ايران بحاجة الى التطوير، ولن تسقط دولتها ثورة حجاب واضطرابات ممولة من الخارج

ايران بحاجة الى التطوير، ولن تسقط دولتها ثورة حجاب واضطرابات ممولة من الخارج

 

Telegram

 


ميخائيل عوض
سقوط واندثار السنية السياسية والعسكرية وانكشافها على اعطابها ومنها عمالتها للخارج وتوحشها، وتجاهلها لقضايا الشعوب وحاجاتها، ومحاولاتها استعادة الماضي العتيق واحكامه لإخضاع الشعوب والتحكم بمصائرها وتجنيدها في خدمة اعداء الامة، وما ارتكبته من آثام بحق الله عز وجل والانبياء والصحابة  بمحاولتها تشغيلهم عند زعمائها وامرائها والجهات الخارجية المشغلة لها  فقدمت ابشع صور الاجرام والتوحش والتعصب باسم الدين، والمعتقدات، تماما كما سبق ان فعلته الكنيسة المسيحية في اوروبا والقوى التي سيست الدين فساقت اوروبا الى ١٣٠ سنة من الحروب الدينية الهمجية. فتشابهت الافعال؛ هناك باعوا الجنة وصكوك الغفران وهنا باعوا مواعيد مع الرسول والصحابة والانبياء، ورهط الحوريات.
ولدت الحروب الدينية في اوروبا الحاجة لتحرير الدين من السياسة والمصالح، والاستئثار البشري، لتبرير المظالم والاضطهاد والتوحش والحكم باسم وتكليف من الله عز وجل، ففصل الدين عن  الدولة والسياسة، وتكرست العلمانية ودولها وعلمنت المؤسسة الدينية نفسها واعيد نظم الحياة السياسية بتحرير الدين من السياسة بتوثيق معاهدة وستفاليا ١٦٤٨، كذلك اصيب العرب والمسلمين بذات افة تسيس الدين فانتهت ظاهرات الاسلام السياسي وعسكرته الى التوحش والارهاب الاسود وتبديد طاقات وشعوب وفتوة الامة على مذبح تخديم اسرائيل وامريكا وحلفها العدواني.
بسقوط السنية السياسية والعسكرية بفصائلها الاساسية المتمثلة بحركة الاخوان المسلمين والوهابية ولقيطهم السلفية الجهادية المحلية والعالمية، تتوفر واحدة من العناصر المؤسسة لارتباك الشيعية السياسية، والعسكرية التي ارتقت وتعملقت واحتلت مكانة مؤسسة في الحقبة التي اعقبت الثورة الاسلامية في ايران التي قادتها المؤسسة الدينية بالتحالف مع البازار وحملت لواء الوطنية والسيادية بشعار لا شرقية ولا غربية جمهورية اسلامية كما تميزت بشعاراتها الاجتماعية الراديكالية بتبني الآية الكريمة "ونريد ان نمن على الذين استضعفوا في الارض ونجعلهم ائمة ونجعلهم الوارثين....".
وبانتصارها، وبما حققته من انجازات وبتبنيها شعار القدس وتحرير فلسطين وامريكا شيطان اكبر واسرائيل شيطان اصغر، انهضت الكتلة الشيعية في العرب والمسلمين وعززت من مكانتها ودورها في المسألتين الوطنية والاجتماعية وشكلت تجربة حزب الله والمقاومة الاسلامية في لبنان فتوحات استراتيجية بتحقيقها ومراكمتها الانتصارات في وجه اسرائيل والحقت بها هزائم تاريخية وبانتصارات اعجازية في زمنها وفي طبيعة موازين القوى التي كانت.
صعود الشيعية الجهادية والسياسية اسهمت في دفع السنية السياسية والعسكرية فاستدعتها وبررتها، ووفرت شروط وعناصر وتحديات صعودها حتى بلغت ذروتها في تشكيل القاعدة ومن ثم داعش والاخريات وتحقق للإخوان المسلمين بالتفاهم والتوافق مع امربكا والاطلسي السيطرة في السودان، وتونس ومصر وتشكيل قوة وازنة في الاردن واليمن والمغرب، والعراق وفي سورية كأحد اهم فصائل الارهاب المسلح والجيش الاسلامي الاردوغاني العثماني، وتم ذلك بإسناد وتمويل من قطر واستخدام من تركيا اردوغان وحزب العدالة والتنمية.
فبنفاذ صلاحية السنية السياسية والعسكرية وببلوغ ايران ذروة ما سعت اليه، بتمكنها من النووي والفضاء وصناعة السلاح وصمودها في وجه اقسى العقوبات وخوضها الحرب السرية والسيبرانية وحرب الممرات والسفن والناقلات والظفر بها، والاشتباك المباشر مع امريكا، واذلالها في مفاوضات تعويم الاتفاق النووي الذي مزقه ترامب الرئيس الامريكي، امنت ايران نفسها وحققت غايتها واتمت سعيها باقتدار وفي مسارها لتحقيق غاياتها كشفت امريكا والغرب على عجزه وازماته واسرائيل على افتقادها لدورها الوظيفي واسهمت بتامين وتأهيل الظروف والتوازنات لتحرير فلسطين من البحر الى النهر لمن يقرر ويحزم امره ويسعى اليها.
في المقارنة بين السنية السياسية والعسكرية والشيعية السياسية والجهادية التي تجسدت في مذهب الامام الخميني لولاية الفقيه يمكننا فهم الاسباب التي ادت لانهيار السنية السياسية والعسكرية واخفاقاتها وما اورثته للامة وللعالم الاسلامي من تخلف ومأسي وما انجزته الشيعية السياسية والجهادية.
فبينما تجسدت مذهبية ولاية الفقيه افعال وانتصارات وانجازات وطنية وقومية وتخصصت بالاشتباك مع العدو التاريخي للامة وللعالم الاسلامي وللقوى والشعوب المناضلة والساعية الى حقوقها ومدت يد العون والتضامن والاسناد للمقاومات والشعوب المناضلة في اسيا وامريكا الجنوبية والعرب على عكس السنية السياسة والعسكرية التي وظفت نفسها واستخدمت الاسلام في خدمة اعداء الامة والشعوب، وعندما تسنى لها الحكم في العديد من البلدان قدمت ابشع واسوء دول ومسؤولين وسياسات ادت الى افلاسات وانهيارات وثورات اطاحت بها وجردت قطر وتركيا اردوغان من ادواتهم ومن قدراتهم كما استنزفت الوهابية قدرات وامكانات السعودية والامارات في حروب ظالمة وعبثية في اليمن وسورية والعراق وليبيا وبتمويل العدوانية الامريكية والاسرائيلية ومصانع سلاحها.
لهذا يمكن الجزم بخطأ التقديرات والتحليلات التي تستعجل وتقول بانه بمجرد سقوط السنية السياسية والعسكرية سيؤدي اتوماتيكيا لسقوط الشيعية السياسية والعسكرية فالفرق فلكي بين الظاهرتين ولو تلازمتا زمنيا والواحدة خدمت الثانية وامنت فرص وشروط لصعودها.
الا ان سقوط السنية السياسية والعسكرية يسحب البساط من تحت الشيعية، ويزيل ضدها النوعي وتاليا يسوقها حكما الى تخفيف غلوائها، ويؤدي الى تراخي روابطها العقيدية وحوافزها المذهبية. وبتسارع الاجراءات التحررية والعلمانية لتي تخطوها مصر منبت الاخوان المسلمين والمملكة السعودية الدولة القائدة القاعدة للوهابية والسلفية، يتحول الصراع الذي هيمن على الاسلام منذ ١٤٠٠ سنة  بين المذاهب الى تنافس وتسابق وتحفيز على تحرير الدين والمذاهب من السياسة والتسيس والعسكرة وهذه تسهم بفقدان الخمينية لجاذبيتها ولحصاناتها المذهبية في مواجهة المذاهب والطوائف الاسلامية الاخرى، ومع تراجع وانهيار الهيمنة الاطلسية" المسيحية" في العرب والاقليم تفقد الدعاية الدينية كغلاف للقضايا القومية والسيادية  التحررية  مبرراتها وعناصرها الجاذبة والحافزة وتنتفي اسباب الحروب الدينية واو الطائفية والمذهبية.
الى ما تقدم ففراغ ايران من مهامها التحررية وتمكنها من سيادتها والاعتراف لها بموقعها الاقليمي وبلوغها الدولة النووية والفضائية، تتراجع ايضا الحافزية القومية التي شكلت احد اهم عناصر انتصار الثورة الاسلامية في ايران وشكلت صمغها القومي والوطني اللاصق وعززت وحدتها الوطنية ما مكنها من الصمود والثبات في وجه المؤامرات والحصار والتحرشات الامريكية والاسرائيلية.
هكذا تضع الظروف والتطورات والتحولات التي شاركت ايران في صناعتها وتحقيقها، امام حقبة جديدة وامام مهام من طابع تاريخي مستقبلي مختلفة عن التي كانت ووفرت لها شروط التمكن والوحدة الوطنية.
فايران اليوم اصبحت معنية بان تقدم رؤيتها ومشروعها في الاقليم، وفي العالم وتحولاته، واصبحت امام مهمة الارتقاء بشعبها وتامين حاجاته الروحية والمادية وتعظيم شأنه وتلبية مصالحه وحقوقه الاجتماعية، وهذه المهام بطبيعتها لا تستوجب تصعيد العداء مع امريكا والغرب، او مع المذاهب والطوائف والاديان ولا يفيد فيها الخطاب الديني، والغلو المذهبي، انما تحتاج الى ادارة رشيدة والى تطوير النظام والياته لتوسيع دائرة المشاركة الشعبية في السلطة واجهزتها، وتستلزم رؤية وخطط مستقبلية لها قابلية الحياة والتحقق في عالم جديد تجري عملية توليده في المخاضات والحروب الجارية في مختلف الساحات والقارات ومجالات الاقتصاد والسياسة والعسكرة. 
كما تستعجل ولادته التطورات والثورات العلمية والتقنية وما بلغته البشرية من عصرنة وليبرالية سياسية وفردية، وقدرة على التواصل وانتاج الافكار والاديان ووسائل ووسائط الاعلام والتنظيم والتفاعل والانتاج الذهني الاجتماعي بعيدا عن قيود الجغرافية وحواجز النظم واجراءات السلطات والتكليف الشرعي والالهي.
فعالم الانترنت والتواصلية والجو تواصلية، والعالم الافتراضي الذي بات يتفاعل مع العالم الواقعي ويؤثر فيه وبتحولاته، انتزع من يد النخبة الحاكمة وسائط السطوة والسيطرة واصبحت ملكيتها مشاع وشائعة بما في ذلك توليد النظريات والافكار والاديان والمذاهب وترويجها، وصناعة السلاح وامتلاكه  ما يوفر شروطا واسبابا موضوعية تلغي امكانيات تسيس الدين والمذاهب والحكم والتحكم باسم الله والانبياء والرسل والمهدي المنتظر.
بين ما بلغته ايران واستنفاذ حقبة التحرر وصيانة السيادة والتحول الى قوة اقليمية قطبية مرهوبة ومعترف بها، وتراجع وانحسار الاعداء والسنية السياسية والعسكرية واستنفاذ الكتلة الشيعية لدورها الرائد في المقاومة وانهاض الشعوب. تدخل ايران مرحلتها الجديدة مرتبكة، ويزداد نبضها واختلاجات بنيتها الاجتماعية، ما يغري اعدائها بالرهان على الاضطرابات والاستثمار بها ومحاولات ادارتها وتغطيتها الاعلامية كما جرى مع العراق وليبيا وسورية، وفي هذا السياق تفهم الحملة الواسعة التي تنتجها وتديرها فضائيات ووسائط تواصل وعوالم افتراضية تتوهم بان ايران عشية الانهيار والسقوط وانفجار بنيتها الاجتماعية، غير ان المعطيات الواقعية تفيد ان ما هو جار لا يتعدى كونه خلجات وتوترات محدودة وتحت السيطرة ولا تمثل سوى ارهاصات ومؤشرات عما سيكون وما يتوجب على ايران التنبه والتحوط له والاستعداد الاستباقي لمعالجته وربما مؤشرات لما يجب ان تسعى وان تكونه ايران في حقبتها الجديدة كدولة سيدة حرة معترف لمكانتها وبمصالحها.
ويخطئ كثيرا ويتوهم من يفترض ان مسالة الحجاب يمكن لها ان تتسبب بانفجار ايران واضطرابها.
وفي الاسباب التي نراها لقدرة ايران على احتواء الاضطرابات المحدودة الجارية فنجدها بالتالي؛ 
١- المؤسسة الدينية الايرانية كانت في طليعة القوى الوطنية والتحررية والاجتماعية وشكلت صمام امان للوحدة الوطنية ورفض الخضوع والتغريب، ففي ثورة ١٩٠٨ وثورات عشرينات القرن وخمسينياته كانت المؤسسة الدينة قوة اسناد وادارة بطابع اجتماعي وطني، وفي حقبة الازمة لعبت دورا محوريا في قيادة الحراك وانتجت ثورتها بسماتها التحررية السيادية والاجتماعية والشادور والحجاب من تقاليد وقيم وازياء المجتمع الايراني المتدين، وتاليا فقضبة الحجاب قضية قشرية قد تستقطب حالات وفئات محدودة لا تلامس اهتمامات الشعب الاجتماعية والاقتصادية والوطنية ومهما تم النفخ فيها فبمكن للدولة احتوائها لاسيما وان الدستور والتجربة الايرانية احترمت المرأة وعززت مكانتها وحقوقها ومشاركتها في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية ووفرت لها الضمانات القانونية والدستورية.
٢- اختبرت ايران سابقا وفي سورية والعراق الثورات الملونة والافتراضية والافتراءات وحروب الاعلام والناعمة وقادرة على اجهاضها.
٣-ايران في وضع انتصاري في معارك كبرى وهذه تفيد الدولة والمؤسسة الدينية.
