مع انتهاء الانتخابات النيابية الى الحصيلة التي رَست عليها من حيث غياب اكثرية واضحة المعالم، طُرحت تساؤلات حول انعكاس هذه النتيجة على الاستحقاق الرئاسي المقبل وأثرها على المرشحين المفترضين الى رئاسة الجمهورية.
في هذا الإطار، ذهب البعض الى الاستنتاج بأنّ حظوظ رئيس تيار المردة سليمان فرنجية تراجعت بعد الانتخابات، لأنّ «حزب الله» وحلفاءه لم يحصلوا على الأكثرية التي تسمح لهم بامتلاك الأرجحية في المعركة الرئاسية، إضافة إلى ان كتلة فرنجية النيابية تقلصت قياساً على ما كانت عليه، الأمر الذي من شأنه ان يُضعف شرعيته المسيحية، وفق هذا البعض.
لكنّ أوساطاً مسيحية في 8 آذار تملك مقاربة مختلفة للمشهد الرئاسي، وهي تؤكد انّ فرص فرنجية في الوصول إلى قصر بعبدا لم تضعف، انطلاقاً من انّ الاستحقاق الرئاسي في لبنان هو مركّب ومعقد، وبالتالي لا يُختصر فقط بتوازنات مجلس النواب التي تشكل احد العوامل المؤثرة في وجهته وليس كلها.
والأهم من ذلك، انّ «حزب الله» لا يتحمّل العودة مجددا إلى وصفة «الرئيس الوسطي» بعدما نجح عام 2016 في التأسيس لمعادلة جديدة من خلال إيصال رئيس حليف الى بعبدا هو العماد ميشال عون، من غير أن تكون لدى فريقه الأكثرية أيضا. وبالتالي، فإنّ التنازل عن هذا «الإنجاز» لصالح شخصية وسطية غير «مضمونة»، كما بَيّنت التجربة مع الرئيس ميشال سليمان، سيسبّب اختلالا كبيرا في التوازن وسيشكل خسارة لأحد المكاسب الاستراتيجية، تبعاً لقراءة الاوساط التي ترجّح ان يتمسّك الحزب بإبقاء رئاسة الجمهورية في حوزة 8 آذار، في مقابل وجود رئيس حكومة من لون آخر، لا سيما انّ الوضع الاقليمي للحزب راهناً هو افضل منه إبّان انتخاب عون.
وتلفت تلك الاوساط الى انّ الحزب يهمه ان يتواجَد في قصر بعبدا رئيس يكون صديقا للمقاومة، وفي الوقت نفسه مقبولا من البيئة المسيحية، «وهذا ما يمكن أن يحققه فرنجية المُنفتِح على الجميع وضمنهم الخصوم، من دون أن يتخلى عن ثوابته الاساسية».
وضمن هذا السياق، ترى الاوساط انّ فرنجية، وعلى رغم اصطفافه السياسي الواضح، يمكنه ان يشكّل همزة وصل بين مختلف المكونات، «كما أنه أبدى انفتاحاً على قوى التغيير التي أفرزها حراك 17 تشرين في دلالة على مواكبته للتحولات التي طرأت على مزاج شريحة واسعة من اللبنانيين»، مشيرة الى ان معظم من يقدّمون أنفسهم وسطيين هم أقرب الى 14 آذار ولكن بطريقة مموّهة.
وما يعزّز أوراق فرنجية، تبعاً للاوساط، انّ الفريق الآخر مُبعثر مهما حاول رموز فيه الايحاء بالعكس، «ونقاط الاختلاف داخله هي اكثر من نقاط الالتقاء، والارجح انّ حسابات المعركة الرئاسية ستزيد من تَشظّيه»، ملاحظة انّ ما يُفرّق، على سبيل المثال، «القوات» و«الكتائب» وقدامى «المستقبل» و«الاشتراكي» ونعمة افرام وميشال معوض ونواب المجتمع المدني إنما يفوق ما يَجمعهم.
غير أنّ التحدي الاكبر الذي يواجه فرنجية ينتظره أولاً داخل الصف الواحد قبل أن يكون موجودا في مكان آخر، إذ انّ تسهيل وصوله الى الرئاسة يستوجِب ان يمتنع رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل عن ترشيح نفسه، ثم ان يدعم عبر أصوات كتلته خيار فرنجية، فهل يمكن أن يفعلها رئيس «التيار»؟
تعتبر الاوساط المسيحية في 8 آذار انّ باسيل قد لا يُمانع في انتخاب فرنجية، لاقتناعه الضمني بأنّ طريقه الى القصر ليست سالكة ولا آمنة، مضافاً الى ذلك أن من مصلحته الطويلة الأمد تكريس بقاء الرئاسة ضمن الفريق الاستراتيجي الذي ينضوي تحت لوائه، «لأنّ من شأن هذا الأمر ان يترك باب الطموح الرئاسي مفتوحاً امامه في المستقبل».
وتلفت الاوساط الى انه اذا تعذّر على باسيل بلوغ موقع الرئاسة، كما يبدو حتى الآن، فسيكون من المنطقي ان يفضّل رئيس «المردة» على اي مرشح آخر، خصوصاً ان «حزب الله» يمكن أن يشكّل «ضمانة» له، وتحديداً فيما يتعلق بمراعاة فرنجية لمصالحه خلال ولايته الرئاسية، «انما يبقى على باسيل ان يقرر ما اذا كان سيُغلّب المتطلبات الاستراتيجية للخط العريض الذي ينتمي اليه على ما عداها».
وتشير الاوساط الى ان العلاقة بين باسيل وفرنجية آخذة في التحسّن منذ إفطار المصالحة وصولا الى تبادل الإشارات الايجابية خلال الانتخابات النيابية وبعدها، ما يُعطي انطباعا بأنّ احتمال حصول تفاهم بينهما حول الملف الرئاسي ليس مستحيلاً.
واذا تحقق هذا التفاهم، فإنّ الاوساط تؤكد ان «حزب الله» والتيار الحر والحلفاء يمكن أن يؤمّنوا قاعدة صلبة من نحو 60 نائباً لدعم ترشيح فرنجية، على أن يتم الاستناد اليها من أجل استقطاب العدد المُتبقّي لضمان فوزه بالاكثرية في الجلسة الثانية لانتخاب الرئيس.
وبالنسبة الى ما خَص الحجم النيابي لـ«المردة» وتأثيره على مشروعية ترشيحه من عدمها، تلفت الاوساط الى انّ نائباً بالزائد او بالناقص ليس معياراً مقرراً في المواصفات الرئاسية، «علماً انّ اولوية فرنجية خلال الانتخابات الأخيرة لم تكن الفوز بكتلة بل انّ ما يعنيه اكثر هو وجود تكتل يضم متحالفين منسجمين، وهذا ما يجري العمل عليه حالياً في سياق التحضير لولادة تكتل من خمسة نواب على الاقل».
وأبعد من التفاصيل الداخلية، تؤكد الاوساط انّ فرنجية هو الأكثر ملاءمة لمواكبة التسويات الإقليمية المحتملة في المرحلة المقبلة، خصوصاً انّ علاقاته جيدة مع الدول المعنية بالشأن اللبناني، شرقاً وغرباً.
نسخ الرابط :