أوراق بيض إلى أن يتفاهم غير المُستغنى عنها؟

أوراق بيض إلى أن يتفاهم غير المُستغنى عنها؟

 

Telegram

 

على طريقة أن الجميع رابح، فُسِّر الاقتراع في الجلسة الأولى لانتخاب رئيس الجمهورية، في حسبان كل من فريقيْها، أنه كسب جولة على الآخر، وهزّ له العصا من دون أن يضربه بها. الأقل أهمية وضرورة وحاجة هو انتخاب الرئيس الآن قبل التثبت من الأحجام والأوزان

تكفي مقارنة بسيطة بين عدد الأوراق البيض الـ63 المدلاة في جلسة الخميس المنصرم (29 أيلول) لانتخاب الرئيس، وعدد الأوراق البيض المدلاة في انتخاب 12 رئيساً للجمهورية من الرئيس بشارة الخوري إلى الرئيس ميشال سليمان، كي يُكتشف مغزى الفضيحة المستعادة للمرة الثانية بعد عام 2016: من أولهم إلى الرئيس الـ12 سقطت في صندوقة الاقتراع في جلسات انتخابهم (أولى أو ثانية أو ثالثة) 35 ورقة بيضاء فقط. في انتخاب الرئيس ميشال عون 36 ورقة بيضاء فاتحة المغالاة في استخدام ما يُفترض في الاحتساب أنها ملغاة. مقدار ما غدا مفهوماً أن يدعو رئيس البرلمان نبيه برّي إلى الجلسة الأولى بمرور شهر على بدء المهلة الدستورية، في مدة لم يسبقه إليها أي من أسلافه، إذ غالباً بانقضاء الشهر الأول يُنجز انتخاب الرئيس، يكون في المقابل غير مفهوم تبرير الكتل المقترعة بأوراق بيض. الأكثر استعصاء على الفهم أن تمثّل الأوراق البيض نحو الأكثرية المطلقة في مجلس النواب، وأن تصبح مع الأوراق الملغاة 75 صوتاً. أي أن ما يقرب من ثلثي أعضاء المجلس أحجم عن المشاركة الفعلية في جلسة الانتخاب، فلم يُحتسب اقتراعهم كما لو أنهم غير موجودين.

ليست الأوراق البيض وحدها ما يقتضي أن يُحتسب. واضعوها لا يملكون النصف زائداً واحداً كاملاً في البرلمان، فيما أظهرت الكتلة المصوِّتة للنائب ميشال معوّض بدورها أنها لا تملك الثلث زائداً واحداً. بذلك تعادل الفريقان في جلسة مؤداها أن أياً منهما لا يسعه الذهاب إلى انتخاب الرئيس بمفرده، أو فرض الرئيس على الطرف الآخر. عزّز هذا الخلل ـ والأصح أنه توازن سياسي جديد ـ تفرُّق الناخب السنّي وتشتته بين واضعي الورقة البيضاء والورقة اللاغية والمصوّتين لمعوض.
الأدهى كذلك أن لكل من الفريقين أكثر من مرشح معلن أو مستتر حائر بينهم، لم يحن أوان الخيار بعد. ارتأت قوى 8 آذار الاختباء وراء الورقة البيضاء لئلا تُظهر انقساماً معلوماً في مواقف أفرقائها، بينما توزّعت قوى المعارضة على مرشحين ومسمّيات أخرى لا تمت بصلة إلى الاستحقاق، عكست لها أيضاً أن أوان توحدّها لخوض معركة رئاسية حاسمة وصلبة لا يزال مبكراً.
 

أما ما يُفترض أن تكون انتهت إليه الجلسة الأولى، من غير أن تكون الجلسات التالية على صورتها، فبضع ملاحظات متصلة بها:
1 ـ قلة بين واضعي الأوراق البيض لا مرشح لها. أما غالبيتهم المرجحة ففي صفوفهم أكثر من مرشح. على الأقل بالنسبة إلى الثنائي الشيعي وحلفائه والتيار الوطني الحر وحلفائه. ليس هؤلاء وحدهم أصحاب الأوراق البيض. إلا أنهم، أكثر من سواهم، على دراية بمغزى استخدام الورقة البيضاء في الوقت الضائع. ليست الجلسة الأولى سوى أول فصول الوقت الضائع. أرادوا بذلك الفصل التام بين احترام المهلة الدستورية وإرادة الاجتماع وبين أوان انتخاب الرئيس. في الدستور متلازمان، أما في موازين القوى فالأمر مختلف تماماً.

