وصف فرانك غاردنر مراسل “بي بي سي” للشؤون الأمنية، اتهامات الاعتداء الجنسي التي وجهتها البريطانية كيتلين ماكنمارا لوزير التسامح الإماراتي نهيان بن مبارك آل نهيان بأنها صادمة.
وقال “غاردنر” إنه لم يتم فتح تحقيق رسمي بعد لأسباب عديدة، فقد وقع الحادث المزعوم خارج منطقة ولاية شرطة العاصمة البريطانية، ولا يوجد تقرير للشرطة عنه في الإمارات، كما أنه من المرجح أن يتمتع الشخص الموجه له الاتهام، كعضو في الأسرة الحاكمة، بحصانة سيادية من الملاحقة القضائية.
وقالت البارونة هيلينا كينيدي، ممثلة ماكنمارا، أثناء مناقشة القضية في برنامج وومان آور في راديو بي بي سي 4، إنها تود أن ترى حكومة بريطانيا تضغط على الإمارات من أجل العدالة، لكنها اعترفت بأن ذلك سيكون صعبا من الناحية القانونية.
وهذه القضية هي الأحدث وواحدة من أكثر القضايا إثارة للقلق في سلسلة متوالية من الحوادث التي تكدر أحيانا صفو علاقات بريطانيا الوثيقة مع حلفائها العرب في الخليج.
وتعود هذه الحوادث إلى عام 1980 والعاصفة الدبلوماسية التي أثارها عرض الفيلم الوثائقي الدرامي “موت أميرة” على قناة آي تي في حول الإعدام العلني لأميرة سعودية وعشيقها الذي تم قطع رأسه.
وكلف الفيلم الشركات البريطانية نحو 250 مليون جنيه إسترليني من العقود المفقودة، وتعد هذه القضية اليوم منسية إلى حد كبير، لكن مازالت حقوق المرأة في المملكة العربية السعودية، على الرغم من أنها تتحسن ببطء، أقل بكثير من المعايير المقبولة في بقية العالم.
ثم كتب السفير البريطاني المنتهية ولايته لدى المملكة العربية السعودية السير جيمس كريغ في عام 1984 ما كان ينبغي أن يكون برقية وداعية سرية إلى رئيسه في الحكومة البريطانية، حيث اتهم مضيفيه السعوديين بأنهم “غير أكفاء ومنعزلين وجاهلين بالعالم من حولهم”.
وقد أدى تسريب البرقية ونشرها علنا إلى إحراج الحكومة البريطانية.
ومرت العلاقات بين المملكة المتحدة والإمارات العربية المتحدة بفترة عصيبة في عام 2018 بعد اعتقال ماثيو هيدجز، طالب الدكتوراه البريطاني في دبي.
وكان هيدجز يبحث في أطروحة حول الأمن في فترة ما بعد الربيع العربي، لكن المسؤولين الإماراتيين قالوا إنهم وجدوا أدلة إدانة على جهاز الكمبيوتر المحمول الخاص به تثبت أنه جاسوس، وهو الأمر الذي نفاه.
واحتُجز هيدجز لشهور قبل أن يتم العفو عنه، وقال إنه تعرض خلال تلك الفترة لـ “التعذيب النفسي” في الحبس الانفرادي.
وحتى اليوم، يعتقد الإماراتيون أنه كان جاسوسا فيما تقول بريطانيا إنه لم يكن كذلك.
ثم قبل وقت قصير من ظهور كوفيد-19 على المسرح العالمي، كانت هناك قضية رفيعة المستوى في المحكمة العليا في لندن تتعلق بالشيخ محمد آل مكتوم، حاكم دبي، وزوجته السابقة الأميرة هيا الأخت غير الشقيقة للعاهل الأردني الحالي، الملك عبد الله الثاني.
وعلى الرغم من جهود الشيخ لوقف نشر ما قالته الأميرة فقد حكم القاضي ضده.
وقد عرف العالم كيف أن الرجل البالغ من العمر 70 عاما، وهو شخصية عملاقة في عالم سباقات الخيول وغالبا ما يتم تصويره مع ملكة بريطانيا في أسكوت، قام باختطاف وسجن بناته عندما حاولن ترك الأسرة.
وحكم القاضي أيضا بأن الشيخ محمد “شن حملة تخويف وترهيب” ضد زوجته السابقة التي فرت إلى بريطانيا العام الماضي مع طفليها قائلة إنها تخشى على حياتها.
وأثار هذه القصة تداعيات لفترة وجيزة في عالم سباقات الخيول وسط دعوات من بعض الجهات لقطع الصلات مع الشيخ.
ومن بين جميع علاقات بريطانيا مع دول الخليج العربية الست، فإن المملكة العربية السعودية هي الأكثر إثارة للجدل. فقد أنتج نظامها القضائي، الغامض والقاسي والذي تعرض لانتقادات كثيرة، حالات لا حصر لها من انتهاكات حقوق الإنسان الموثقة جيدا من قبل مجموعات مثل منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش.
لكن استراتيجيي الحكومة البريطانية ينظرون إلى المملكة العربية السعودية على أنها حصن حيوي ضد التوسع الإيراني العدواني في جميع أنحاء المنطقة.
كما أن السعودية توفر وظائف لآلاف البريطانيين خاصة في صناعة الدفاع.
لكن ساهمت الغارات الجوية التي شنتها القوات الجوية السعودية في حرب اليمن، في بعض الأحيان باستخدام الطائرات والذخائر التي تبيعها بريطانيا، بشكل كبير في تصنيف الأمم المتحدة للصراع على أنه أسوأ أزمة إنسانية في العالم.
وربما كانت أكثر الحوادث التي صدمت العالم هي مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي داخل القنصلية السعودية في اسطنبول في أكتوبر/تشرين الأول عام 2018.
فقد تم تقطيع جثته ولم يعثر عليها، وخلصت وكالات الاستخبارات الغربية إلى أنه من المرجح أن يكون ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان متواطئا، وهو الأمر الذي نفاه.
وفي يوليو / تموز الماضي، فرضت بريطانيا عقوبات على 20 مسؤولا سعوديا لدورهم في مقتل خاشقجي، لكن العلاقات مع الرياض استمرت دون انقطاع إلى حد كبير.
وتتضافر عدة عوامل في ضمان ترجيح توجه العلاقات مع دول الخليج العربية نحو مزيد القرب والصلات الوثيقة وتحول دون تغير كامل في سياسات لندن في هذا الصدد.
ففي الشرق الأوسط غير المستقر حيث لا يزال يُنظر إلى تنظيم الدولة الإسلامية وإيران على أنهما تهديدان استراتيجيان، يُنظر إلى دول الخليج العربية على أنهم حلفاء ضروريون.
وتطير طائرات سلاح الجو الملكي البريطاني بانتظام من وإلى القواعد في شمال وجنوب الخليج، ولدى بريطانيا الآن قاعدة بحرية دائمة في البحرين – اتش إم إس جفير.
وتم إنشاء سرب مشترك من طائرات تايفون مع قطر، ويتم استخدام المرافق التي توفرها سلطنة عمان بشكل متزايد.
وبالطبع فإن دول الخليج غنية بشكل فلكي بفضل احتياطياتها من النفط والغاز.
وبشكل جماعي، تشكل دول الخليج العربية ثالث أكبر شراكة تجارية للمملكة المتحدة خارج الاتحاد الأوروبي حيث استثمرت تلك الدول مليارات الجنيهات الإسترلينية في اقتصاد بريطانيا، وفي مقابلة حديثة مع صحيفة ذي ناشيونال الإماراتية تحدث رئيس الوزراء بوريس جونسون عن أهمية المنطقة بالنسبة لبريطانيا.
وهناك أمران مؤكدان هنا، سيكون هناك المزيد من الحوادث في المستقبل، ويبدو أن شركات استشارات العلاقات العامة التي عينتها الحكومات الخليجية ستستمر في العمل لسنوات عديدة قادمة.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram
نسخ الرابط :