إذا كان معلوماً أن العاصفة الطبيعية التي تضرب لبنان بفعل المنخفض الجوي (GRETTA) حملت معها الأمطار والرياح والثلوج، فليس معلوماً بعد ماذا سيحمل الأسبوع المقبل من عواصف سياسية مع دخول البلاد فعلياً مدار الانتخابات النيابية، على مسافة أيام من إقفال باب الترشيحات رسمياً.
فمع بدء العد العكسي لاستحقاق 15 أيار، يبدو أنّ الحماوة الانتخابية ستكون على أشدها مع بدء جميع الأطراف والقوى "تزييت" ماكيناتها للانطلاق في ترشيحاتها على أرض المعركة، والتي ستكون بطبيعة الحال مصحوبة بكلام سياسي مرتفع النبرة، بدءاً مع التصعيد المرتقب لرئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل غداً، مروراً بالمؤتمر "الانتخابي" الذي يعقده رئيس مجلس النواب نبيه بري بعد غد الاثنين، وما بينهما محطة سيادية لرئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع في مناسبة 14 آذار في اليوم نفسه، علماً أن هذه المناسبة سبقها تثبيت المحكمة الدولية الخاصة بلبنان إدانة 3 من قياديي وعناصر "حزب الله" في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، في وقت يستمر "الحزب" في إطلاق مواقفه التصعيدية "النافرة" لا سيما على أعتاب تعليق مفاوضات فيينا وترنح "الاتفاق النووي" مع إيران، وليس آخرها إعلان رئيس كتلة "الوفاء للمقاومة" النائب محمد رعد أمس أنّ "المعادلة الذهبية: الجيش والشعب والمقاومة" هي المعادلة التي تبقى لُبّ ومحور الإستراتيجيّة الدفاعية التي تحمي لبنان... وكلّ ما عدا هذا الكلام لا يحمي لبنان".
غير أنّ كل مشهد الاستعدادات الانتخابية، لا يعني بحسب بعض المراقبين أنّ محاولات "تطيير" الانتخابات ستتوقف، وسط تخوف كثيرين من استئناف "التيار الوطني الحر" محاولات توتير الاجواء في سياق التعبئة السياسية للتشويش على الاستحقاق، ربطاً بإثارة جملة ملفات "توتيرية" ترمي إلى تعكير الأجواء و"تفجير" أرضية التحضيرات اللوجستية الجارية لإجراء الانتخابات في موعدها المقرر في 15 أيار.
وبناء على ما تقدّم يتأكد جلياً أن لبنان يسير مبدئياً إلى انتخاباته البرلمانية تحت وطأة واقع اقليمي ودولي متفجر وخطير يُخشى أن تطال تردداته الساحة اللبنانية من باب تطيير الانتخابات والترسيم الحدودي على حد سواء... أما اقتصادياً ومالياً واجتماعياً ومعيشياً، فمن تحت "دلفة" اعتباطية قرارات الحكومة، إلى تحت "مزراب" مصرف لبنان يسير موظفو القطاع العام، ومعهم كل الاقتصاد، من دون مظلة تقيهم شر الإجراءات التضليلية. إذ بات من الصعب الحصول على أكثر من 60% من الزيادة المقرة على الراتب بقيمة تتراوح بين مليون ونصف المليون ليرة وثلاثة ملايين ليرة، بينما الـ 40% المتبقية ستخصص للشراء عبر البطاقات المصرفية، أو التسديد بواسطة الشيكات، لكنّ المشكلة المستجدة تمثلت بإيقاف كل المؤسسات التجارية العمل بالبطاقات كلياً، كالمحطات، أو جزئياً كالسوبرماركات.
ولم يتأخر مصرف لبنان على ضوء الزيادات المقرة على رواتب الموظفين، بإعلام المصارف أنه سيغطي فقط 60% من المساعدات الاجتماعية المذكورة نقداً، وليس 100% منها كما كان يتوقع الموظفون والمتقاعدون. وعليه ستلتزم المصارف بقرار المركزي كما أشارت في بيان أمس "متمنيةً على وزارة المالية ومصرف لبنان توضيح المسألة للموظفين، تفادياً لأي إشكالات على صناديق المصارف وفروعها، ولتجنب أي انطباعات خاطئة من قبل موظفي القطاع العام".
لكنّ المصارف التي تبرأت من أي مسؤولية في اقتطاع جزء كبير من المساعدات الاجتماعية النقدية، "لم تقل في بيانها أن توقّف المؤسسات عن قبول بطاقات الإئتمان مرده إلى احتجازها الودائع بالليرة، ومنع المؤسسات من سحب حاجاتها النقدية منها، أو حتى تحويلها إلى حسابات موظفيها لتسديد رواتبهم"، بحسب ما يلفت خبير اقتصادي، بل هي ذهبت أبعد باتجاه "فرض عمولات تصل إلى 12% من قيمة السحوبات".
وبالاضافة إلى تكبد المواطنين خسائر كبيرة جراء توقف أغلبية المؤسسات عن قبول وسائل الدفع الالكترونية، فإنّ "الخسائر على الاقتصاد ستكون أكبر بكثير" وفق ما يحذر الخبير الاقتصادي، فـ"الأموال المحتجزة بالليرة أصبحت حبراً على ورق. وهي ستؤدي إلى أمرين مؤكدين، خسارة الليرة في الحسابات لجزء من قيمتها، على غرار ما حصل مع الدولارات المحجوزة، التي خسرت نحو 80% من قيمتها الحقيقية، لتنشأ في ظل هذا الواقع تعاملات "البيرة"، أي الليرة البنكية التي يتوقع أن تخسر ما لا يقل 25% من قيمتها، بمعنى أن الشيك بمليون ليرة سيباع في السوق بـ750 ألف ليرة نقداً أو حتى أقل، وهذا ما يقودنا إلى النتيجة الثانية للقرار، وهي: "المضاربة على الليرة في السوق السوداء" وفي جميع الحالات سيدفع المودعون والمؤسسات ومن خلفهم الاقتصاد الجزء الأعلى من الخسائر المتوقعة جراء ذلك".
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :