لن يسهّل رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل على خصومهما وحلفائهما الأشهر الخمسة الأخيرة من عمر العهد. لا بل إن هذه الأشهر ستكون استراتيجية لتأكيد الاستمرارية أو عدمها
لم يبقَ لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون في قصر بعبدا إلا خمسة أشهر، تنتهي معها ولايته الدستورية. ولم يبقَ لرئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل إلا الأشهر الخمسة كي يرسم مع رئيس الجمهورية استراتيجية ما قبل انتهاء الولاية وما بعدها. وبعيداً عن السجال حول احتمال بقاء عون في قصر بعبدا أو خروجه منه ليل 31 تشرين الأول، فإن الأشهر الخمسة المقبلة ستبدو للبعض كأنها تساوي السنوات الخمس ونصف السنة التي مرت حتى الآن. بهذا المعنى، فإن عون لن يرتضي ما لم يرتضِه سابقاً، وهو وباسيل لن يسلّما، بهدوء وسلاسة، ما لم يسلّماه طوال مرحلة العهد، بما أن العدّ العكسي بدأ. والانتخابات النيابية زادت من مخاوف عون الجدية ومحاذيره في ما يتعلق برسم مسار خليفته وتياره الوطني، كما أن ما حصل داخل التيار في الانتخابات يطرح تساؤلات جدية عما ينتظره بعد ليل 31 تشرين الأول.
يتصرف عون وباسيل على أن خصومهما يتعاملون معهما على أنهما «انتهيا» بالمعنى السياسي، وأن نهاية الولاية تختم بالشمع الأحمر مرحلة سياسية عمرها ما لا يقلّ عن ثلاثين سنة. ولأن الاثنين يعرفان تفكير خصومهما وموقفهم المعادي الذي ينتظر بفارغ الصبر نهاية تشرين الأول، يسعيان الى قلب الآية، فيتصرّفان على قاعدة تثبت أن «الاستمرارية» ستبقى قائمة، وأن عهد عون لن ينتهي بالمعنى الحرفي، حتى الآن سياسياً، وأن التيار الوطني مستمر بقوة تصاعدية. لذلك سيلعب باسيل، حتى الرمق الأخير من عمر العهد، اللعبة السياسية نفسها التي اعتادها في السنوات الخمس وحتى ما قبلها. وما سيجري من الآن وصاعداً هو استنفاد كل الوسائل في الاستحصال على ما يريده ويعزز وضعيته السياسية في انتخابات المجلس النيابي بكل وجوهها، من نيابة رئاسة المجلس الى هيئة مكتب المجلس الى اللجان وتشكيل الحكومة وتحصيل الحقائب التي يريدها، وصولاً الى رئاسة الجمهورية. وهو يستند بين كل هذه المحطات الى ما يمتلكه رئيس الجمهورية من حق أساسي في توقيع مراسيم الحكومة. هذه الورقة الأساسية التي لا يزال يملكها عون تشكل رصيد باسيل في استعادة موقعه محاوراً ومشاكساً أو معرقلاً لتشكيل الحكومة، ما لم يحصل على ما يريده.
لن يسهّل باسيل على خصومه، وحتى على حلفائه، الأشهر الخمسة المقبلة، بل سيكون أكثر تشدداً لأنه يلعب لعبته الأخيرة. وسيكون صعباً على حلفائه الذين ساهموا في تعزيز حصته النيابية لضمان مرحلة ما بعد الولاية الحالية، إقناعه بإمكان التخلّي عن حقائب يراها حقاً مكتسباً. وسيجد نفسه في موقع حساس لإيجاد توازن بين ما يريده منه حلفاؤه الذين قلّ عددهم ليقتصروا على حزب الله، وبين الاستراتيجية التي يريدها لضمان موقعه وموقع التيار من الآن وحتى موعد الانتخابات الرئاسية وما بعد الموعد المضروب لها. فلحزب الله حسابات مختلفة جداً في هذه المرحلة، واستراتيجيته للأشهر المقبلة قد لا تكون بالضرورة منسجمة مع رؤية حليفه الذي ساهم في نجاحه. كما أنه سيكون مضطراً إلى مراعاة حليفه الآخر، الرئيس نبيه بري، كواحد من المجموعة السياسية التي تنتظر بفارغ الصبر الأشهر الخمسة الأخيرة، ولن يكون بمقدور الحزب إقناعه هو الآخر بتقديم هدايا لعهد ينتهي وتيار خاصمه منذ عام 2005 ولا يزال.
في المقابل، ينطلق باسيل، في مواجهة خصومه، من مقولة الاستمرارية بأيّ ثمن. لكن المشكلة أن خصومه وحلفاءه يعرفون تماماً أن معركته الأساسية بدأت داخل التيار الوطني الحر، وأن قراءة أرقام ما حصل عليه نوابه، بغضّ النظر عن عدد المقاعد، جرس إنذار داخل التيار وليس فقط في الشارع المسيحي. وإشكالية قيادة التيار أنها لم تتعامل بواقعية مع ما حصل ومع توزع عدد الأصوات في دوائر أساسية، لأن ما جرى هو واحد من المؤشرات التي يفترض بالتيار التعامل معها بجدية مع اقتراب نهاية العهد. فأداء نواب حاليين وسابقين في التيار ومسؤولين فيه، سيكون على المحك كلما اقتربت الساعة الصفر، وستكون حالة التيار العامة تحت المجهر، لتضيف الى إشكالات باسيل إشكالات إضافية، وخصوصاً أن هالة عون وموقعه الرئاسي لا يزالان يؤمّنان غطاءً لباسيل في التيار، كما في الدوائر السياسية. لكن تذكيراً، فإن ثلاثة من المرشحين الذين أرادهم عون شخصياً بقوّة سقطوا لمصلحة مرشحين آخرين. وهذا لا يصبّ في مصلحة «الاستمرارية» التي يفترض أن تؤمنها القاعدة العونية ومن ثم الباسيلية للتيار الذي أطلقه عون في التسعينيّات.
يريد باسيل أن يثبت للجميع أن التيار لا يزال قوياً وأن العهد الذي ينتهي لا يزال قائماً بقوة الاستمرارية. لذلك، سيشهد الواقع السياسي رفع مستوى المعارك الى الحدّ الأقصى بالأسلوب نفسه الذي خاض فيه المعارك الماضية والانتخابات، من دون الالتفات الى كمّ الخسائر التي حصدها على الطريق.
نسخ الرابط :