لاريب أن النصر الوهمي الذي عبرّت عنه "القوات اللبنانية" ورئيسها وزوجته، بالهوبرة والعراضات، عشية إقفال صناديق الإقتراع الشهر الفائت، لا ينفصل عن سلسلة "الإنتصارات" الوهمية، التي كان يهلل لها "كورس فريق 14 شباط" بعد إغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري في العام 2005 وصولًا الى يومنا هذا، وكانت تأتي دائمًا عقب عقد سلسلة من المراهنات الفاشلة والمستدامة، ولاتزال ماثلةً أمام أعين الجميع.
فما حدث عشية يوم الإنتخابات النيابية الأخيرة، ليس غريبًا عن "ناموس" رواسب الفريق المذكور، الذي نسج عبر ذراعه الأمني "رواية" خيالية عن تورط القادة الأمنيين في لبنان بجريمة إغتيال الحريري، ثم إعتقالهم تعسفًا لنحو أربعة أعوامٍ من دون أي مسوغٍ قانونيٍ، كخطوةٍ تمهيديةٍ لإتهام الرئيسين العماد إميل لحود والدكتور بشار الأسد في الجريمة عينها، على إعتبار أن الجهاز الأمني الذي يمسك بأمن بالبلد، كان يخضع لأوامرهما، بحسب الهرمية التراتبية. فلم يصل فريق المراهنات الفاشلة إلا إلى نتيجيةً واحدةً، وهي ضرب الإستقرار في البلد، بعد إستهداف بنية الأجهزة الأمنية المولجة حمايته.
فقد تلا جريمة إغتيال الحريري عشرات الجرائم والتفجيرات، بعد إعتقال الضباط الأربعة: اللواءن جميل السيد وعلي الحاج، والعميدان مصطفى حمدان وريمون عازار، في وقتٍ كان يخصع فيه لبنان لحكم فريق 14 شباط وجهازه الأمني.
أيضًا، هلل الفريق عينه "لنصر إسرائيل" على لبنان، عند بدء عدوانها عليه في تموز 2006، وراهن على العدو للإنتقام من شركائه في الوطن، وكان يمنّي نفسه في إعتقالهم، وذهب الى أبعد من ذلك، فقد جهّز هذا الفريق الزنازين في سجن رومية لهذه الغاية. فكانت النتيجة هي إندحار العدو، وإعترافه بالهزيمة، ومحاسبة قادته الذين اخفقوا في هذا العدوان، من خلال إنشاء لجنة "فينوغراد"، التي أقالت في حينه وزير الدفاع الصهيوني عمير بيرتيس ورئيس أركان جيش الإحتلال دان حلوتس. غير أن فريق المراهنات الفاشلة، لم يتقبّل قرارات لجنة "فينوغراد".
أثر ذلك، نطم هذا الفريق "حملة فل" التي إستهدفت الرئيس لحود وطالبته في الإستقالة من الرئاسة الأولى في الأيام العشرة الأخيرة من شباط 2006، وحدد في حينه جعجع للحود مدة أسبوعين كحدٍ أقصى يغادر خلالها قصر بعبدا، غير أن رئيس الجمهورية الأسبق أكمل ولايته حتى آخر دقيقة من عهده.
بعدها راهن الفريق عينه على لعبة العبث بأمن البلد، وأسس لهذه الغاية مجموعات مسلحة، وحرك الفتنة من خلال إستصدار قرارين لحكومة السنيورة المبتورة وغير الميثاقية في 5 أيار 2008، بإقالة رئيس جهاز أمن المطار في حينه العميد وفيق شقير، وإزالة شبكة الخطوط السلكية التابعة للمقاومة. ثم إنتهى الأمر بسقوط هذه المجموعات دراماتيكيًا خلال ساعاتٍ قليلةٍ في 7 ايار 2008، لحقتها الحكومة المبتورة.
وجاءت الحرب الكونية على سورية، ولم يتخل هذا الفريق عن مراهناته الفاشلة، وعاد الى إبراز عراضاته المعتادة، وأيضًا حدد جعجع في حزيران 2012 توقيتًا لسقوط الدولة السورية قبل نهاية العام 2012، وأعلن أنه سيحلق شاربه على الهواء في حال عدم سقوط سورية. غير أن الرئيس الأسد إنتخب رئيسًا لولاياتين دستورتين متتاليتين 2014 و2021، ولم يبّر رئيس "القوات" بوعده، لكنه أعفى لحيته.
وهكذا دواليك يستمر جعجع بعقد المراهنات الفاشلة والاحتفال ب "الانتصارات" الوهمية، آخرها كان "النصر" الخرافي الذي حققه في الإستحقاق البرلماني الأخير، الذي سرعان ما إنكشف في إنتخابات رئاسة المجلس النيابي ونيابة الرئاسة وأمانة السر، يوم مني جعجع ومن خلفه بهزيمة مدويةً ، وظهر حجمه الواقع كأقليةٍ برلمانيةٍ.
لكن هذه المرَة، لأوهامه مفاعيل مختلفة عن سابقاتها من "الإنتصارات" الوهمية التي أعلنها، لأنه ورط معه السفير السعودي في لبنان وليد البخاري، الذي إقتنع أن جعجع سيتمكن من وراثة الرئيس سعد الحريري سياسيًا، وشارك رئيس "القوات" فرحة الوهم. ولهذه الغاية نظَّم حفلًا تأبينيًا في منزله في اليرزة في ذكرى إستشهاد المفتي الشيخ حسن خالد (رحمه الله)، قبل أن يخيب أمله في إنتخابات رئاسة المجلس النيابي. فإستدعي إثرها الى المملكة السعودية للمساءلة عما حققته خططه الفاشلة في لبنان، التي أغدقت في سبيلها المبالغ الطائلة، ولم تحقق إلا ثلاثة نتائج أساسية، وهي: تشتيت الطائفة السنية، تمثيل عاصمة أهل السنة طرابلس بنائب من "القوات" قتلة الرئيس الشهيد رشيد كرامي، وإسقاط إبن أخيه فيصل في الإنتخابات.
صحيح أن المناففين وأصحاب الأقلام المأجورة يحاولون طمس الحقائق وتعمية الرأي العام، ولكن "الحقيقة كالزيت دائمًا ". هذا غيض من فيض تاريخ بالفشل والخيبات. فهو من إتكل سابقًا على الدعم العراقي في زمن الرئيس السابق صدام حسين، وتلقى السلاح والذخيرة من العراق، إثر ذلك ذهب مباشرةً الى مهادنة الدولة السورية، وكانت آنذاك أبرز خصوم العراق في المنطقة ، وتعاون مع الجيش السوري لفرض إتفاق الطائف، والنتيجة التي أوصلته إليها أفعاله، هي سجنه 11 عامًا.
واليوم إتكأ جعجع على الدعم السعودي في الإنتخابات الأخيرة، وإحتفل في "إنتصاره" فيها، ولم تصل "فرحته الى قرعته" بعد إنتخاب هيئة أعضاء البرلمان، وإنكشف زيف ادعائه أمام السعوديين. ولكن تعقيبًا على ذلك، يطرح هذا السؤال: "كيف سيسدد جعجع حساب المملكة، وهل يكفي لسداد هذا الحساب الإفطار الرمضاني الذي أقامه في معراب؟".
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :