نهج جديد لملف الحدود البحرية الجنوبية!

نهج جديد لملف الحدود البحرية الجنوبية!

 

Telegram

 

جاءت زيارة المبعوث الأميركي الخاص للطاقة الدولية آموس هوكشتاين إلى بيروت في سياق جولة جديدة في ملف ترسيم الحدود البحرية الجنوبية، لكنها تختلف هذه المرة عن الجولات السابقة في حجم التهديدات الإسرائيلية التي أطلقت عشيّة وصوله إلى بيروت، والتي أرخَت بثقلها على طبيعة وقوة المفاوضات من الجانب اللبناني!!

فبعد كل السجالات السياسية والنداءات القانونية والوقفات الشعبية التي أثيرت حول أحقية وعدالة التمسّك بانطلاق خط التفاوض من الخط «29»، يأتي الرد اللبناني لآموس هوكشتاين موحدًا بين أقطاب السلطة على غير عادته ولكنه فاقدًا لنقطة القوة لإعادة الإنطلاق في المفاوضات غير المباشرة في الناقورة، ألا وهي الخط «29»!!

 

على الأغلب اننا أمام نهج جديد في المفاوضات غير المباشرة لا يستند إلى عدالة القضية التي تؤمن بها وقوة الحجج والبراهين القانونية التي تستند إليها، بل حظوظ نجاح طرحك أمام الطرف الآخر، أو بالأحرى الحصة المسموح لك أن تقتاتها من النفط والغاز في المنطقة بمباركة إسرائيلية!! فهل فعلًا هذه المفاوضات ورقة سياسية يمكن للسلطة الارتكان إليها لتحقيق مصالحها؟

 

هنا يقع على عاتق الرأي العام اللبناني مسؤولية الوعي، الوعي أولًا: بطبيعة ملف المفاوضات غير المباشرة التي تجري برعاية الأمم المتحدة بوساطة أميركية في الناقورة والتي لا تخرج عن كونها مفاوضات قانونية وتقنية بحتة لا تخضع للتجاذبات السياسية الداخلية بين أحزاب السلطة، ولا تشكّل بأي شكل كان ورقة للتفاوض مع الخارج يمكن الإرتكان إليها لتحقيق مكاسب سياسية أو تخفيف عقوبات اقتصادية على أطراف داخلية.

 

والوعي ثانيًا بأنّ الخطوط من خط «هوف» و(23) و(29) أو غيرها هي ليست مجرد خطوط اعتباطية تطرح بطريقة عبثية، بل يشكّل اعتماد إحداها قاعدة لتثبيت حقوق الشعب اللبناني في استغلال موارده وثرواته الطبيعية والاقتصادية، وتغليب أحد هذه الخطوط على الآخر إنما يرتكز إلى دراسات وبراهين قانونية وتقنية وسوابق قضائية دولية في تسوية المنازعات البحرية. لذا، فإن تمسّك الوفد اللبناني المفاوض بالخط (29) في مفاوضاته غير المباشرة لترسيم الحدود البحرية اللبنانية إنما يرتكز إلى معطيات قانونية وتقنية تشكّل القاعدة الأقوى لمطالبة لبنان بحقوقه البحرية. فما هي هذه المعطيات؟

 

بداية، لا بد من التنويه أنّ موقف الوفد اللبناني المفاوض للمطالبة بتثبيت حقوق لبنان في ثرواته البترولية انطلاقًا من الخط (29) الذي ينطلق من نقطة رأس الناقورة برًا والمُمتد بحرًا تِبعًا لتقنية خط الوسط من دون احتساب أي تأثير للجزر الساحلية التابعة لفلسطين المحتلة أي جزيرة «تخليت»، هو موقف ثابت منذ عودة جولة المفاوضات غير المباشرة في الناقورة بتاريخ 14/10/2020، وكان يرتكز منذ البداية إلى دعم سياسي من الدولة، فالمفاوضات الأخيرة لم تنطلق إلا بناء على تكليف وتوجيهات من رئاسة الجمهورية المدونة في بيانها الصادر بتاريخ 13/10/2020 والتي أكدت فيه على ضرورة التمسّك ببدء المفاوضات من الخط (29) ورفض حصر التفاوض بين الخط (1) والخط (23) كما يطالب الجانب الإسرائيلي. هذا الموقف الرسمي الذي عزّزته الدولة اللبنانية تاليًا في الكتاب المرسل إلى الأمم المتحدة بتاريخ 28/01/2022، حيث اعتبرت أنّ حقل «كاريش» - الواقع بين الخط (23) والخط (29)- حقل مُتنازع عليه فيما بين الطرفين مع المطالبة بمنع أي اعمال تنقيب في هذه المنطقة المتنازَع عليها لِما قد تشكّله من اعتداء على حقوق وسيادة لبنان.

 

وانطلاقًا من الموقف الرسمي السابق للدولة اللبنانية في اعتماد الخط (29) في المفاوضات غير المباشرة يصبح التراجع إلى الخط (23) وحتى وإن صدر عن أطراف في السلطة التنفيذية مجرد موقف سياسي مبهم لا يمكن الإرتكان إليه ما لم تدعمه الحجج والبراهين القانونية والتقنية. فلماذا إذاً الإصرار على اعتماد الخط (29)؟

 

أولًا: ترتكز المطالبة بالخط (29) على قواعد ومبادئ قانونية في ترسيم الحدود البحرية الدولية مدوّنة في المواد 15 و74 و83 من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار (UNCLOS)، والتي تعكس عرفًا دوليًا في هذا المجال.

ثانيًا: يدعم المطالبة بالخط (29) عدد من السوابق القضائية الدولية في المنازعات البحرية والتي كان آخرها نزاع ترسيم الحدود البحرية بين الصومال وكينيا.

ثالثًا: تفتقر قاعدة التفاوض من الخط (23) إلى حجج قانونية لتثبيت حق لبنان في مطالبته، ممّا قد يسقط هذا الخيار حال التمسّك به وعند أول تفاوض جدي ويُعيد قاعدة التفاوض إلى ما قبل خط هوف.

 

إنه من المؤكد أنّ إدارة هذا الملف الحيوي يجب أن تخضع للمساءلة والشفافية، فمن حقنا أن نسأل عن سبب رجوع هذا الملف إلى الوراء أشواطًا لا ندري إن كانت تُعيدنا لنقطة الصفر، ولمصلحة مَن أن يترك الوفد اللبناني من دون غطاء سياسي يحمي طروحاته التي تبنّاها والتي ترتكز إلى براهين قانونية وتقنية ومباركة رئاسية سحبت فجأة ومن دون إخطار ولأسباب يجهلها لتاريخه. ألا يحق للمواطن اللبناني أن يسأل عن القطبة المخفية في التباين بين النتائج التقنية والقانونية التي توصّل إليها الوفد اللبناني المفاوض المكلف في التفاوض حول اعتماد الخط (29) والتي انطلقت منها جولة المفاوضات الأخيرة وبين موقف الرئاسة الأخير في العودة للوراء إلى الخط (23)؟ لمصلحة مَن هذه المماطلة في إدارة هذا الملف منذ العام 2007 لتاريخ اليوم رغم وجود استراتيجية واضحة ومتكاملة للملف في جوارير مجلس الوزراء. الوقت يمر و»الكيان الإسرائيلي» وحده المُستفيد من التخبّط الداخلي في إدارة هذا الملف.

تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram

نسخ الرابط :

(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)

:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي

 

Telegram