبية. وأبرز مَن تصدّر ذلك كانت السفيرة الفرنسية آن غريو لدى زيارتها حارة حريك للقاء رئيس كتلة الوفاء للمقاومة محمد رعد قبل أيام قليلة، إذ تركّز بحثها على هذا الأمر.
على المستوى العربي لم يخرج موفد الجامعة العربية حسام زكي بأجواء إيجابية تتعلّق بانتخابات الرئاسة الأولى. بحسب مصادر مطّلعة لـ"أساس"، فقد "هاله كيف لا يكون اتّفاق داخلي على انتخاب الرئيس بعد، وخاصة في صفوف المسيحيين حيث لا أحد يتحدّث مع الثاني ويتّفق معه".
هذه الأجواء وعلى أهمّيّتها الدبلوماسية والسياسية لا تعني أنّ لبنان في صدد الانتقال إلى مرحلة ثانية. بالنسبة إلى البلد وقواه السياسية الرئيسية فإنّ الانقسام لا يزال الحَكَم والفيصل، على الرغم من أنّه يبحث في "كومة القشّ" عن طريقةٍ لوصْل ما انقطع بينه وبين العالم، وينتظر "دعماً" سياسياً واقتصادياً واجتماعياً لا يبدو أنّه آتٍ في المدى المنظور لاعتبارات كثيرة، أبرزها على المستوى الإجرائي التأخّر في إقرار الإصلاحات وضياع الفرص في الحوار مع الهيئات الاقتصادية الدولية والجهات المانحة.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :