رفعت ابراهيم البدوي
تطفئ منظمة الأمم المتحدة شمعتها 77، وهي واحدة من أكبر وأشهر المنظمات الدولية، تأسَّست عام 1945 بعد الحرب العالمية الثانية، وقد حدَّد ميثاق تأسيسها المحافظة على السلم والأمن الدوليين عن طريق اتخاذ تدابير جماعية فعَّالة لمنع الأخطار التي تهدد الأمن العالمي وتنمية العلاقات الودية بين الدول، على أساس احترام مبدأ المساواة في الحقوق وتقرير المصير للشعوب، وتعزيز وتشجيع احترام حقوق الإنسان، وتأمين الحريات الأساسية للجميع دون تمييز، بسبب العرق أو الجنس أو اللغة أو الدين، بالإضافة لأن تكون مركزاً لتنسيق أعمال الدول في تحقيق هذه الغايات المشتركة.
تتكون الأمم المتحدة من ستة أجهزة رئيسة هي: الجمعية العامة، ومجلس الأمن، والمجلس الاقتصادي والاجتماعي، ومجلس الوصاية، ومحكمة العدل الدولية، والأمانة العامة، كما تضم منظومة الأمم المتحدة العديد من الوكالات المتخصصة والصناديق والبرامج مثل مجموعة البنك الدولي ومنظمة الصحة العالمية وبرنامج الغذاء العالمي واليونيسكو واليونيسيف، وكذلك يجوز منح المنظمات غير الحكومية صفة استشارية لدى المجلس الاقتصادي والاجتماعي والوكالات الأخرى للمشاركة في أعمال الأمم المتحدة.
بعد مضي سبعة وسبعين عاماً على إنشاء منظمة الأمم المتحدة والمؤسسات والمجالس والمحاكم والوكالات وصناديق مجموعة البنك الدولي التابعة لها، يشهد العالم حروباً متعددة ومدمرة تهدد السلم والأمن الدوليين، أدت إلى حدوث شق واسع بين المجتمعات، مع غياب تام لمبدأ المساواة في الحقوق بين الشعوب، بالإضافة إلى ممارسة التمييز الفاضح لحقوق الإنسان في العرق أو الجنس وحتى في لون البشرة وفي الانتماء الديني والسياسي وخصوصاً في دولنا العربية: فلسطين والعراق ولبنان وسورية وليبيا والسودان واليمن، وبذلك نكتشف أن منظمة الأمم المتحدة لم تتمكن من تحقيق أي من الغايات المشتركة التي أنشئت على أساسها.
لم يعد مخفياً سيطرة الولايات المتحدة الأميركية على منظمة الأمم المتحدة والهيمنة على قراراتها السياسية والاقتصادية والأمنية وإدارة الأزمات وتجيير مقررات الأمم المتحدة كافة لمصلحة أميركا الهادفة إلى التحكم بالعالم وبشكل أحادي من خلال شبكة مؤسسات مرتبطة بالأمم المتحدة ربطت التبادل الاقتصادي بين الدول من خلال نظام مصرفي عالمي، ملزم بتداول بالدولار الأميركي كعملة أساسية في نظام التحويلات المصرفية «السويفت» وذلك لضمان التحكم بالاقتصاد العالمي والاستيلاء على ثروات ونفط وغاز الدول لمصلحة الولايات المتحدة الأميركية وبالتالي لمصلحة العدو الصهيوني.
سقطت مبادئ الأمم المتحدة في الامتحان الأول مع احتلال الصهاينة لفلسطين، ومنذ إعلان الاعتراف بدولة الكيان الصهيوني إسرائيل في 1948، حيث أسقطت كل الغايات التي أعدت لتحقيقها وهي العدل وإرساء الأمن والسلام بين الشعوب، في حين يبقى احتلال فلسطين العار الذي يلاحق العالم المؤمن بالعدالة وبالحرية وبتقرير مصير الشعوب.
سقطات الأمم المتحدة توالت وبشكل مريع وخصوصاً في ما خص قضايانا الإقليمية والعربية، فمنذ الاعتداء الثلاثي على قناة السويس 1956 واعتداء العدو الإسرائيلي على مصر وسورية وفلسطين عام 1967، واحتلاله لصحراء سيناء وكامل مدينة القدس والضفة الغربية، إضافة إلى احتلال الجولان السوري، لم تأخذ الأمم المتحدة موقفاً واحداً وحازماً يدين الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية، بيد أن كل قراراتها كانت توضع في خانة شرعية العدو في الدفاع عن نفسه، وبالتالي تمييع الإدانة، فيصبح صاحب الحق مداناً وإرهابياً، أما المغتصب الإسرائيلي فهو صاحب الحق.
الأمم المتحدة بدت وكأنها تعمل كموظف رفيع ومطيع لأميركا، أو كانت أميركا تتلطى خلف الأمم المتحدة لتأمين مخططاتها المشجعة على تفتيت دول أوروبا الشرقية وتغطية انضمام دولها الحديثة إلى الناتو، فقط من أجل محاصرة روسيا الاتحادية وإضعافها، كما كان الحال مع فنلندا والسويد ومولدوڤا وكوسوفو وصربيا وغيرها، وإن كان الثمن ارتكاب مجازر بشعة كما حصل في سيربينيتسيا وجورجيا وآخرها في دونباس.
أما اجتياح أميركا للعراق عام 2003 بحجة امتلاكه أسلحة الدمار الشامل، فقد كانت أكذوبة مفضوحة، بقيت ماثلة أمام العالم وبتستر من منظمة الأمم المتحدة ومن اللجنة المنبثقة عنها «أونوسكوم» المخصصة للتفتيش عن أسلحة الدمار الشامل، في غرفة نوم الرئيس العراقي صدام حسين، ومع ذلك لم تجرؤ الأمم المتحدة، على إدانة أفعال أميركا بارتكابها أفظع الجرائم بحق الإنسانية وبحق الشعب العراقي.
نائب وزير الخارجية السوري بشار الجعفري وهو الذي خاض بنجاح واقتدار غمار تجربة الدفاع عن سورية بدبلوماسية رفيعة في أروقة الأمم المتحدة خبر خباياها وكشف دهاليزها المظلمة.
يقول الجعفري: في نهاية عام 2008 اجتمع مجلس الأمن وبشكل سري للبحث في نتائج تقرير لجنة «أنموڤيك» التي حلت محل «أونوسكوم» والتي خلصت إلى تقرير فارغ ينفي وجود أسلحة دمار شامل بالعراق وبناء عليه استدعي أعضاء مجلس الأمن لاجتماع شبه سري، للبحث في حصيلة نتائج «أنموڤيك» الذي ثبت أيضاً خلوه من أي نتائج حسية.
يضيف الجعفري: كنت واحداً من السفراء المشاركين في الاجتماع واكتشفت فبركة قرار إنهاء مهمة «أنموڤيك»، من دون الإشارة إلى خلو المضمون من أي اتهامات، وخوفاً من اكتشاف أكاذيب وألاعيب الإدارة الأميركية وانكشاف دور الأمم المتحدة في تغطية ألاعيب التزوير الأميركي في العراق، وبناء عليه وبسرية تامة اتخذ مجلس الأمن قراراً بدفن أرشيف «أنموفيك» في صناديق فولاذية في الشارع 47 في نيويوك، وبوضع حراسة مشددة عليها ويمنع الكشف عنها لمدة ستين عاماً، كي لا تتعرف شعوب العالم على فضائح الكذب الأميركي الذي مورس على المجتمع الدولي والذي استمر لأكثر من 17 عاماً وبتغطية من الأمم المتحدة، تماماً كما حصل مؤخراً في ملف تحقيق امتلاك سورية للأسلحة الكيميائية.
تقرير نائبة المبعوث الخاص إلى سورية نجاة رشدي ورئيس لجنة التحقيق الدولية التابعة للأمم المتحدة سيرجيو بينييرو، الذي تحدث عن عدم وجود إمكانية لعودة النازحين السوريين إلى سورية والعيش في مناطق سيطرة النظام، ما هو إلا قرار يفتقر لأي مصداقية يهدف إلى استمرار بقاء المجتمع السوري مشتتاً خدمة للعدو الصهيوني.
هذا التقرير الأممي السلبي تم تلفيق مضمونه كما جرى في العراق، وذلك للتهويل على النازحين السوريين وتخويفهم من العودة إلى بلدهم، وإبقاء المجتمع السوري مشتتاً، مع العلم أن أكثر من 17 مليون سوري يعيشون بأمن وأمان في كنف الدولة السورية، رغم الظروف الاقتصادية القاسية ورغم العقوبات الجائرة والحصار الأميركي المفروض على الشعب السوري، وبتغطية من الأمم المتحدة.
كثيرون هم المهللون لقيام نظام عالمي جديد ومتعدد وآخر بشائره قمة شنغهاي التي تمثل أكثر من نصف سكان العالم، لكن وبكل صراحة نقول: إن مثل تلك المنظمات يمكنها تشكيل تكتلات تجارية اقتصادية وأمنية مشتركة فيما بينها، لكنها تبقى منظمات عاجزة عن ترجمة أي نظام عالمي متعدد جديد قائم على معايير جديدة، ما لم تتمكن من إدخال إصلاحات جذرية على منظمة الأمم المتحدة تكفل وقف الهيمنة الأميركية الإسرائيلية على قرارات الأمم المتحدة ومؤسساتها، وإلا فستبقى أميركا متحكمة بالعالم وبثرواته وبشكل أحادي بوساطة منظمة الأمم المتحدة ومؤسساتها.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :