ينشط السفير الألماني في لبنان أندرياس كيندل بشكل ملحوظ قبيل الانتخابات النيابية من خلال دعمه ولقاءاته مع ممثلي منظمات المجتمع المدني التي تسعى للوصول إلى السلطة في الانتخابات كبديل عن «السلطة الحالية الفاسدة»، إضافة إلى لقاءات مع ممثلي أحزاب تقليدية تحاول اليوم تقديم نفسها على أنها معارضة لسنوات من الفساد وسوء الإدارة كالقوات اللبنانية وميشال معوض وغيرهما.
ولا يقتصر التدخل الألماني على نشاط السفير، بل يمتد إلى الترويج الانتخابي في الإعلام من خلال مؤسسات سياسية تابعة لأحزاب ألمانية تتلقى معظم تمويلها من الحكومة الألمانية (حوالي 95% من إيراداتها السنوية)، ما يجعلها رغم استقلاليتها المصطنعة مقيدة بقواعد تضعها الحكومة الألمانية لها للقيام بمهام يصعب على وزاراتها وموظفيها الرسميين القيام بها. أبرز هذه المؤسسات العاملة اليوم على ملف الانتخابات في لبنان مؤسستا «كونراد أديناور» و«فريدريش إيبرت».
مطلع هذا العام، أطلقت «كونراد أديناور» التابعة لحزب «الاتحاد الديموقراطي المسيحي» سلسلتين من البرامج (Podcasts) على صفحتها الخاصة على موقع «يوتيوب» تحت عنوان «Debate مفتوح» وPower of Change أو «قوة التغيير». على مدى 20 حلقة خلال ثلاثة أشهر، استقبلت هذه البرامج مرشحين وممثلين عن الحركات التغييرية التي انتشر معظمها بعد أحداث 17 تشرين (مثل تحالف وطني، شبكة مدى، منتشرين، تقدم، لحقي، بيروت مدينتي...) إضافة إلى مرشحين بارزين ونواب ووزراء سابقين كبولا يعقوبيان، سجعان قزي، زياد بارود، ريا الحسن وغيرهم.
وأنتجت المؤسسة وثائقياً بعنوان «طريق العودة من جهنم» يهدف إلى «عرض الخطط الاقتصادية والمالية المقترحة من الأحزاب السياسية القائمة ومنظمات المجتمع المدني التي تقدم نفسها بديلاً عن السلطة القائمة في البلاد». واختزلت المؤسسة الألمانية في الوثائقي هؤلاء «التغييريين» بكل من الكتائب والقوات اللبنانية و«كلنا إرادة» والحزب التقدمي الاشتراكي و«مواطنون ومواطنات في دولة» و«المرصد الشعبي لمحاربة الفساد»). تشير المؤسسة في بداية الوثائقي إلى أنه صُوّر بين تشرين الأول وتشرين الثاني 2021 لكنها لم تعرضه حتى نيسان من 2022، من دون توضيح سبب تأجيل عرضه. يصوّر الوثائقي أن الحل للأزمة اللبنانية لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال الاتفاق مع صندوق النقد الدولي الذي يشكل ضمانة للمجتمع الدولي للتعامل مع الدولة اللبنانية وخصخصة القطاع العام وتعافي القطاع المصرفي الذي لا يمكن لأي اقتصاد أن يقوم من دونه. علماً أن «كونراد أديناور» تعلن على موقعها الرسمي الإلكتروني عن شراكتها مع كلٍ من الكتائب والقوات اللبنانية لمساعدتهما على إعادة تقديم نفسيهما كمعارضين للنظام القائم وكبديل يستحق الاستماع له والأخذ برأيه وخططه.
ونشرت «كونراد أديناور» دراسة في شباط الفائت عن الوضع السياسي والاجتماعي والاقتصادي للبنان تضمنت استطلاعاً للرأي حول الانتخابات النيابية المقبلة شارك فيه حوالي 1200 شخص. ويظهر هذا الاستطلاع أن حوالي 40% من الناخبين اللبنانيين يؤيدون المرشحين المستقلين أو مرشحي الأحزاب التغييرية، أما أحزاب السلطة التقليدية فنسبة تأييدها وصلت إلى مستويات دنيا (حركة أمل مثلاً حصلت على 3% فقط).
أما «فريدريش إيبرت»، وهي أقدم مؤسسة ألمانية تموّلها الحكومة الألمانية وترتبط بالحزب الديموقراطي الاجتماعي وتعدّ من أقدم المنظمات غير الحكومية الدولية الموجودة حالياً في لبنان (منذ عام 1966)، فتعمل على تمويل منصة «ميغافون» لإنتاج محتوى حول الانتخابات النيابية المقبلة. وقد نشرت هذه المنصة الشهر الفائت مادة بعنوان «كيف تخرق المعارضة»، تشرح بالتفصيل، وبحسب كل دائرة، كيفية وإمكانية تحقيق مجموعات المعارضة خرقاً وإيصال مرشحيها بسبب طبيعة قانون الانتخابات. وأخذت النائب الراحل مصطفى الحسيني مثالاً بسبب وصوله للبرلمان من خلال 256 صوتاً تفضيلياً فقط. المادة الأخرى التي نشرتها «ميغافون» بتمويل من المؤسسة الألمانية تحدثت عن تجاوزات السلطة خلال الانتخابات السابقة، وعملت على مقارنة أحزاب السلطة التي تتلقى «تمويلاً خارجياً وتستغل المال العام والوزارات خلال الانتخابات» بمقابل التجمعات المستقلة التي «تحظى بتمويل شعبي فقط» مثل «تحالف كلنا وطني» في انتخابات 2018، ثم انتقلت لتتحدث عن تغطية «الأبواق الإعلامية التقليدية» للانتخابات والتي تعمل على «تغطية طرف واحد من دون الآخر».
إلى ذلك، تنتج مؤسسة «فريدريش إيبرت» برنامجاً تلفزيونياً يُعرض على شاشة المؤسسة اللبنانية للإرسال (LBCi) بعنوان «نص المزح جد» تستقبل من خلاله مرشحين عن «المجموعات التغييرية» لتقديم أنفسهم وشرح برامجهم (في حال وجودها) للناخبين اللبنانيين. تقدم المحطة والمؤسسة الألمانية برنامجهما بصراحة على أنه «برنامج سياسي جديد يهدف إلى تشجيع الناس على التصويت للتغيير في الانتخابات المقبلة».
وكان مدير مكتب المؤسسة في بيروت آرمن هايزمن صرّح لـ«الأخبار» بأن «فريدريش إيبرت» التي لا «تكشف أو تجد أنه من الضروري الكشف عن جميع مشاريعها»، لا تجد أي ضرورة لتقديم معلومات للحكومة اللبنانية عن حجم التمويل الذي تنفقه وكيفية توزيعه على المشاريع المقامة باسمها، بل تقدمه حصراً للحكومة الألمانية، «لأننا يجب أن نكون مسؤولين أمام الحكومة الألمانية المانحة ولكن لا يجب أن نظهر هذه المساءلة للشعب اللبناني الذي لا تهمه هذه المعلومات». بالإضافة إلى تعريفه الواضح للمؤسسة التي يرأسها في بيروت بأنها ليست «جمعية خيرية» وإنما «مؤسسة سياسية تعمل على نشر السياسات الديموقراطية الاجتماعية المرتبطة بالحزب السياسي الألماني الذي انبثقت منه».
نسخ الرابط :