يكتنف الغموض مسار الاستحقاق الرئاسي سواء لجهة إمكان الإيفاء به في موعده الدستوري او لجهة هوية الشخصية المرشحة للوصول إلى قصر بعبدا.
مع ذلك، فإنّ هناك بعض الأسماء التي تبدو متداولة اكثر من غيرها بـ»الفطرة السياسية»، قبل الحسابات الموضوعية، من دون أن يعني ذلك أنّ بمقدور اي احد حسم الوجهة النهائية منذ الآن، خصوصًا انّ كل الأفرقاء يملكون القدرة على استخدام الفيتو التعطيلي الذي يستطيع منع مرشح من الوصول، وإن كان لا يستطيع في المقابل فرض مرشح.
من بين الاحتمالات «الصامدة»، يأتي رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية الذي يبقى اسمه كمرشح «بديهي» مقيمًا في الضوء، وإن كان الرجل لا يزال يخوض معركته الرئاسية في الظلّ حتى الآن، إلى حين حلول اللحظة المناسبة للخروج الصريح إلى العلن.
ويبدو انّ هذا التوقيت لم يعد متأخّرًا، إذ عُلم انّ فرنجية سيطل في حوار سياسي يوم الخميس في 22 أيلول المقبل عبر برنامج «صار الوقت» على محطة «أم تي في»، الأمر الذي قد يشكّل نقطة تحوّل في نمط مقاربته لانتخابات رئاسة الجمهورية.
ولئن كان خصوم فرنجية يستبعدون نجاحه في عبور المسافة الفاصلة بين بنشعي وبعبدا بفعل توازنات المجلس النيابي التي تستوجب حصول توافق عابر للاصطفافات على اسم الرئيس، وهو امر لا ينطبق في رأي هؤلاء على فرنجية، لأنّه جزء من اصطفاف واضح، الّا انّ المتحمسين له يصرّون في المقابل على أنّ فرصه متقدّمة وجدّية، لافتين إلى انّ الخيار الاستراتيجي الواضح الذي يحمله عن اقتناع، لا ينفي كونه رجل حوار يتحلّى بمقدار كبير من المرونة والبراغماتية اللتين تسمحان له بالانفتاح على الجميع في الداخل والخارج، وبالتالي فهو يملك القابلية لأن يكون شخصية توافقية، ولكن ليست بلا لون ولا طعم.
وفي حين يطرح منافسو فرنجية، معيار «المرشح القوي» لاختيار رئيس الجمهورية، مفترضين انّ من شأن ذلك أن يؤدي إلى استبعاده تلقائيًا عن السباق الرئاسي، لأنّ تمثيله النيابي متواضع بالمقارنة مع كتلتي «التيار الوطني الحر» و»القوات اللبنانية» على سبيل المثال، يردّ المتحمسون لفرنجية بأنّه أقوى مما يظن البعض، انما ربطًا بمقياس آخر يرتكز على «القوة الناعمة».
ويشرح هؤلاء، بأنّ التيار يستند إلى كتلة من 18 نائبًا و»القوات» إلى كتلة من 19 نائبًا، «بينما يمكن التقدير انّ فرنجية يستطيع تلقائيًا بتقاطعاته استقطاب ما يفوق 50 نائبًا عابرين للطوائف، ويمكن ان يشكّلوا نواة جلسة انتخاب الرئيس، وبالتالي فإنّ مفهوم الانتخابات النيابية يختلف عن تلك الرئاسية، ومحك «القوي» في الثانية ليس كم نائب تضمّ كتلته المقفلة، بل كم عدد النواب الذين بمقدوره ان يجمعهم حوله، بحيث انّ المعيار الوطني هنا لا يقلّ أهمية وشأنًا عن ذاك المسيحي»، تبعًا لأصحاب تلك المقاربة.
َوحتى بالمعيار المسيحي المحض، هناك في الوسط السياسي من يلفت إلى انّ فرنجية لا يأتي من فراغ، «بل ينبثق من تكتل مسيحي يضمّ 4 نواب وحاز على نحو 50 ألف صوت في الانتخابات النيابية، إضافة إلى انّ فرنجية كان جزءًا من لقاء المرشحين الطبيعيين الأربعة (الأقطاب المسيحيين) الذي سبق ان استضافته بكركي من قبل، ما يمنحه غطاء الكنيسة المارونية ويثبت انّه احد مكونات الوجدان المسيحي».
ويطيب لأحد مراقبي سلوك فرنجية ان يصف الاسلوب الذي يستخدمه في السباق الرئاسي بأنّه كمن يستعمل طريق «القادومية» (وفق المصطلح الشائع في القرى) لبلوغ هدفه بدل الطريق الأساسية المعتمدة من العموم»، «وهو بذلك يمكن أن يصل إلى حيث يذهب قبل الآخرين».
ويعتبر المقتنعون بخيار فرنجية، انّ إحدى عناصر قوته المحورية انما تكمن في انّه «يجمع في خطّه السياسي العريض اتفاق الطائف ومشروع المقاومة جنبًا إلى جنب، محققًا بذلك تقاطعًا جوهريًا»، مشيرين الى انّ المرشح الذي يختزن مثل هذا التقاطع هو المنافس الوحيد لفرنجية.
ويعتبر أصحاب هذا الرأي، انّ تاريخ الولادة السياسية الرسمية لفرنجية انما تزامن اصلاً مع ولادة اتفاق الطائف عام 1990 «ولهذا الأمر دلالاته الرمزية، كذلك هو إبن مشروع المقاومة منذ ايام جدّه سليمان فرنجية المعروف بعدائه التاريخي للكيان الاسرائيلي».
ويؤكّد محبذو خيار فرنجية انّه يعلم أنّ هناك حاجة لتفاهمات مع كتل اساسية «وبالتالي هو منفتح على الحوار الإيجابي في كل الاتجاهات، لاسيما انّ الجسور بينه وبين المكونات الداخلية غير مقطوعة، وحتى من قتلوا اهله سامحهم».
نسخ الرابط :