طلبات الرد لن تتوقف والتحقيق وحده سيبقى متوقفاً
خلال انعقاد الجلسة التشريعية الأولى للمجلس النيابي الجديد للعام 2022، أثار عضو كتلة الكتائب اللبنانية النائب الياس حنكش موضوع عدم توقيع مرسوم الهيئة العامة لمحكمة التمييز القضائية من قبل وزير المال، وتأثير ذلك على تعطيل تحقيقات انفجار مرفأ بيروت. هذا استتبع ردًا من رئيس المجلس النيابي نبيه برّي على النائب حنكش، كاشفاً أنّ المرسوم موضوع الإشكال تضمن خَطأ، وقد تمَّت استعادته في 26 تموز 2022، وسيتم تصحيحه وتوقيعه فور التصحيح.
وكان لافتاً تأكيد نائب رئيس المجلس النيابي النائب الياس بو صعب (عضو كتلة لبنان القوي) كلام بري بالقول: "ليس دفاعاً عن وزير المال، إلا أن المرسوم أرسل بشكل مخالف للأصول وسيتم تصحيحه". ولم يمرّ هذا الكلام مرور الكرام على من يسعى فعلاً للحقيقة في ملف انفجار المرفأ، فكان لا بد من البحث عن الحُجة الحقيقية لتعطيل هذا المرسوم.
لماذا تعطّل التحقيق؟
تناط صلاحية البت بطلبات الرد المقدمة بحق قاضي التحقيق في ملف انفجار المرفأ طارق البيطار بالهيئة العامة لمحكمة التمييز، التي تجتمع بنصاب أكثرية أعضائها البالغ عددهم 6 من أصل 10 أعضاء. لكن مع مرور الزمن وتقاعد القضاة بعد انتهاء فترة خدمتهم، أصبح عدد المراكز الشاغرة يتخطى العدد المطلوب لإكمال النصاب وعقد الجلسات، فطار النصاب وطارت الجلسات، وطار البت بطلبات الرد، وطارت معها إمكانية استكمال البيطار تحقيقاته، بسبب كف يده الذي يفرضه القانون خلال فترة عدم البت بطلب الرد.
وعليه، قام مجلس القضاء الأعلى برئاسة القاضي سهيل عبود برفع التشكيلات، لملء الشواغر في الهيئة العامة التمييزية، إلى مجلس الوزراء ليصار إلى توقيعها بمرسوم يوقعه كل من وزير العدل هنري الخوري (تيار وطني حر)، وزير المال (حركة أمل)، إضافة إلى كل من رئيسي الحكومة والجمهورية. وبالفعل وقّع المرسوم وزير العدل بداية، وبعد تحويله إلى وزير المالية "انضب بالجارور" وتعطّل التحقيق لفترة تقارب 10 أشهر، من دون أي سؤال أو جواب أو استفسار.
الصفقة وعناصرها
اتضح بعد كلام برّي ونائبه بو صعب في الجلسة الأولى للمجلس النيابي، أنّ هناك صفقة ما قد مرّت، فما كانت العلّة، وماذا شملت الصفقة؟
قبل العام 2011 كانت الهيئة العامة التمييزية تتألف من 9 أعضاء: 5 من المسلمين، 2 منهم من الطائفة الشيعية، واثنان من الطائفة السنية، وقاض من الطائفة الدرزية، مقابل 4 من المسيحيين، يضاف إليهم رئيس الهيئة المسيحي. ولم يكن وقتها لرئيس الهيئة أي صوت ترجيحي، على عكس الهيئات الأخرى والموزعة على الشكل التالي:
النيابة العامة التمييزية مؤلفة من مدعي عام تمييز (سنّي) كصوت مرجّح، وخمسة أعضاء مسلمين مقابل خمسة من المسيحيين.
النيابة العامة المالية مؤلفة من مدعي عام مالي (شيعي) كصوت مرجّح، وثلاثة أعضاء من المسلمين، إضافة إلى ثلاثة من المسيحيين.
التفتيش المركزي مؤلف من رئيس التفتيش القضائي (سني) كصوت ترجيحي، وعضوين للمسلمين، وعضوين للمسيحيين.
نسبة لهذا الواقع، وبعد العام 2011 تم الاتفاق على إضافة الغرفة العاشرة في محكمة التمييز للطائفة المسيحية، لتصبح الهيئة العامة على الشكل التالي: 5 غرف للمسلمين، 5 للمسيحيين، وعلى رأسها الصوت المرجح "أسوة بباقي الهيئات": رئيس المحكمة المسيحي.
والجدير بالذكر أنّ وزراء حركة أمل، ومن ضمنهم الوزير علي حسن خليل، وقّعوا على عدّة تشكيلات تضمّنت هذه الصيغة حتى العام الماضي، حين اعتبر الرئيس برّي أن هناك "خطأ" يستدعي تصحيحه، و"سيتم تصحيحه وتوقيعه"، ليستكمل التحقيق في الملف. ولكن في الحقيقة تبيّن أن التعطيل خلفيته نوايا وأهداف أساسية أخرى، تتقدم على نية تعطيل التحقيق.
وساطة بو صعب
دخول نائب رئيس المجلس على الخط خلال الجلسة ودعمه كلام الرئيس برّي، وتأكيده أنّ "المرسوم كان مخالفاً للأصول"، هما تأكيد واضح بأن وساطة بو صعب بين الرئيس برّي والرئيس عون قد نجحت، وأن الرئيس برّي قد أصاب عصفورين بحجر.
من الناحية المبدئية يهمّ برّي تعطيل تحقيقات القاضي البيطار، لأنه يعتبرها منحازة، وغير موضوعية. هذا من جهة. أما من جهة أخرى فإن الرئيس برّي يعتبر "صمام أمان البلاد". فهو حريص "جداً" على مبدأ المناصفة، وقد نجح بفرضه على الرئيس عون، بزيادة غرفة ضمن هيئة التمييز، ليلغي الصوت المرجح لرئيس المحكمة التمييزية المسيحي، فتصبح الهيئة مؤلفة من 6 غرف للمسلمين و5 للمسيحيين، يضاف إليها رئيس المحكمة المسيحي، من دون الأخذ في الاعتبار أي من الهيئات القضائية الأخرى وكيفية تشكيلها.
تأثير الصفقة على التحقيقات
الصفقة بين برّي وعون عبر بوصعب، ترجمت في اليوم نفسه الذي عقدت فيه الجلسة التشريعية، حين قام وزير العدل هنري خوري باسترداد مرسوم التشكيلات من وزارة المالية وإعادته إلى مجلس القضاء الأعلى، والطلب من المجلس إجراء التشكيلات على أساس 11 غرفة وليس 10 غرف، تماماً كما اشترط برّي.
لكن كيف سيؤثر عدد الغرف على التحقيقات في ملف انفجار المرفأ؟
في الحقيقة، يعلم برّي جيداً أن لا عدد الغرف ولا هوية القضاة حسب التشكيلات القضائية، قد تفرج عن التحقيق أو تعرقله. وحدها طلبات الرد التي لن يتوقف المتضررون، ولن يمنعهم أو يحدّهم شيء، عن تقديمها، ستحدد مصير سير العدالة في هذا الملف. ومن الواضح أن الردود لن تتوقف، والتحقيق وحده سيبقى متوقفاً.
يبقى السؤال عن التنازلات التي قدمها فريق رئيس الجمهورية، من استرداد المرسوم وطلب إضافة غرفة لتطيير تأثير المسيحيين في هذه الهيئة، وصولاً إلى معرفتهم بقدرة المطلوبين على تعطيل التحقيق بشكل أبدي، بحجة طلبات الردّ. فما هو المقابل وأين سيُصرف؟
يبقى أيضاً السؤال البديهي: رأي بكركي في هذا الإجراء. وهي التي لم تتوان عن متابعة ملف التحقيق في انفجار المرفأ، ودعم البيطار. فهل ستقبل تعطيل التحقيق لأكثر من 10 أشهر، وخسارة تمثيلها في الهيئة العامة للتمييز؟ وكذلك استمرار تعطيل التحقيق بسبب طلبات رد قاضي التحقيق اللامتناهية؟!
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :