ما يجري في المؤسسات والدوائر المتهالكة للدولة يكاد لا يُصدّق، ومن يعرف تفاصيل يومياتها يشعر بأنّ هذه الدولة، الآخذة في التحلّل المتدحرج، آيلة الى السقوط الكامل قريبًا، ما لم يتم تدارك تفتتها، علمًا انّ بعض أجزائها بدأ يتهاوى تباعًا، كما يحصل مع أجزاء من الإهراءات في مرفأ بيروت.
مع تراكم الوقت الضائع والمكلف في ظلّ حكومة تصريف الأعمال، تلجأ السلطة إلى لعبة الطرابيش لتأخير الفوضى الشاملة، في ظلّ الخلاف المستمر حول خطة العلاج الجذري، فتحاول ان تأخذ من جيب المواطن عبر الدولار الجمركي، على سبيل المثال، لتضع قليلًا من الفتات في جيب الموظف، استكمالًا لمأساة لحس المبرد.
ويكفي للمرء ان يلقي نظرة خاطفة على حال المؤسسات والدوائر الرسمية حتى يتبين له كم انّ الوضع بات بائسًا:
الإضراب ينخر عظام القطاع العام الذي أصبح معظم موظفيه لا يستطيعون الوصول إلى مراكز عملهم نتيجة ارتفاع كلفة النقل وتآكل رواتبهم وتواضع المساعدة الاجتماعية التي تقرّر منحهم إياها.
السفراء وموظفو البعثات الدبلوماسية في الخارج ليسوا أفضل حالًا، وهم لم يتقاضوا رواتبهم منذ شهر ايار. وإذا كانت بعض البعثات التي تستطيع تحصيل موارد قنصلية قد لجأت إلى الاكتفاء الذاتي، بإذن من وزير الخارجية، لتمويل الحدّ الأدنى من نفقاتها التشغيلية بعدما توقف تحويل المال لها من الخزينة، فإنّ هناك بعثات أساسية في نيويورك وجنيف وغيرها، تفتقر إلى مثل هذا المورد وتعاني الأمرّين.
القضاة بدورهم أعلنوا الإضراب الاحتجاجي الشامل ورفعوا الصوت اعتراضًا على انهيار قيمة رواتبهم وعدم زيادتها وفق ما يطمحون اليه، ما تسبب في تعطيل السلطة القضائية وشلل العدالة والقانون.
القوى الأمنية والعسكرية تعاني من النقص في احتياجات لوجستية حيوية تهدّد بعرقلة مهامها، بينما يشكو عناصرها المولجين بحماية البلد وصدّ التحدّيات من افتقارهم إلى الاستقرار النفسي و”الأمن الاجتماعي”.
وحتى مجلس النواب فقد حصانته في مواجهة تداعيات الانهيار، حيث تمّ تأجيل اجتماع عدد من اللجان بسبب انقطاع الكهرباء ونفاد مادة المازوت لتشغيل مولد المجلس، مع ما رتّبه ذلك من غياب الإضاءة والتكييف، وتوقف أجهزة الصوت والتسجيل.
والمفارقة الأشد قسوة هي انّ السرايا الحكومية وبعض الوزارات لا تزال تضاء وتنبض نسبيًا بفعل تبرعات بعض الشركات الكبرى ورجال الأعمال، والتي تمدّ هذه المقار بالكميات الضرورية من المازوت لتأمين الطاقة.
وعُلم انّ هذه المادة الحيوية كانت قد نفدت قبل أيام في إحدى الوزارات الأساسية، الأمر الذي أدّى إلى انقطاع تام لتيار المولّد وتوقف المكيفات وكل المعدات والتجهيزات الأخرى في دوائرها، ولم تسو المشكلة الّا بعد تدخّل متبرع من فاعلي الخير.
ونُقل عن مسؤول رسمي كبير تحذيره من انّ الدولة تفتقر إلى متطلباتها من المداخيل الضرورية وهي تقتات مما تبقّى من لحمها الحي.
وتساءل المسؤول: كيف نطلب من الجيش على سبيل المثال ان يمنع التهريب فيما هو لا يملك محروقات كافية لآلياته العسكرية؟
ويعتبر المسؤول نفسه، انّ المشكلة انّ احدًا لا يريد أن يتجرّع كأس المسؤولية، وانّ معظم المعنيين لا يجدون ضيرًا في التضحية بالمصلحة العليا لحسابات شعبوية.
وأخطر ما في هذا الواقع، هو انّ أصحاب القرار ما زالوا يتصرفون ببرودة شديدة تقارب حدّ الإنكار، فيما البلد بات يقيم داخل الهاوية، إذ انّهم يتعاطون باسترخاء مع تشكيل الحكومة ويستسهلون توقّع الفراغ الرئاسي ويستمرون في المناكفات التقليدية ويتأخّرون في إقرار خطة التعافي. فهل سيظلون قادرين على التحكّم بوتيرة الانهيار أم سيفقدون السيطرة بعد حين؟
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram
نسخ الرابط :