٤/...
العراق التجربة المرة. هل يكون المقتلة؟؟
من المنطقي ان يكون العراق وكتلته الشيعية اول واسرع من يتفاعل مع الثورة الاسلامية في ايران، فالحدود طويلة والتداخل تاريخي، والكتلة الشيعية كبيرة ووازنه ودورها الوطني والقومي مشهود لها كما في ثورة، والامام الخميني اقام مدة في النجف الاشرف وتعرف على العراق والعراقيين، وهم عرفوه عن قرب وتتلمذ مراجع على يده، وفي النجف الاشرف خط مبادى ولاية الفقيه، في محاضراته وكتاب الحكومة الاسلامية، فقد كانت حقبة الاربعينات والخمسينات في العراق كما في الشام والمشرق العربي حقبة غليان فكري ونضالي تفاعلت فيها الحوزات وطلابها والنخب والجامعات و تلاقحت فيها شتى النظريات والافكار كالبعثية والناصرية والشيوعية والاسلامية بتلاوينها، وتمكن الاخوان المسلمين من بناء نقاط ارتكاز في العراق وتشكلت لهم تنظيمات وهياكل، وقد تأثرت الحركة الاسلامية العراقية بكتب سيد قطب لاسيما الحاكمية بالإسلام وتم تشكيل نويات حزب الدعوة الاسلامية كفرع شيعي للإخوان المسلمين، فتأصلت العلاقة الفكرية بين حزب الدعوة والاخوان والحركة الاسلامية العراقية التي كان لها دور في اسناد ومناصرة المؤسسة الدينية في ايران التي تميزت تاريخيا باحتضانها للموقف الوطني والاجتماعي ولعبت دورا بارزا في ثورات ايران لاسيما مع بداية القرن العشرين وفي ثورة ١٩٠٨، وتعمقت العلاقة بين النجف وقم كمرجعيات للشيعة الاثني عشرية ولو استبطنت صراعا لم يخبو ابدا. فلمن تكون المرجعية العليا في الامامية الاثنا عشرية، للنجف ام لقم.
المنطقي ان تستنهض الثورة الايرانية بشعاراتها السيادية والاجتماعية الكتلة الشيعية وتحفزها للخروج عن حوزاتها الصامتة، وقد غلبت على امرها بعد ثورة العشرين التي كانت قوتها الاساسية وتحملت أعبائها بما في ذلك استبعادها من السلطة وتجاهل مناطقها، ولو ان البعث ارتكز كالحركات القومية اليسارية على الكتلة الشيعية ولم يكن عنده تفريق بين الطوائف والمذاهب لعلمانيته ومدنيته.
ثم اطلقت حرب صدام الممولة خليجيا والتي قادتها امريكا والاطلسي ضد ايران وثورتها تفاعلات زادت من تشققات العراق المجتمعية وعمقت الانقسامات المذهبية والاثنية وزادت مفاعيل التضامن مع ايران.
شكل غزو صدام للكويت ومن ثم عاصفة الصحراء والهزيمة المدمرة للجيش العراقي عنصر تحفيز لموجة انتفاضيه في الجنوب ومحافظاته وفي كردستان استثمرتها امريكا في فرض مناطق حظر الطيران، واخلت بالتوازنات الاجتماعية في الدولة والجيش العراقي وادت عمليات الاضطهاد القاسية للحركات والاحزاب السياسية من نظام صدام حسين بزيادة النقمة الشيعية عليها وتعاظم التعاطف مع الثورة الايرانية وادت الملاحقات للجوء كتل كبيرة من شيعة العراق ونخبتها العلمية والسياسية الى ايران لتي تحولت الى ضامن وحافظ وممول لحركاتها السياسية والعسكرية.
الحصار الامريكي ومناطق حظر الطيران والقصف الدوري لمواقع الجيش والدولة وقطاعاتها انهكت النظام ووفرت الاسباب والشروط للانكفاء الشعبي من حوله وامنت شروط الغزو الامريكي للعراق، ٢٠٠٣ والإجراءات التدميرية للدولة والمجتمع بقرار بريمر حل الجيش واجهزة لدولة وتدميرها، ومن ثم اطلاق العملية السياسية بشراكة محورية ببن الشيعية السياسية والعسكرية ومع الكرد، وبإسناد من ايران ابطنت تفاهمات تحت الطاولة بين الأمريكيين والإيرانيين لإعادة صياغة وتشكيل الدولة العراقية ومؤسساتها بحيث تصبح محاصة ايرانية امريكية اليد العليا فيها للمحتل الامريكي، وتم استنساخ المسخ اللبناني في دستور المحاصة الطائفية والاثنية، والجهوية في العراق، لتكريس التوازنات التي ارساها الاحتلال واجراءاته ودستوره، فلعبت الفصائل التي احتضنتها ايران وخاصة حزب الدعوة موقعا اساسيا في العملية السياسية.
بينما تشاركت الشيعية السياسية والعسكرية المدعومة من ايران مع المحتل الامريكي في اعادة صياغة وهيكلة السلطة والمجتمع العراقي ما وفر فرص للنهب والافقار وتدمير العراق وتعطيل فرص عودته موحدا فاعلا في بيئته، تول الجيش العراقي السابق والبعث وفدائي صدام المقاومة وتشكلت الكتلة السنية كبيئة حاضنة وفرت المزيد من الشروط لتوطن السنية الجهادية بفصائلها المختلفة وخاصة القاعدة التي تحولت تحت تأثير الفكر البعثي وضباط فدائي صدام الى داعش.
تسبب الاحتلال، والتفاهمات مع ايران على ادارة العراق بحرب اهلية سنية شيعية طاحنة، حاول فيها مقتدى الصدر وجيش المهدي الناي بالشيعية السياسية والعسكرية العراقية عنها، فأول من دعا ومارس فعل المقاومة ضد الاحتلال الامريكي وحاول بكل قوة اسناد المدن السنية لتعزيز الوحدة واللحمة الوطنية خاصة عندما تعرضت الفلوجة لهجمة شرسة لتدميرها، الا ان حزب الدعوة بقيادة المالكي كرئيس وزراء للعراق قاد موجتن من الحرب الاهلية الشيعية الشيعية بقبول وتواطئ ايراني وبتعاون مع المحتل الامريكي لتدمير جيش المهدي ومحاولات شطب مقتدى الصدر الوارث للمرجعية الصدرية العراقية واسعة التأثير والانتشار والولاء، والمرجعية الصدرية كالسيستانية، وكمرجعية السيد محمد حسين فضل الله في لبنان لم تقبل بمرجعية الخميني ولا ناصرت مذهبية الولاية وولاية الفقيه واحتفظت لنفسها بحق المرجعية الشيعية الاثنى عشرية.
هكذا سارت العلاقة بين الصدريين والفصائل الموالية لإيران على حبل مشدود وبحالة توتر شبه دائمة تحققت فيها الغلبة لحزب الدعوة وفصائل ايران لاختلال موازين القوى بسبب التفاهمات الايرانية الامريكية على المقاسمة والمحاصة في العراق وثروته، ولانشغال السنية السياسية بتوازناتها وتشققاتها بين الولاء للتركي والاخوان والولاء للسعودية والامارات وقطر، والقاعدة الاجتماعية انحازت لصالح القاعدة ووريثتها في العراق داعش، ولم تتأمن حواضن للصدرية للموازنة مع حواضن حزب الدعوة والفصائل الاخرى فغلبت الصدرية على امرها وكمنت وقبلت الوساطات وفوضت قائد قوة القدس الشهيد قاسم سليماني بالأمر، وكان المهندس القائد الشهيد شخصية مؤثرة وقادرة على تدوير الزوايا لمنع تجدد الحرب الاهلية الشيعية في العراق.
افرطت الفصائل الشيعية الموالية لإيران بالاستثمار في الدولة ومؤسساتها ومراكزها واسهمت مع ادوات امريكا وحلفائها وخبرائها في تبديد ثروات العراق ونهبها وتدمير البنى التحتية، وتحويل العراق وشعبه الى متسول ولاجئ، ويفتقد الى ابسط حاجات الحياة من الماء والكهرباء والشرب والاكل والادوية والاستشفاء، والعمران على العكس تماما مما كان عليه العراق في عهد البعث وصدام حسين، الامر الذي بدا يترك انعكاسات سلبية على الدور الايراني والفصائل الموالية، وقد اجادت امريكا وحلفائها بتحميل ايران وفصائلها العراقية مسؤولية ما بلغته الازمة من عسف وانهيار، ونجحت السفارة الامريكية بتأليب الرأي العام وتحفيز مجاميع الngos على قيادة تحركات الشارع في وجه النظام ودفعت الى اعتداءات وحرق لمقار فصائل من الحشد الشعبي الموالية لإيران والتعدي على الزوار الإيرانيين وعلى القنصليات الايرانية في البصرة والكوفة والنجف معقل الشيعية السياسية والعسكرية والدينية.
وتوجت التحركات نتائج الانتخابات التشريعية التي كشفت فصائل الحشد الموالية لإيران على حجمها وتحملها مسؤولية الازمة والانهيار، بينما صعدت الكتلة الصدرية، التي انخرطت لحسابها في التحركات واستثمرت بتحالفاتها لإضعاف وهز مكانة حزب الدعوة وفصائل الحشد الموالية لإيران وبسبب اللعبة السياسية وقواعدها والمحاصة والتفاهمات الامريكية الايرانية التي مازالت جارية تعطلت العملية السياسية واستمرت الحكومة المستقيلة بإدارة البلاد والمحاصة والتعطيل بذريعة الميثاقية، وكل ذلك يحمل ايران ودورا المزيد من الاعباء والمسؤوليات ويزيد في اتهام الدور الايراني في العراق ومسؤوليته بتدمير العراق وتفتيته ووضعه في حالة العطالة وتحت امرة المحتل الأمريكي بمحاصة يد ايران هي الدنيا فيها، واللافت ان شعارات المقاومة والتزامات السيد حسن نصرالله بالثأر لدم سليماني والمهندس بطرد الامريكي من العراق وسورية لم تجد صداها في العراق ولا وضعت عمليا موضع التنفيذ، ما يشي بحجم تراجع دور المقاومة وقوة القدس وانحسار تأثيرها على الفصائل الشيعية العراقية ومدى ضعف وكلاء حزب الله وقوة القدس في العراق.
ما تقدم لا يتجاهل حجم الممارسات الانتقامية ضد البعث والجيش والطيارين والخبراء العراقيين التي نفذتها فصائل موالية لإيران ويقال بإشراف الحرس والامن الايراني وهذه تسجل ضد ايران في العراق.
وايضا لا يجب تجاهل الدور الايراني المباشر وعبر قوة القدس وخبراء حزب الله في مواجهة داعش وتلبية فتوى الجهاد التي اطلقها السيستاني والمراجع لحماية العراق من الارهاب الاسود الذي مثلته داعش وقد لعبت فصائل الحشد دور مرموق في الحرب بالتنسيق والحماية والسيطرة الجوية الأمريكية وفي الجيش ومؤسساته ما ينتقص من دور ايران والحشد والشيعية السياسية والعسكرية ويبقى الكلمة لفصل في العراق للأمريكي وحلفائه في الدولة والمجتمع.
تجربة ايران في العراق، وتورط الفصائل والزعامات المحسوبة عليها بالتحاص مع المحتل وادواته في نهب وتدمير العراق وتجويع شعبه يسجل نقاط ضد ايران ومشروعها واسنادها لمحور ودول وفصائل المقاومة لتحقيق تحرير فلسطين والسيادة الوطنية العربية.
كما تنذر التطورات والتوازنات في العراق باحتمالات تصاعد النقمة على ايران والفصائل الموالية، في الكتلة الشيعية، وستتضامن معها السنية ولن تدافع الكردية عن ايران وفصائلها، حتى يمكن القول ان مصير ايران في العراق قد يزيد على ما حصده السوري بعد اغتيال الحريري وربما افظع والارتكابات التي وقعت والصقت بإيران او حلفائها هي اعلى واخطر بألف مرة من التي ارتكبت اثناء الوجود السوري في لبنان.، وتتراجع قدرات ايران في ادارة ملفات العراق بغياب القائد سليماني والقائد المهندس مما يرجح ان تتفلت الامور وتندفع الكتلة الشيعية الى حرب اهلية شيعية شيعية تعجز ايران عن احتوائها وتتحول جزء من الكتلة الشيعية الى العداء لإيران وتجربتها ما قد يؤدي الى اضعاف ايران في العراق، وبدء رحلة التراجع والانحسار الايراني في العرب والمسلمين، خاصة بعد ان استنفذت الشيعية السياسية والجهادية دورها كرافعة وعامود في انهاض المقاومة ومشروعها ونصرة محورها وتحولها في لبنان واليمن والعراق الى الاستئثار بالسلطة والمكاسب وتطوعها لتتحمل اعباء سقوط نظم ودساتير المحاصة وتقاسم النفوذ والمصالح وقد بلغت تلك النظم في لبنان والعراق ذروة ازماتها وتتداعى وعلى عتبة انهيارات جارفة.
وفي السياق لا يجوز نكران دور ايران في العراق ودور اذرعها العراقية فقد اسهمت نوعيا بصمود سورية وانتصاراتها وبإسناد فصائل المقاومة في فلسطين، واعدت لتكون جبهة في اية حرب تقع مع إسرائيل وهذه تسجل لصالح ايران واولويتها تحرير القدس.
كما وفرت الساحة العراقية والدور الايراني فيها فرص لاستنزاف واضعاف امريكا وحلفها وكشفها على ضعفها وانسحابيتها وهذه ايضا ترصد لصالح انضاج الشروط والظروف لتحرير فلسطين ان توفرت القوى الراغبة والجاظة.
.... يتبع
غدا؛ في اليمن تجسدت الفطنة والعبقرية الايرانية ..
نسخ الرابط :