لا مكان بين السياسيين حالياً لغير التفاؤل بتأليف حكومة سريعاً. غالبية العقد حُلت أو تكاد، لكن تبقى مسألة التمثيل المسيحي. حساسية المسألة مرتبطة بحساسية العلاقة بين سعد الحريري وجبران باسيل، لكن ثمة من يؤكد أن تلك لن تكون عقبة دام رئيس الجمهورية يمثّل «ضمانة مسيحية»
حركة سعد الحريري توحي بأنه مستعجل التأليف، كما سبق أن أعلن في البيان الذي تلاه بعد تكليفه. الخميس كُلّف، والجمعة أجرى الاستشارات النيابية، والسبت والأحد التقى رئيس الجمهورية. رغم التكتّم الشديد وبيانات التوضيح، إلا أن الأجواء إيجابية. في لقاء السبت، جرى الاتفاق على حكومة عشرينية، لا مصغّرة. مبدأ إدارة وزير واحد لأكثر من وزارة بدا غير عملي بالنظر إلى تجربة الحكومة المستقيلة. وبالرغم من أن ذلك اللقاء لم يتطرق إلى آلية التأليف، لكن الحريري أبلغ عون حرصه على التفاهم معه على كل شيء. لم يرشح الكثير عن لقاء أمس، لكن مجرد انعقاده بهذه السرعة أوحى أن أمور التأليف تتقدم، وهو ما أكده المكتب الإعلامي لرئاسة الجمهورية أمس. وإذ خرجت كلمة من القصر الجمهوري، فإن بيت الوسط يفرض تكتّماً شديداً على اللقاءات التي يجريها ونتائجها.
مع ذلك، فإن الحديث عن تأليف سريع يزداد حضوراً في الأوساط السياسية. لا أحد يتعامل مع يوم التكليف بوصفه اليوم الأول لانطلاق قاطرة التأليف. الحريري بدأ التأليف فعلياً لحظة تكليف مصطفى أديب. وإلى أن اعتذر الأخير، كان الحريري قد قطع شوطاً كبيراً. الكثير من الإشكاليات والعقبات ذُلّل في تلك الفترة، وهو يستكمل عمله بناءً على ما وصل إليه من نتائج، خاصة أنه يعرف تماماً مطالب كل طرف. وعلى سبيل المثال، لم تعد فكرة الحكومة المصغرة التي سبق أن أصرّ عليها الحريري عبر أديب مطروحة، كما لم يعد التأليف من دون الأخذ برأي مختلف الكتل مطروحاً. وكذلك لم تعد مسألة وزارة المالية، التي استهلكت وقتاً طويلاً من مساعي «التأليف الأول»، مطروحة في «التأليف الثاني». حتى مسألة الحصة الدرزية اتفق عليها قبل التكليف الثاني. لم يعد يبقى سوى معالجة مسألة الحصة المسيحية، وتلك هي الأكثر تعقيداً. على ما يبدو، فإن الجميع سلّم بواقع أن رئيس الجمهورية سيكون هو المعني بتسمية العدد الأكبر من هذه الحصة، إضافة إلى تمثيل تيار المردة والقومي والطاشناق. وفيما سبق أن أكد النائب جبران باسيل للحريري، خلال الاستشارات، أنه يؤيد ما يتفّق عليه مع رئيس الجمهورية، إلا أن القلق من تفجير الموقف لا يزال قائماً، بالنظر إلى التعقيدات والحساسيات الموجودة أو التي يمكن أن تطرأ.
التيار: الحريري متّجه صوب حكومة من اختصاصيين مدعومين من أحزاب
باسيل لا يزال في انتظار أن يضع الحريري «قواعد التأليف ليبنى على الشيء مقتضاه». الجيد، في رأي قيادة التيار، «هو الاتفاق على أن أسماء الوزراء يجب ان تحوز موافقة رئيس الجمهورية. الأجواء عموماً إيجابية لكن الخشية تكمن في شيطان التفاصيل. على الأغلب الحريري متّجه صوب حكومة تكنو سياسية ليس بمعنى تقسيم الوزراء بين سياسيين واختصاصيين، ولكن باختصاصيين مدعومين من أحزاب، رغم أن البعض قد يتشاطر بالترويج للأمر على أنه حكومة اختصاصيين».
الراعي: المداورة الشاملة
في سياق متصل، دعا البطريرك الماروني بشارة الراعي الرئيس المكلف إلى «تخطّي شروط الفئات السياسية وشروطهم المضادة، وتجنّب مستنقع المصالح والمحاصصة وشهية السياسيين والطائفيين، فيما الشعب منهم براء». وتوجه إليه بالقول: «التزم فقط بنود الدستور والميثاق، ومستلزمات الإنقاذ، وقاعدة التوازن في المداورة الشاملة وفي اختيار أصحاب الكفاية والأهلية والولاء للوطن، حيث تقترن المعرفة بالخبرة، والاختصاص بالاستقلالية السياسية». وحذر من «الاتفاقيات الثنائية السرية والوعود، فإنها تحمل في طياتها بذور خلافات ونزاعات على حساب نجاح الحكومة». وقال الراعي: «لا تضع وراء ظهرك المسيحيين، تذكر ما كان يردّد المغفور له والدك: البلد لا يمشي من دون المسيحيين». واعتبر أن الحريري، «خلافاً لكل المرات السابقة، أمام تحدّ تاريخي وهو إعادة لبنان إلى دستوره نصاً وروحاً، وإلى ميثاقه، وإلى هويته الأساسية الطبيعية كدولة الحياد الناشط، أي الملتزمة ببناء سيادتها الداخلية الكاملة بجيشها وقواها العسكرية، والقائمة على سيادة القانون والعدالة، والممسكة وحدها بقرار الحرب والسلام، والمدافعة عن نفسها بوجه كل اعتداء خارجي بجيشها وقواها الذاتية، والفاصلة بين الحق والباطل». ودعا إلى «العجلة في تشكيل الحكومة، لكن ليس على قاعدة: من مشى مشى، ومن لم يمش يبقى خارجاً».
نسخ الرابط :