نصرالله لفرنجية: من غير الوارد تكرار تجربة ميشال سليمان

2 ـ ليس سراً أن لحزب الله مرشحين يحتاج إلى كليهما في قصر بعبدا: سليمان فرنجية حليفه السياسي والأخلاقي القديم الموثوق به، وجبران باسيل رئيس أكبر كتلة نيابية مسيحية مع حلفائه. لا يفاضل الحزب بينهما مع إدراكه أن حظوظ باسيل، المعاقب أميركياً، قد تكون أكثر صعوبة من فرنجية. الإحراج الذي يواجهه هو أنه في حاجة إلى توافقهما معاً على إيجاد تفاهم يُرئّس أحدهما بإرادة الآخر. لا يملك الحزب الذهاب إلى انتخاب فرنجية ضد باسيل، والرئيس ميشال عون خصوصاً، ولا كذلك الذهاب في اتجاه معاكس. إلا أن الأكثر وضوحاً عند القطبين المارونيين المتنازعين على الرئاسة، أنهما بدورهما في حاجة إلى حزب الله كي يمضيا في معركتها.
 

3 ـ حتى عشية موعد الجلسة، دارت معظم المناقشات من حول جدوى ترشيح قوى 8 آذار فرنجية ومنحه 60 صوتاً، وفي اعتقاد هذا الفريق أن الرقم متوافر. أما ما سيلي الاقتراع دونما التمكن من انتخاب الرئيس، ففتح باب جدل على طبيعة هذا الترشيح: فرنجية مرشح نهائي إلى أن يُنتخب على غرار تجربة عامي 2014 ـ 2016 مع عون، أم مرشح برسم التفاوض مع الفريق الآخر للوصول إلى تنازلات متبادلة تأتي برئيس متفق عليه. المحسوم لدى الثنائي الشيعي بالذات أن مرشحه ليس برسم المقايضة. ما لم يفعله حزب الله مع عون، لن يُقدم عليه مع الزعيم الزغرتاوي. آنذاك اختار تأجيل جلسات انتخاب الرئيس واحدة بعد أخرى مذ رفعت الجلسة الأولى في 23 نيسان 2014 ولم يكن عون مرشحاً فيها، إلى أن انضم الرئيس سعد الحريري في 21 تشرين الأول 2016 إلى خياره، تكريساً لانتخاب مرشحه.
4 ـ خلافاً لفريق المعارضة بشتى قواه المشتت على أكثر من مرشح، وهو أبرزته جلسة الخميس بتوزّع الأصوات على مرشحيْن وعلى أوراق لاغية، لدى حزب الله مرشحان هما فرنجية وباسيل، ولرئيس المجلس مرشح واحد هو فرنجية. ما يحرص حزب الله على قوله، وهو ما ردده أمينه العام السيد حسن نصرالله أمام فرنجية، أن من غير الوارد تكرار تجربة الرئيس ميشال سليمان بعد انقلابه عليه في السنتين الأخيرتين في ولايته، لمجرد تهديده بضغوط والإغراءات تارة وبفرض عقوبات عليه، في إشارة إلى وصف الرئيس السابق ثلاثية الجيش والشعب والمقاومة بـ»المعادلة الخشبية». الأسوأ في ما عنته العبارة تلك للحزب أنها أسقطت شرعية الجمهورية برمتها عنه.
 

5 ـ من غير المتوقع أن يقول حزب الله كلمته النهائية في مرشحه لرئاسة الجمهورية، في أوان جلسة الانتخاب بالذات، قبل أن يكون استنفد جهوده كلها حيال مرشحيْه غير المستغنى عنهما، دونما أن يكون ثمة ثالث لهما في ظل المعطيات المحوطة بالاستحقاق في الوقت الحاضر. استنفاد الجهود يتطلب حتماً اجتياز نهاية الولاية والدخول في شغور رئاسي. في ذلك يتقاطع استعجال الحزب تأليف حكومة جديدة على أبواب خلو رئاسة الجمهورية. في الساعات الثماني والأربعين المنقضية كان تلقى رسالة واضحة من باسيل أنه أضحى جاهزاً للموافقة على إبصار الحكومة الجديدة النور.

تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram

نسخ الرابط :

(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)

:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي

 

Telegram