٤-نجحت ايران بطريقة ابداعية وبدستور عصري في احتواء تناقضاتها واختبار كتلها وتحولاتها ولعبت لعبة تبادل السلطة بين الراديكاليين والاصلاحين وعندما دعت الحاجة حسمت ووحدت المؤسسة الدينية والحاكمة وانتجت انتخابات سلسلة جاءت برئيسي ووحدت فرق الدولة والمؤسسة، وتراجعت التشققات والتباينات بين اطراف المؤسسة الدينية والحاكمة، فانعكس ذلك بتفعيل ديناميات الدولة ومؤسساتها وتماسكها وتحقيق فاعلية، وسلاسة عمل  منتج ومنتظم فوفرت بسنة اكثر من ٩٥٠ الف فرصة عمل، وحققت انجازات ملموسة وتعيش ايران حالة انفراج مالي واقتصادي وتزداد صادراتها النفطية والغازية وتبادلاتها مع العالم واوراسيا وحواضنها روسيا والصين والهند واصبحت كاملة العضوية في شنغهاي.
هذه العناصر والعوامل موضوعية وواقعية معاشه، توفر للدولة كل الفرص والامكانات لاحتواء اضطرابات عابرة لا تتوفر لها قضايا وموضوعات وقطاعات اجتماعية حاملة ومتضامنة.
الا ان الاضطرابات على محدوديتها وهامشيتها لابد ان تلفت القيادة الايرانية الى ان الظروف والحقبة ومهماتها تختلف جوهريا عما سبق وتنتصب في وجهها مهام من نوع؛ 
- التخلي عن وسائل ووسائط الالزام والقسر قي مسائل الحرية الشخصية بما في ذلك مسالة العقيدة والتدين واللباس، والهوايات وخلافها من انماط الحياة الشخصية، فالليبرالية الشخصية اصبحت حقيقة واقعة تعمقها التواصلية والجو تواصلية وعالم الشبكات والتفاعل.
-الاشتغال بالماضي وصراعاته واستحضارها لم تعد وسيلة فعالة في قيادة الشعوب ولا التخويف من البعبع اسرائيل وامريكا، والسنية المسلحة والسياسية، انما باتت الشعوب تقاد بالأمل وبالمشروع والوعد المستقبلي العملي وممكن التحقق.
- المسالة القومية واحترام الاقليات والهويات المؤسسة، لم يعد من امكانية لطمسها او دمجها قسريا بل احتوائها تفاعليا، بتلبية حاجاتها، فالمسالة القومية تعود بقوة كردة فعل على العولمة بنسختها الامريكية وبحوامل الازمات الانهيارية التي تضرب المجتمعات المعولمة والليبرالية الاقتصادية، وصعود روسيا وخطابها القومي والخطاب الصيني القومي والاهم صعود القومية الامريكية واحتمال هيمنتها على امريكا واعادة ضبط دورها وسياساتها على اولية تلبية المصالح الامريكية اولا وقد جسد الظاهرة بقوة ترامب وان عادت الترامبية في الانتخابات النصفية فستكون مهيمنة وحافزة للأقليات والقوميات التي لم تكتمل شخصيتها بإنجاز وحدتها الوطنية وتحقيق دولة الامة، وفي المسألة القومية والاثنية والحريات الشخصية وتلبية حاجات الناس المادية لا تفيد التعبئة الدينية والمذهبية، والتكليف الشرعي والشواهد كثيرة وقاطعة كما في علاقة ايران مع اذربيجان الشيعية وانتفاض شيعة العراق في وجه ايران واذرعها في العراق.
- تحرير الدين من السياسة وعقلنة النظم والسلطات والثقافة والقيم بما في ذلك المؤسسات الدينية فقد اصبحت حاجة وستفرض نفسها كحقائق معاشه لقطع الطريق على الحكم باسم الله وسلطته وتفويضه المزعوم للبشر.
- اشتقاق المشروع والرؤية لاقتصادية الاجتماعية لتلبية حاجات الناس المادية واحترام حاجاتهم وخياراتهم العقيدية والسياسية اصبحت مهمة راهنة واولوية الاولويات.
هل ستتصدى ايران لمهام الحقبة الجديد بتقانة وتنجح كما فعلت في ال٤٣ سنة على الثورة؟؟ 
مازال الوقت متاح وفرص ايران وافرة وظروفها متوفرة بما في ذلك الاجتهاد في الاسلام ونموذج الامام الخميني ومبدا ولاية الفقيه حاضرة ودليل عملي.

 

تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram

نسخ الرابط :

(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)

:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي

 

Telegram